آدم أُغويَ وضلَّ الطَّريق فوقعَ في العصيان،
ونظرَ إلى نفسه فإذا هو بِعُريان،
ونسيَ أنَّه مخلوقٌ على صورةِ الله المنّان،
فاختبأ بعيدًا عن العَيان. وكذا زوجتُه حواء انجرّتْ وراءَ الشيطان،
إذْ صدَّقَتْ حيلَه فوقعتْ في شباكه، وهَوتْ في مسالك البُطلانِ والهوان،
وراحتُ تسترُ عُرْيَها بأوراق تينٍ كما فعل آدمُ الإنسان.
حتى صارا من الخوف يرتجفان وقد خسرا الرِّهان.
ظنَّا أنَّهما بعيدانْ،
إذ أصابَهما النِّسيان.
لأنَّ الخالق الذي على خليقته سهرانْ،
وعينُه أبدًا على الإنسان،
لم يتركْهما في ذلك الآنْ،
بل ناداهُما كالعادة مستفسِرًا عن المكان
فردَّ آدمُ بخوفٍ وخشيةٍ لأنه فقدَ الأمان
واعترف بأنّه خجلانْ.
فسأله: وهل أكلتَ من ثمر الشجرة التي أنهيتُك عنها؟
- إنَّها المرأةُ أيُّها الرحمانْ، هي التي غرّتني فأكلْتُ، المرأة التي أعطيْتَني هي التي أوقعتْني في حبائلِ النُّكران والعصيان.
أما المرأة فسكبتْ غضبَها على الحيّةِ الثُّعبان التي وقعتْ في شراكِها لأنَّها هي الماكرة في التَّيهان.
عندَها أصدر الله الخالق حكمَهُ على كلٍّ من هؤلاء، وأسلمهم إلى الهوان
إذ طردهم خارج دائرةِ الأمنِ والأمان
وبعيدًا عن كلِّ اطمئنانٍ وضمانْ.
لكن، هل تخلَّى الإلهُ الحنَّان عن الإنسان؟!
كلَّا، بل نراهُ وقبل أن يُخرجهما من الجِنان، يَعِدُ الإنسانَ بالقضاءِ على مصدرِ الشر والبُطلان،
وسحْقِ رأسِ الحية الأفعوان،
بإرسال مولودِ المرأة الذي وحدَه يدمِّر كلَّ ما لها من كذبٍ وخداع وسلطان،
ويؤمِّن الخلاصَ من الدينونة والحسْبان
عن طريق الإيمان وليس العيان.
ويبقى الرحمانُ على الرَّغم من طرد الإنسان
من الجنة حيث العشرةُ الحلوة والعلاقةُ بين الخلّان، يتواصلُ معه ولم يتركْه فريسةً لليأس والأحزان.
وعلى مرِّ العصور والأزمان
لم يتخلَّ قطُّ عنه بل جاء بالإعلان
عن خطته في إعادةِ خلْق الإنسان
ليس في الشكلِ والمظهَر بل في القلب والجوهَر. فهو إلهُ الحبِّ والصلاح، لا يستطيع أن يُهملَ مَن خلَق على صورته المثال، بل يُمهلُه ويمنحُه فُرَصًا للعودة والرجوع إلى حضنِه الدفيء المليء بالعطفِ والحنان.
وتتحرَّك أحشاءُ الآب لتفيضَ بالحبِّ السامي والنبيل بأسمى معانيه، بعد أن تأكَّد من فشل الإنسان
من تطبيق وصاياه وشرائعه على مرّ الزمان.
وهنا يرسلُ الآب ملاكَه بأحلى بشارة للملا وأجمل إفصاحٍ وإعلان
عن تجسُّد ابنِه الوحيد وولادتِه من مريم العذراء المباركة عن طريق حلول الروح القدوس في أحشائها وقوة العليّ التي تظلِّلها. أجل، فالابن الحبيب الذي هو في الأحضان
منذُ بداية الأزمان
سيأتي ليفديَ البشر من شرِّ الضلال والآثام والبُهتان.
الابنُ المخلّص الذي سيكونُ وسيطَ عهدٍ جديد ليس له مثيل في سابق الأوان.
وفي الوقت المعيّن من قِبَل الآب يأتي المسيَّا المنتظر الذي طالما تنبأ عنه الأنبياء وامتلأت بأخباره الأسفارُ. فالروح تكلّم حقيقةً ولم يكن ذلك بِهَذيان.
يأتي ابن الإنسان
لكي ينتشلَ الإنسان من بؤرةِ الهوان
ومفاسد الشيطان،
فيقدِّم له الخلاصَ والإنقاذ بالمجّان.
جاء ليفتديه بأغلى الأثمان
إذْ هناك حمَل بنفسه عقاب خطايا البشر على عودٍ من خشب ومات عوضًا عن آدم أول إنسان
وكلِّ نسله من بعده الحيران والعريان.
أتى لينجِّيَه من الموت من جراء الرفض والعصيان.
وهكذا دفع ثمن استعادةِ خلقهِ أبلغ الأثمان
ففاضَ دمُه على الصليب لكي يغسل العارَ والهوان.
تحمَّل اللعنة من أجل البشر، كل أنواع البشر، وعلى الصليب تمَّم اللهُ وعده بإرسال فداءٍ للإنسان،
وسالَ الدم مترقرقًا لينقِّيَ كلَّ مَن وثق بعمل الفداء. وهناك فوق الصليب سحَق الابن الوحيد الرب يسوع المسيح رأس الحية الأفعوان،
إذ انتصر على الموت وقام من بين الأموات كيما يعطي رجاءً وأملًا جديدًا للإنسان.
وهذا كلُّه كان ترتيبًا من الآب الرحمان
الذي يريد أنَّ جميع الناس يخلصون
وإلى معرفة الحق يُقبلون.
عندها يُخلَقون من جديد في القلب والوجدان،
ويثبتون في الكرمة، وتَخضوضرُ الأغصان
لتمتلئ بالأثمار وتفيض بالشكران
وتزدهي بالعنفوان.
نعم، ففي آدم الأول انفصل الله عن الإنسان،
وفي آدم الثاني الذي هو المسيح الموعود به، صار لنا فرصة للعودة إلى الجِنان
الزاهية بالألوان
من مختلف الشعوب والأعيان.
وتعود الشركة المقطوعة كما كانت في بداية الأزمان
مع الله الآب الحنَّان،
على أساس الدم المهراق هناك في جثسيمان.
والقبر الفارغ علامةٌ واضحة عبر الأجيال على النصرة على الموت والبطلان
وسحقِ رأس الحية الأفعوان،
ونوال الغفران
والعودة إلى البستان.