"أَيُّهَا الإِخْوَةُ، لَسْتُ أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ وَصِيَّةً جَدِيدَةً، بَلْ وَصِيَّةً قَدِيمَةً كَانَتْ عِنْدَكُمْ مِنَ الْبَدْءِ. الْوَصِيَّةُ الْقَدِيمَةُ هِيَ الْكَلِمَةُ الَّتِي سَمِعْتُمُوهَا مِنَ الْبَدْءِ.
أَيْضًا وَصِيَّةً جَدِيدَةً أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ، مَا هُوَ حَقٌّ فِيهِ وَفِيكُمْ: أَنَّ الظُّلْمَةَ قَدْ مَضَتْ، وَالنُّورَ الْحَقِيقِيَّ الآنَ يُضِيءُ. مَنْ قَالَ: إِنَّهُ فِي النُّورِ وَهُوَ يُبْغِضُ أَخَاهُ، فَهُوَ إِلَى الآنَ فِي الظُّلْمَةِ. مَنْ يُحِبُّ أَخَاهُ يَثْبُتُ فِي النُّورِ وَلَيْسَ فِيهِ عَثْرَةٌ. وَأَمَّا مَنْ يُبْغِضُ أَخَاهُ فَهُوَ فِي الظُّلْمَةِ، وَفِي الظُّلْمَةِ يَسْلُكُ، وَلاَ يَعْلَمُ أَيْنَ يَمْضِي، لأَنَّ الظُّلْمَةَ أَعْمَتْ عَيْنَيْهِ." (1يوحنا 7:2-11)
المحبة هي جوهر الكتاب المقدس والمحور الذي تدور حوله كلمة الرب. المحبة هي أول ثمرة من ثمر الروح القدس. هي أعظم من كل الفضائل "وأعظمهن المحبة."
المحبة أفضل من المواهب: "إن كنت أتكلم بألسنة الناس والملائكة ولكن ليس لي محبة، فقد صرت نحاسًا يطن أو صنجًا يرنّ. وإن كانت لي نبوة، وأعلم جميع الأسرار وكل علم، وإن كان لي كل الإيمان حتى أنقل الجبال، ولكن ليس لي محبة، فلست شيئًا. وإن أطعمت كل أموالي، وإن سلمت جسدي حتى أحترق، ولكن ليس لي محبة فلا أنتفع شيئًا."
المحبة في الكتاب المقدس ثلاثة أنواع: محبة الله للإنسان (عدد ٩-١١) ، ومحبة الإنسان لله، ومحبة الإنسان لأخيه الإنسان.
وعن النوع الثالث سيدور حديثي معكم في ثلاثة كلمات عن المحبة الأخوية: أساسها، ومقياسها، وأهميتها
أولاً: أساسها
يقول الرسول عن الوصية الخاصة بمحبة الإخوة التي كانت عندكم من البدء... أساس الوصية بالمحبة الأخوية كما وردت في سفر اللاويين "لا تبغض أخاك في قلبك... تحب قريبك كنفسك..." أكّد أساس هذه المحبة الرب يسوع – له كل المجد – على أهمية أساس هذه المحبة عندما سأله ناموسيٌّ: "أية وصية هي العظمى في الناموس؟" فقال له يسوع: "تحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل فكرك. هذه هي الوصية الأولى والعُظمى. والثانية مثلها: تحب قريبك كنفسك. بهاتين الوصيتين يتعلّق الناموس كله والأنبياء."
وأكّد الرب يسوع أن أساس المحبة الأخوية في الناموس في أثناء حديثه مع الشاب الغني الذي جاء متسائلاً: "أي صلاح أعمل لتكون لي الحياة الأبدية؟ ... فقال له احفظ الوصايا. فسأله الشاب: أية الوصايا؟ "فقال يسوع: لا تقتل. لا تزنِ. لا تسرق. لا تشهد بالزور. أكرم أباك وأمك، وأحب قريبك كنفسك."
وتتجلّى المحبة الأخوية في مشاركة الآخرين في ظروفهم "فرحًا مع الفارحين وبكاء مع الباكين." لا تشمت بمصائب الآخرين ولا تجرحهم بكلماتك القاسية. أصدقاء أيوب ذهبوا لتعزية أيوب، وكان هذا شعورًا طيبًا منهم. ولكن تعالوا لنسمع كلماتهم:
أليفاز التيماني يقول له: "من هلك وهو بريء، وأين أُبيد المستقيمون؟ ... الحارثين إثمًا، والزارعين شقاوة يحصدونها."
وبلدد الشوحي يقول له: "هكذا سبل كل الناسين الله، ورجاء الفاجر يخيب... هوذا الله لا يرفض الكامل، ولا يأخذ بيد فاعلي الشر."
وصوفر النعماتي يقول: "الله يغرمك بأقلّ من إثمك."
هل هذه هي كلمات محبين أم أعداء؟ يجب أن نحب بعضنا البعض بمحبة من قلب طاهر بصدق وبلا رياء.
ثانيًا: مقياسها
كان مقياس المحبة في العهد القديم "كنفسك". ولكن في العهد الجديد "كما أحببتكم أنا." أحبنا الرب حبًا عظيمًا. "ليس لأحد حب أعظم من هذا: أن يضع نفسه لأجل أحبائه." قال الرب يسوع بفمه الطاهر: "وصية جديدة أنا أعطيكم: أن تحبوا بعضكم بعضًا. كما أحببتكم أنا تحبون أنتم أيضًا بعضكم بعضًا." الرب أحبنا ولم يكن فينا أي شيء يحب. "كل الرأس مريض، وكل القلب سقيم. من أسفل القدم إلى الرأس ليس فيه صحة، بل جرح وأحباط وضربة طرية لم تُعصر ولم تعصب ولم تليّن بالزيت." حالة مقززة للنفس ولكن أحبنا الرب ونحن على هذه الحالة – أحبنا ونحن خطاة "لأن المسيح إذ كنا بعد ضعفاء مات في الوقت المعين لأجل الفجار فإنه بالجهد يموت أحد لأجل بار، ولكن الله بيّن محبته لنا لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا." أحبنا بالرغم من أننا صرخنا في وجهه: "ابعد عنا، وبمعرفة طرقك لا نسر." أحبنا الرب محبة ليست كلامية ولكن محبة عملية مضحية. ولم يضحِّ بتضحيات مادية مثل تلك التي ضحى بها يوناثان لداود؛ جبته وثيابه وسيفه وقوسه ومنطقته. لكنه ضحى بنفسه لأجلنا. "الذي أحبني وأسلم نفسه لأجلي." يجب أيها الأحباء أن نحب بعضنا بعضًا محبة قلبية واضحة وجلية مضحية عملية دائمة بعيدة عن كل هدف شخصي أو مصلحة شخصية لأن هذا النوع من المحبة يزول إذا تحقق الهدف، وإذا فشل الشخص في تحقيق الهدف... أحبني ربي، نعم أحبني... يسوع قد أحبني... لذا مات عني. بمثل محبة الرب لنا يجب أن نحب بعضنا بعضًا.
ثالثًا: أهميتها
1- تظهر محبتنا للرب - هل يقدر إنسان أن يقول إنه يحب الله وفي نفس الوقت لا يحب أخاه الذي أبصره. فكيف يقدر أن يحب الله الذي لن يبصره... من يحب الوالد يحب المولود منه. يجب أن يحب الإنسان أخاه الإنسان الذي خلق على صورة الله.
2- بها نثبت أننا انتقلنا من الموت إلى الحياة - "نحن نعلم أننا قد انتقلنا من الموت إلى الحياة، لأننا نحب الإخوة. من لا يحب أخاه يبق في الموت." الذي نال الحياة الجديدة، يجب أن يحب أخاه تلقائيًا.
3- بها يظهر إيماننا المثمر - "قدموا في إيمانكم فضيلة، وفي الفضيلة معرفة، وفي المعرفة تعففًا، وفي التعفف صبرًا، وفي الصبر تقوى، وفي التقوى مودة أخوية، وفي المودة الأخوية محبة." الإنسان الذي امتلأ قلبه بالإيمان يحب إخوته.
4- بها نعلن أننا نسير في النور - الذي يسير في النور لا بد أن يحب إخوته. "من قال إنه في النور وهو يبغض أخاه فهو إلى الآن في الظلمة. من يحب أخاه يثبت في النور وليست فيه عثرة. أما من يبغض أخاه فهو في الظلمة يسلك لا يعلم أين يمضي لأن الظلمة قد أعمت عينيه.
5- بها يعرف الجميع أننا تلاميذ المسيح – "وصية جديدة أنا أعطيكم: أن تحبوا بعضكم بعضًا. كما أحببتكم أنا تحبون بعضكم بعضًا. بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي: إن كان لكم حب بعضًا لبعض."
لا يعرف الناس أننا تلاميذ للرب إن اعتلينا المنابر ووعظنا، أو نشرنا مقالات في المجلات المسيحية، أو زرنا بعضنا بعضًا... كل هذا جميل، ولكن لا يثبت أننا تلاميذ المسيح.
أختم بكلمة أوجهها للشخص الذي لا يُحَبّ من الآخرين: ربما تكون متعاليًا... ورغبتك أن تكون الكل في الكل... ربما كان ديوتريفوس مكروهًا من الآخرين... ربما يبغض لأنه دائم الحديث بالسوء عن إخوته... يبغض لأنه يعطّل تقدّم عمل الرب... إنسان مثل هذا يجب أن يتغيّر ليكون مشابهًا للرب يسوع، فيحَبّ من الجميع.