«هُوَذَا عَبْدِي الَّذِي أَعْضُدُهُ، مُخْتَارِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. وَضَعْتُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْرِجُ الْحَقَّ لِلأُمَمِ. لاَ يَصِيحُ وَلاَ يَرْفَعُ وَلاَ يُسْمِعُ فِي الشَّارِعِ صَوْتَهُ.
قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ، وَفَتِيلَةً خَامِدَةً لاَ يُطْفِئُ. إِلَى الأَمَانِ يُخْرِجُ الْحَقَّ. لاَ يَكِلُّ وَلاَ يَنْكَسِرُ حَتَّى يَضَعَ الْحَقَّ فِي الأَرْضِ، وَتَنْتَظِرُ الْجَزَائِرُ شَرِيعَتَهُ». (إشعياء 1:42-4)
الرب يسوع هو موضوع الكتاب المقدس كلّه. فمن جهة الخليقة "كل شيء به كان، وبغيره لم يكن شيء مما كان." (يوحنا 3:1) "الكلُّ به وله قد خُلق." (كولوسي 16:1) ومن جهة خلاص الإنسان يقول الكتاب المقدس:
"آمِنْ بالرب يسوع المسيح فتخلص." (أعمال 31:16) "وليس بأحد غيره الخلاص." (أعمال 12:4) ومن جهة الدينونة يعلن الكتاب المقدس أن "الآب... قد أعطى كل الدينونة للابن، لكي يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب." (يوحنا 22:5-23) إنه هو المخلص والشفيع والديان. وبالاختصار، بالنسبة لنا نحن المؤمنين هو الكل في الكل! فهو راعينا ومعيننا وشفيعنا ورجاؤنا، ولكي نتعلم منه عمَّن يقوينا ويملأ قلوبنا بالفرح والسلام يجب أن ندرس باجتهاد ما جاء عنه في الكتاب المقدس، وأن نتمسك بمواعيده لنا، فيكون هو القائد والمرشد في حياتنا اليومية، وأن نضع هذه الحقائق أمام أعيننا وفي قلوبنا دائمًا. والآن سنتأمل باختصار فيما جاء عنه في إشعياء 1:42-4
قصبة مرضوضة لا يقصف
ماذا يعني بالقصبة المرضوضة، وإلى من تشير؟ هذه هي القصبة المرضوضة هي أنا قبل أن تفتقدني نعمة الله. كما أنها تشير إلى الإنسان عمومًا في حدّ ذاتها. وتشير إلى الإنسان الذي أفسدته الخطية فأصبح بلا فائدة في نظر الله، بل أصبح سبب ضرر لنفسه ولكثيرين. من المعروف أن هذا القصب (وهو ليس قصب السكر) ينمو على شاطئ النهر. والإنسان الذي يمشي بجانب النهر يختار منه قصبة ليتوكّأ عليها. ولكن إن كانت مرضوضة، أي فيها شرخ، تصبح سبب ضرر إذا توكأ عليها الإنسان فيقصفها ويختار قصبة سليمة. لما أرسل ملك أشور رسولاً ليهدد بني إسرائيل ويملأهم بالخوف في أيام إشعياء النبي، قال لملك يهوذا: "والآن على من اتكلت حتى عصيت عليّ؟ إنك قد اتكلت على عكاز هذه القصبة المرضوضة، على مصر، التي إذا توكأ أحد عليها دخلت في كفّه وثقبتها." (انظر إشعياء 4:36-6)
ولكن الرب تبارك وتعالى اسمه يختار القصبة المرضوضة لا لكي يقصفها، بل ليجعلها قصبة جديدة نافعة للخدمة ولبركة الآخرين. وهذا نراه في حياة الكثيرين من رجال الله، نذكر منهم موسى في العهد القديم، إذ بعد أنْ كان قاتلاً وهاربًا، جعله الله راعيًا ومنقذًا لشعبه. ونرى ذات الأمر في العهد الجديد في شاول الطرسوسي الذي أصبح فيما بعد الرسول بولس.
فتيلة خامدة (أي مدخنة) لا يطفئ
الفتيلة هي التي تمنح النور في المصباح. أما إذا كانت الفتيلة تدخّن فهي تصبح سبب ضرر. الفتيلة المدخنة لا تمنح نورًا، بل تؤذي العينين. كما تسبب ضررًا للرئات، هكذا الإنسان بخطاياه يسبب ضررًا لنفسه وللآخرين. فكم من علماء وفلاسفة وقادة بدل أن يكونوا مصدر بركة لشعبهم أضحوا سبب ضرر شديد. وكم من عالم منحه الله ذكاء وذاكرة وكفاءات كثيرة ولكنه بدل أن يكون سبب استنارة للآخرين قادهم إلى ظلام دامس. "وبينما هم يزعمون أنهم حكماء صاروا جهلاء." (رومية 22:1) إذ أنكروا وجود الله وابتدعوا نظريات كثيرة وفاسدة. وكم من الاختراعات النافعة لفائدة الإنسان تحوَّلت إلى فتيلة مدخّنة وصارت وسيلة للانهماك في الفساد الخلقي والضرر الصحي. وكم من أناس لهم حماس ديني دفعهم لاضطهاد المؤمنين، ولكنهم إذ آمنوا تحوّلوا من فتيلة مدخّنة إلى مصباح منير وتمّ فيهم قول الرب يسوع: "أنتم نور العالم."
أيها القارئ العزيز، ليتك تتأمل في نعمة ربنا يسوع المسيح ليمتلئ قلبك بالفرح والسجود للذي أحبنا وأسلم نفسه لأجلنا. له المجد إلى الأبد، آمين.
همسات روحية
هل تنمو؟ هل كنت مرة راضيًا عن نفسك وأنت تجازي عن شرٍّ بشرٍّ، فصرت الآن متواضعًا مستعدًّا أن تغفر؟
هل كنت فيما مضى حانقًا غير صبور، فأضحيت طويل الروح ورقيق المشاعر من نحو الجميع؟
هل كنت يائسًا بدون سبب، فصار الهدوء والطمان من سجاياك؟
هل كان القلق يملأ قلبك، وإذا نفسك تفيض بالسلام؟
أكنت مريدًا لذاتك، فأضحت إرادة الله بيت القصيد في حياتك؟
إن كان جوابك بالإيجاب، فأنت تنمو في المسيح وفي مشابهته!
والنمو ناموس الحياة! فالحياة الحيوانية تنمو من ذات نفسها من أجنّة لا تُرى بالعين المجردة إلى كائنات لها قدرة وقوة... والحياة العلمية تنمو من تقيّدها بالحواس كاللمس والذوق والحسّ، إلى إدراك مجهري وما فوق مجهري... والحياة الأدبية تنمو من القطع الشعرية والموسيقية التي ترددها المربية للرضيع إلى مقطوعات شعرية ذات معانٍ بعيدة الأغوار...
"هكذا ملكوت الله: كأن إنسانًا يلقي البذار على الأرض، وينام ويقوم ليلاً ونهارًا، والبذار يطلع وينمو." (مرقس 26:4) وهكذا بذرة الحياة فينا تحوي قوة للنموّ حتى نصل إلى ملء قامة المسيح.