لا يُخفى على أحدٍ أنَّه مع وباء الكورونا تزامنَ أيضًا وباءٌ من نوعٍ آخر، هو وباءُ الهمِّ والهلَع والخوف اجتاحَ كلَّ أنحاءِ العالم من شرقِه إلى غربه.
لكن اليوم، نسمعُ صوتًا آخر هو صوتُ الربِّ الحنون الذي "كلُّ شيء به كانَ، وبغيره لم يكن شيءٌ مما كان." (يوحنا 3:1) يقول: "فلا تطلبوا أنتم ما تأكلون وما تشربون ولا تقلقوا، فإنَّ هذه كلَّها تطلبُها أمم العالم. وأمَّا أنتم فأبوكم يعلَم أنَّكم تحتاجون إلى هذه. بل اطلبوا ملكوتَ الله، وهذه كلُّها تُزاد لكم. لا تخف، أيها القطيع الصغير، لأنَّ أباكم قد سُرَّ أن يعطيكم الملكوت." (لوقا 29:12-32)
لكنَّ أسبابَ الخوف من الناحية البشرية، هي مبرَّرةٌ جدًا. وجزءٌ من هذا الخوف ناجمٌ عن هذا الفيروس المميت، والكثيرُ من الأمور هي غيرُ واضحة بالنسبة لهذه الجرثومة. قالوا لنا في البداية: إنَّه وباء من الصين والشرق الأقصى. وحين تقدَّم إلى الشرق الأوسط وإيران قالوا: سيبقى في الشرق. وعندما انتشر في إيطاليا، قالوا: سيبقى بعيدًا، وهذه البلاد هنا في الغرب، محصَّنة ونعرفُ كيف نتعاملُ معها. ثمَّ حين اجتاحت أميركا، أصبحت أميركا من أوائل الدول من ناحية الإصابات. وارتفع عدد الإصابات إلى عدّة ملايين شخص وبلغ عددُ الموتى إلى أكثر من مئة وخمسين ألف قتيل. قالوا لنا في البداية: هذه الجرثومة لن تصيبَ الأطفال فلا تقلقوا. لكنَّهم سيكونون مجرد ناقلينَ للمرض ليس إلاَّ. وقالوا لن تُصيبَ الشباب وإذا أصيبوا فلن تؤدّي بهم إلى الموت. فرأينا أطفالًا وشبابًا يموتون! قالوا لنا إن العوارض محدّدة، هي: الحرارة، والقحَّة، وضيق النفس. فإذا بها تنتقلُ من دون عوارض! وبقي هذا الموضوع حتى الأسبوع الماضي مَعرِضَ بحثٍ وتساءلتْ منظمةُ الصحة العالمية هل ينتقلُ من دون عوارض، ومن ثمَّ تظهرُ الأعراض! قالوا لنا: الحَجْرُ المنزليّ واجبٌ لفترة أسبوعين، لكي يُحِدّوا من انتشار المرض. ثم امتدَّت إلى أربعة والآن أصبحت عشرة أسابيع. واليوم نقول: متى سينتهي هذا الكابوس؟ وكلَّما بدأوا بإعادة فتح الأعمال، يعلو الصراخُ بأنَّ هذا الفيروس سيعود من جديد. قالوا أيضًا: ضعوا الكِمَامات في البداية إذا كان لديكَ عوارض. واليوم الكلُّ يضعون الكِمَامات. وبفعل هذا الفيروس تدهورَ الاقتصاد، وخسِر الكثير من الناس أشغالَهم، والبعضُ منهم قائمٌ هنا بيننا. نعم هذه كلُّها أسباب الخوف من الناحية البشرية وهي مخاوفُ مبرَّرة بالطبع.
وصرنا نقول: لماذا يا رب تقولُ لنا لا تخفْ أيها القطيع؟ كيف يمكننا مع هذا الوضع غير المستقرّ أَلَّا نخاف؟ وهنا يعطينا الله الأسبابَ والحقائق والثوابت لماذا يجب ألَّا نخاف. طبعًا، أصبحَ الخوف من المستقبل المجهول خاصةً في الغرب حيث كلُّ شيءٍ مخطّطٌ مُسبَقًا ومُجهَّزٌ لمدة خمسةِ أعوام مستقبليَّة. لكنْ كلُّ خططِ البشر تبخّرتْ. ومع الوضع الاقتصادي السَّيِّئ خاصةً في أميركا، اجتاحت حالةٌ من الانقسام الفظيع رأيناها حتى قبلَ قتلِ الرجلِ الأسود [جورج فلويد] المأساوي. ورأينا حالةً من الضياع تشبهُ بداية حربٍ أهلية باردة. وتفاقَمَتْ بعدَ هذه الوفادةِ المجرِمة وتحوَّلتْ إلى انتفاضةٍ عامة ثم إلى ثورةٍ عَبَثيّة، تبخَّر معها فجأةً الأمنُ والاستقرار في هذه البلاد، حيث دولة النظام والقانون. كما تبخَّر الأمانُ وأضحى المستقبلُ مجهولًا وغيرَ مضمون. لكن هناك صوتٌ يقول لا تخفْ. عندما كنَّا نعيشُ في الحرب الأهلية في لبنان كانوا يقولون: "الغد هو على كفّ عفريت." لكنْ حين اختبرتُ الربَّ شخصيًا في سني المراهقة، وخلال الحرب الأهلية، أدركتُ أنَّ غَدي ليس هو على كفِّ عفريت أبدًا، أو كفِّ إبليس. بل أنا منقوشٌ على يد سيدي ومخلصي ملكِ الملوك وربِّ الأرباب الذي يعطيني غدًا أفضل. والآن ها هو الصوتُ يكلِّمك ويكلِّمني إن كنتَ من أولاد الله ويقول: "لا تخفْ لأنَّ أباكم قد سُرَّ أن يعطيكم الملكوت." فما هي الأسباب لعدم الخوف؟ هناك أربعةُ أسباب وثوابت في هذا العدد وحده، الذي يعطيكَ الطمأنينة لمستقبلك.
أولًا: الرعاية الربَّانية الإلهية
حين يقول: "لا تخف، أيها القطيع الصغير" نتذكَّر أنه لنا راعٍ عظيم الذي بذل نفسه لأجلي وأحبَّني حتى الموت. "إذا سرتُ في وادي ظلّ الموت لا أخاف شرًّا، لأنك أنت معي. عصاك وعكازك هما يعزّيانني." (مزمور 4:23) لماذا قال الرب عنا نحن البشر أننا خراف؟ لأننا نشبهُ فعلًا الخراف. لاحظْ معي هذه المفارقة العظيمة إذ يقول أيضًا: "ها أنا أرسلُكم كغنَم في وسطِ ذئاب." (متى 16:10) فالغنم لا يقدرُ أن يعيشَ بدون راعٍ. كلّ الحيوانات المخلوقة تستطيعُ العيش وحدَها إلا الخراف فهي تُضِلُّ نفسَها بنفسها. "الثورُ يعرف قانيهِ والحِمارُ مِعْلَف صاحبِه." (إشعياء 3:1) ويقول: "كلُّنا كغَنمٍ ضلَلْنا." (إشعياء 6:53) ثم إنَّ الخروف عاجز عن أن يدافع عن نفسه. حتى الحشراتُ الصغيرة تستطيع فعلَ ذلك عن طريق اللَّسع. لهذا نحن بحاجة إلى راعٍ يدافع عنا. ثم إن الخروف عاجزٌ عن أن يُطعم نفسَه بنفسه. تصوّروا النملة، أنها "تعدُّ في الصيف طعامَها." (أمثال 8:6) وأخيرًا، الخروف عاجز عن أن يبنيَ منزلَه بنفسه. يقول الرب يسوع: "للثعالب أوجِرَة ولطيورِ السماء أوكار." (متى 20:8) لهذه الأسباب نحنُ بحاجةٍ إلى راعٍ يهتمُّ بنا. لكن هل تعلم أنَّ كلَّ رعاة العالم يهتمون بالغنم ويدافعون عنها، وفي النهاية يبيعونَهم إلى الجزَّارين ليُذبحوا؟ لهذا يقول إشعياء: "كشاةٍ تُساق إلى الذبح." (7:53) إنها صورةٌ للرب يسوع المذبوح.
قرأت مؤخرًا عن فيليب كيللر الذي عمِل أطروحات عديدة عن علم الحيوان. يقول بعدَ أن تخرَّج أنَّهُ كان لديه مزرعةٌ كبيرة فيها غنم وبقر. وقبلَ أن يختبرَ الرب في حياتِه، كانتْ إحدى هذه الغنَمات متعِبة للغاية. إذ كُلَّما بنى حاجزًا كانت تحفر تحتَه وتجدُ مخرجًا للهروب، كما حرّضت باقي الغنم وعلَّمتهم الشرود. وعندما استشارَ أحدَهم قال له: اذبحْها، ففعلَ. ولكن بعد أن اختبر المسيح كمخلِّصٍ، تابع يقول: "فهمتُ أنَّ الراعي الصالح العظيم ليس مثلي بل يترك التسعةَ والتسعين خروفًا ويذهب ليفتشَ عن الخروف الضال. لا لكي يؤدِّبَه بالعصا بل لكي يحملَه على منكبَيْه ويأتي به فرِحًا. لم يقل: دعْه وشأنَه." لهذا لا تخفْ أيها القطيع الصغير لأنك انضممتَ إلى قطيع الرب. وعندما تعرف هذه الحقيقة أنّ راعي الخراف معك لن تخاف بل ستتحرَّرُ من الخوف، وتتمسك بمواعيد الله الثابتة. ثم يقول: "وتعرفون الحق، والحق يحرّركم." (يوحنا 32:8) لا تخف من الذئاب في الأودية. ولا بدَّ من الأودية في حياة الخراف. فوراءَ كلِّ جبل هناك وادٍ. لا تخف! حياتُك مضمونة في المسيح. لكن انتبهْ، فالأودية لا تدوم لأنَّها إلى حين في حياة المؤمنين. وهو وحده الذي ينقذك دائمًا. "كثيرةٌ هي بلايا الصدِّيق، ومن جميعِها ينجّيه الرب." (مزمور 19:34)
ثانيًا: المحبة الأبوية
يقول: "لا تخف... لأنَّ أباكم قد سُرَّ أن يعطيكم الملكوت." لديكَ أبٌ في السماء. صحيح أنَّه خالق السماوات والأرض وبيده كلُّ شيء. لكنَّه أبٌ بالنهاية. "الذي لم يُشفق على ابنه، بل بذلَهُ لأجلِنا أجمعين، كيف لا يهبُنا أيضًا معه كلَّ شيء؟" (رومية 32:8) أَوَلَا تقول الترنيمة المعروفة "هو يحمِلُ العالمَ كلَّه بيدِه"؟
بينما كنتُ أدرس في كليَّة الطب، كان هناك بروفسور يتحدّثُ دائمًا كيف تكوّن الإنسان ويُرجِع ذلك إلى حكمةِ الطبيعة الأم. فقلتُ له ذاتَ يوم: "قرأتُ أنَّ إلهي أبي السماوي هو الذي خلَق الطبيعةَ الأم التي تؤمنُ أنتَ بها." نعم، لديك أبٌ وأنتَ لست يتيمًا. يقول: "انظروا أية محبّة أعطانا الآب حتى نُدعى أولادَ الله! من أجل هذا لا يعرفُنا العالم، لأنَّه لا يعرفُه." (1يوحنا 1:3). إذا كان أولادُك صغارًا فمِن واجبك أن تهتمَّ بهم، وإلّا فهذا سيجلِبُ العار عليك. لذلك يقول: "يردُّ نفسي. يهديني إلى سُبلِ البر من أجل اسمه." (مزمور 23) فنحن ننتمي إليه. "ولكنَّ الله بيَّن محبّتَه لنا، لأنَّه ونحن بعدُ خطاة مات المسيح لأجلنا." (رومية 8:5) هناك عددٌ يهزُّني هزًّا، يقول: "فبالأولى كثيرًا ونحن متبرِّرون الآن بدمه نخلُص به من الغضب. لأنَّه إن كنا ونحن أعداء قد صولِحنا مع الله بموت ابنه، فبالأولى كثيرًا ونحن مصالَحون نخلُص بحياته!" (رومية 9:5-10) كيف يُفسَّر أو يُفهم هذا المقطع؟ لم نكنْ مجرّدَ خرافٍ ضالّة فحسب، بل أعداء وجاء المسيح لكي يموت عنا. كنّا أعداء فتحوَّلنا إلى أولاد أحباء... لأنَّ خطايانا صلَبتْه!
يقول الربُّ يسوع في صلاته الشفاعية لتلاميذه: "أنا فيهم وأنت فيّ ليكونوا مكمَّلين إلى واحد، ولِيعلمَ العالمُ أنَّك أرسلتني، وأحببتَهم كما أحببتَني." وردت باليوناني، [أحببتَهم تمامًا كما أحببتني.] أي، إن محبة الله الآب للمسيح جُيِّرت أو تحوَّلتْ إليك، فتمسَّكْ بها. محبة الله التي هي للمسيح صارتْ لك، ولأولاد الله الذين هم في المسيح ويعيشون في ملء المسيح. لذلك ولكي تختبرَ فيضَ هذه المحبة استمرّ مملوءًا بروح المسيح. "مع المسيح صُلبتُ، فأحيا لا أنا، بلِ المسيحُ يحيا فيَّ." (غلاطية 20:2) (يتبع في العدد القادم)