هناك اتجاهات حديثة مُغرضةٌ تروَّج حتى بين أوساط بعض الكنائس المسيحية بأن العهد القديم قد فقد دوره وأهميته في أيامنا الحاضرة، وأنّ لا داعي لنا أن نتّخذه أساسًا للعهد الجديد.
فمن حيث أنّ كل ما ورد في العهد القديم من نبوءات، وكفّارات، وما نعرفه عن صفات الله، قد تحقّقت في العهد الجديد، لذلك ليس من المُجدي أن نعتمدَ ما ورد فيه من إشارات ورموز ومواعيد، لأنّها متوافرة لنا الآن نعيشها، ونلجأ إليها في مواعظنا، ومؤلفاتنا ونشراتنا.
ولكن الحقيقة هي غير ذلك، فالعهد القديم هو الأساس الراسخ الذي بُنِيَ عليه العهد الجديد. وهو الدليل الأعظم على صحة ما جاء في العهد القديم. والمتأمّل في حياة المسيح يرى أنه كان دائمًا يُلمح عن نفسه مؤيّدًا ذلك بالشواهد والنبوءات التي وردت عنه في العهد القديم. وهل هناك برهان أعظم بأن ترد نبوءات عن حادثة ما أو عن مجيء شخصٍ قبل مئات السنين من حدوثها أو مجيئه؟ ألم يستخدم المسيح ومن بعده تلاميذه، الآيات المذكورة في العهد القديم في محاجاتهم مع أساطين الدين اليهودي للتأكيد على حصة كينونته أنه المسيح المنتظر فادي العالمين؟
إن العهد القديم، كما يقول والتر كَيْزر، أستاذ العهد القديم، هو "ذخيرة تجسّد نعمة الله، وقداسته، وتحدّث عن قصة فداء الخطاة العظيمة نتيجة للإيمان المبرّر." بل إن العهد القديم هو سجلٌّ تاريخيٌّ لمعاملات الله مع الإنسان في كل عصرٍ وزمن، وإن اتّخذَت مظاهر مختلفة، ولكنها في جوهرها لم يطرأ عليها أيّ تبديل بل هي تأكيد لا يشوبه الريب على مواعيد الله للإنسان ليس في العصور الخوالي فقط، بل حجّةٌ ملزمة ثابتة على صحة كلمته.
لقد قدّم لنا المسيح صورة حيّة على موقفه من العهد القديم في لقائه بعد القيامة مع تلميذَي عمواس، إذ يقول الكتاب المقدس: "أَيُّهَا الْغَبِيَّانِ وَالْبَطِيئَا الْقُلُوبِ فِي الإِيمَانِ بِجَمِيعِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الأَنْبِيَاءُ! أَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ بِهذَا وَيَدْخُلُ إِلَى مَجْدِهِ؟» ثُمَّ ابْتَدَأَ مِنْ مُوسَى وَمِنْ جَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ يُفَسِّرُ لَهُمَا الأُمُورَ الْمُخْتَصَّةَ بِهِ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ."
وباختصار، إن العهد القديم هو وثيقة ضرورية مقدسة في جميع مباحثنا، وحوارنا، ونقاشاتنا مع الرافضين، والملحدين، وأصحاب الديانات الأخرى لأن لدينا ثروة ثرّة من الأدلّة الساطعة على الملحدين، والمجدّفين، والمدّعين بتحريف الإنجيل، والتزييف التاريخي. فهو منجمٌ وثيقٌ من الحقائق والنبوءات التي أثبتها التاريخ قبل حدوثها بمئات السنين، بل بعضها بآلاف السنين كنبوّة موسى في سفر التثنية 18 التي أشار بها إلى مجيء المسيح.
لقد صدق الرسول بطرس عندما نبّر بإرشاد الروح القدس: "لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ." (2بطرس 21:1)
كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ." (2تيموثاوس 16:3)