لماذا تختلف حياة المسيحيين العملية عن المسيحية الكتابية؟ في هذا المقال تجد الجواب الصحيح.
هناك فجوة ضخمة بين المسيحية المثالية... مسيحية الكتاب المقدس، وبين الحياة الواقعية العملية للمسيحيين، فما سر هذه الفجوة؟!
إن المسيحية الكتابية تقول: "أحبّوا أعداءكم. باركوا لاعنيكم. أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم." (متى 44:5)
والحياة الواقعية للمسيحيين في هذه الأيام مليئة بالحقد والكراهية والمشاحنة والبغضاء بين الأفراد وبعضهم... وداخل جدران الأسرة الواحدة.
والمسيحية الكتابية تقول: "لتكن سيرتكم خالية من محبة المال. كونوا مكتفين بما عندكم، لأنه قال: [لا أهملك ولا أتركك.]" (عبرانيين 5:13)
والحياة الواقعية للمسيحيين في هذا العصر حياة مادية، وتيار البحث عن المال، والجري وراءه حيثما يوجد يجرفهم بصورة مخزية... فمن أجل المال باعوا ضمائرهم، وشرفهم، وبناتهم، وأبناءهم، وفقدوا لمعان الإيمان القديم "لأن محبة المال أصل لكل الشرور، الذي إذِ ابتغاه قوم ضلوا عن الإيمان، وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة." (1تيموثاوس 10:6)
والمسيحية الكتابية تقول: "كونوا لطفاء بعضكم نحو بعض، شفوقين متسامحين كما سامحكم الله أيضًا في المسيح." (أفسس 32:4)
والحياة الواقعية للمسيحيين قد امتلأت بالغرور والعجرفة والكبرياء والخشونة، وخلت من اللطف والرقة والتسامح العظيم.
والمسيحية الكتابية تقول: "اخرجوا من وسطهم واعتزلوا، يقول الرب. ولا تمسوا نجسًا فأقبلكم، وأكون لكم أبًا، وأنتم تكونون لي بنين وبنات، يقول الرب، القادر على كل شيء." (2كورنثوس 17:6-18)
والحياة الواقعية للمسيحيين ترينا أنهم اختلطوا بالعالم، وقلّدوه في ملابسهم وزواجهم وحفلاتهم، وطريقة معيشتهم، فلم نعدْ نرى حدًّا فاصلاً بين العالميِّين والمسيحيين إذ صدق عليهم القول: "أفرايم موثق بالأصنام... أفرايم يختلط بالشعوب. أفرايم صار خبز ملّة لم يُقلب. أَكَلَ الْغُرَبَاءُ ثَرْوَتَهُ وَهُوَ لاَ يَعْرِفُ، وَقَدْ رُشَّ عَلَيْهِ الشَّيْبُ وَهُوَ لاَ يَعْرِفُ." (هوشع 17:4؛ و8:7-9)
والمسيحية الكتابية تقول: "أَعْطُوا تُعْطَوْا، كَيْلًا جَيِّدًا مُلَبَّدًا مَهْزُوزًا فَائِضًا يُعْطُونَ فِي أَحْضَانِكُمْ." (لوقا 38:6)
والحياة الواقعية للمسيحيّين، حياة بخل سافر على عمل الله، وإسراف داعر على الكماليّات والملاهي ومظاهر العظمة الكاذبة، لذلك يناديهم الله من سمائه: "قَدْ لُعِنْتُمْ لَعْنًا وَإِيَّايَ أَنْتُمْ سَالِبُونَ، هذِهِ الأُمَّةُ كُلُّهَا. هَاتُوا جَمِيعَ الْعُشُورِ إِلَى الْخَزْنَةِ لِيَكُونَ فِي بَيْتِي طَعَامٌ، وَجَرِّبُونِي بِهذَا، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ، إِنْ كُنْتُ لاَ أَفْتَحُ لَكُمْ كُوَى السَّمَاوَاتِ، وَأَفِيضُ عَلَيْكُمْ بَرَكَةً حَتَّى لاَ تُوسَعَ." (ملاخي 9:3-10)
والمسيحية الكتابية تقول: "إِذًا يَا إِخْوَتِي الأَحِبَّاءَ، كُونُوا رَاسِخِينَ، غَيْرَ مُتَزَعْزِعِينَ، مُكْثِرِينَ فِي عَمَلِ الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ، عَالِمِينَ أَنَّ تَعَبَكُمْ لَيْسَ بَاطِلًا فِي الرَّبِّ." (1كورنثوس 58:15)
والحياة الواقعية للمسيحيين حياة مغمورة بالشكوك، غارقة في الفتور، مزعزعة الأسس خالية من كل خدمة نشيطة حقيقيّة.
فما سرّ هذه الفجوة؟
إن السرّ يكمن وراء هذه الأسباب:
1- الجهل بالكتاب المقدس: حاوِلْ أن تقوم بعمل إحصائية لأصدقائك، وللأسر التي تعرفها، لترى كم مِن هؤلاء مَن يقرأون الكتاب المقدس بمواظبة، وكم منهم يفهمون ما يقرأون وستعرف أن سرّ الفجوة الكبرى الموجودة بين المسيحية الكتابية والحياة الواقعية هو في جهل الغالبية العظمى من المسيحيِّين لأبسط حقائق الكتاب المقدس؛ وقديمًا قال الله في سفر هوشع: "قد هلك شعبي من عدم المعرفة." (هوشع 6:4)
إن نظرة إلى شباب الجيل الصاعد تؤسي القلب وتحزن النفس. فالشباب الصاعد يعرف عن نجوم السينما أكثر مما يعرف عن رسل المسيح، ويدرك حقائق وأسرار الحياة الجسدية أكثر مما يدرك حقائق كلمة الله الحية... والنتيجة هي هذه الفجوة الضخمة!
2- العثرة: أما السبب الثاني لهذه الفجوة فهو العثرة، عثرة رجال الدين أولاً وقبل كل شيء، ثم أعضاء الكنائس ثانيًا.
فرجل الدين المنافق... رجل الدين الذي لا يتكلّم إلا كلامًا حلوًا منمّقًا كالعسل الكثير الذي يدفع المعدة أن تتقيّأه... رجل الدين الذي يدخّن ويسكر... رجل الدين الذي يكذب... رجل الدين الذي يسكت عن خطية الأغنياء ويوبّخ ضعفات الفقراء... رجل الدين المهمل لشعبه... رجل الدين الذي يذهب إلى السينما. هذا الرجل هو صورة مشوّهة للمسيحية، وهو قدوة ضارة للشعب... وهو عثرة للنفوس الضعيفة التي تقتدي بهذا المثل السيّئ الشرير ومثله أعضاء الكنيسة الذين يسيرون على مثاله... ولقد قال السيد، له المجد، عن العثرة هذه الكلمات الجبارة النارية: "لاَ يُمْكِنُ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَ الْعَثَرَاتُ، وَلكِنْ وَيْلٌ لِلَّذِي تَأْتِي بِوَاسِطَتِهِ! خَيْرٌ لَهُ لَوْ طُُوِِّّقَ عُنُقُهُ بِحَجَرِ رَحىً وَطُُرِحَ فِي الْبَحْرِ، مِنْ أَنْ يُعْثِرَ أَحَدَ هؤُلاَءِ الصِّغَارِ." (لوقا 1:17-2) فالعثرة هي إحدى أسباب حدوث الفجوة الكبرى.
3- إهمال الصلاة الحقيقيّة: وأقول الصلاة الحقيقية، لأنه ليست كل صلاة حقيقيّة. إن الصلاة الحقيقية هي صلاة فحص القلب أمام الله، وترك المبضع الإلهي لينتزع منه الحقد والحسد، والخبث، والمرارة، وكل ما يعطِّل عمل الله في الحياة... إن الصلاة الحقيقيّة هي صلاة التكريس لله، الصلاة التي يضع فيها الإنسان نفسه على المذبح كلّيَّة وعلى فمه ترنيمة فرنسيس ردلي هافرجال:
سيدي استلم حياتي كرِّسنَّها لكَ
ولْيَفِضْ قلبي بحمدٍ مُسْتَديمْ
خُذْ يدي محرِّكًا لها بِفِعْلِ حبّكَ
جمِّلن رجليّ بالسير القويم
سيّدي امتلكك حياتي وقُوى عقلي وذاتي
في حياتي ومماتي إنني ملكٌ لسيّدي المسيح
هذه هي الصلاة الحقيقية، وهذا النوع من الصلاة قد أُهمل، فصارت صلوات المسيحيِّين صلوات روتينيّة لإشباع غريزة العبادة... كلمات يردّدها المرء صباحًا ومساء بلا وعي ولا فهم ولا إدراك... يردّدها وهو متوتّر الأعصاب... وقد ازدحم عقله بالمشغوليات... وصلاة من هذا الطراز لا يمكن أن تصل إلى السماء... أو تؤثر في الحياة... أو تقود المرء للحياة الأفضل. فإهمال الصلاة الحقيقيّة سبب من أسباب حدوث هذه الفجوة.
4- عدم الامتلاء من الروح القدس: سَلْ نفسك: هل أنت ممتلئ من الروح القدس؟ وانظر بعينيك حولك... كم عدد الممتلئين من الروح بين أولاد وبنات الله؟! لقد تربّع العالم على قلوبنا، وأخذت مشاغل الحياة أفكارنا، وحطّمت تجارب الحياة أعصابنا حتى صرنا هياكل فارغة خاوية لا تتردّد فيها الصلوات. لماذا؟ لأننا لم تمتلئ بروح الله.
لقد طلب السيد من التلاميذ قائلاً: "أقيموا في مدينة أورشليم إلى أن تُلْبَسوا قوة من الأعالي." (لوقا 49:24) فقبل الملء لا يمكن أن تكون حياتنا مؤثِّرة، ولا شهادتنا للمسيح فعالة. فعدم الامتلاء من الروح القدس هو أحد أسباب هذه الفجوة الرهيبة.
وبعد، ماذا أنت مزمع أن تفعل بهذه الرسالة؟ هل ستترك حياتك العملية في طريقها المعوَجّ البعيد عن حقّ الله؟ أو ستبدأ من اليوم في العلاج؟ أترك الآن هذا المقال وادخل مخدعك وأغلق بابك خلفك ودع الله يعلن لك خفايا قلبك، وأفرغ أمامه كل خطاياك. واطلب منه أن يملأك بروحه لتعيش الحياة المسيحية المثالية التي تتَّفق مع نصوص الكتاب المقدس العظيم.