ما هي طريقتك في تخطيط دوائر حياتك وأمورها؟
هل تخطط حياتك بدون صلاة تسبق تخطيطك معتمدًا على فهمك وذكائك وقدرتك؟
هل تخطط حياتك ثم تصلي طالبًا بركة الرب على خطتك؟
هل تصلي طالبًا إرشاد الرب ثم تضع خطط حياتك وفق إرشاد الروح القدس لك؟
التخطيط بغير صلاة
كم مرة يدخل المؤمن في دوامة من الفوضى والتشويش لأنه يضع خطط حياته بغير صلاة؟ إننا نرى أكثر من مثال في الكتاب المقدس للنتائج المؤلمة التي يسببها التخطيط بغير صلاة.
انتصر يشوع انتصاره المعجزي في حربه ضد أريحا، ولما قرر غزو "عاي". "وَأَرْسَلَ يَشُوعُ رِجَالاً مِنْ أَرِيحَا إِلَى عَايَ... نَحْوُ ثَلاَثَةِ آلاَفِ رَجُل، وَهَرَبُوا أَمَامَ أَهْلِ عَايَ. فَضَرَبَ مِنْهُمْ أَهْلُ عَايَ نَحْوَ سِتَّةٍ وَثَلاَثِينَ رَجُلاً... فَذَابَ قَلْبُ الشَّعْبِ وَصَارَ مِثْلَ الْمَاءِ." (يشوع 2:7-5)
لقد وضع يشوع خطته وأرسل جنوده لغزو "عاي" دون صلاة... لم يستشر الرب، ولم يطلب إرشاده بل اعتمد على تقرير الجواسيس وعلى قدرة الجند، وكانت النتيجة هذه الهزيمة المؤلمة، ولعل السبب الذي كان وراء إهمال يشوع للصلاة وطلب الإرشاد هو استصغار "عاي"، وكم من مرات تستصغر بعض شؤون حياتك وتخطط دون طلب إرشاد الرب فتُفاجأ بالهزيمة والانهيار؟
حادث آخر حدث في حياة يشوع نتيجة عدم الصلاة قبل اتخاذ القرارات، فقد سمع سكان جبعون بما عمله يشوع بأريحا وعاي فعملوا بغدر "وأخذوا جوالق بالية لحميرهم، وزقاق خمر بالية... ونعالاً بالية... وثيابًا رثة عليهم، وكل خبز زادهم يابس قد صار فتاتًا، وساروا إلى يشوع... فقالوا ليشوع: [عبيدك نحن.] فقال لهم يشوع: [من أنتم؟ ومن أين جئتم؟] فقالوا له: من أرض بعيدة جدًا جاء عبيدك على اسم الرب إلهك. لأننا سمعنا خبره وكل ما عمل... والآن اقطعوا لنا عهدًا. هذا خبزنا سخنًا تزوّدناه من بيوتنا يوم خروجنا لكي نسير إليكم، وها هو الآن يابس قد صار فتاتًا... وهذه ثيابنا ونعالنا قد بليت من طول الطريق جدًا." (يشوع 8:9-13) "فَأَخَذَ الرِّجَالُ مِنْ زَادِهِمْ، وَمِنْ فَمِ الرَّبِّ لَمْ يَسْأَلُوا. فَعَمِلَ يَشُوعُ لَهُمْ صُلْحًا وَقَطَعَ لَهُمْ عَهْدًا لاسْتِحْيَائِهِمْ، وَحَلَفَ لَهُمْ رُؤَسَاءُ الْجَمَاعَةِ. وَفِي نِهَايَةِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ بَعْدَمَا قَطَعُوا لَهُمْ عَهْدًا سَمِعُوا أَنَّهُمْ قَرِيبُونَ إِلَيْهِمْ وَأَنَّهُمْ سَاكِنُونَ فِي وَسَطِهِمْ." (14:9-16)
لقد انطلت الخدعة على يشوع وعلى رجاله لأنهم "من فم الرب لم يسألوا."
هذا يأتي بنا إلى مثال من العهد الجديد للتخطيط بغير صلاة، نجد هذا المثال في أعمال 36:15-40) في الكلمات: "ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ قَالَ بُولُسُ لِبَرْنَابَا: «لِنَرْجِعْ وَنَفْتَقِدْ إِخْوَتَنَا فِي كُلِّ مَدِينَةٍ نَادَيْنَا فِيهَا بِكَلِمَةِ الرَّبِّ، كَيْفَ هُمْ». فَأَشَارَ بَرْنَابَا أَنْ يَأْخُذَا مَعَهُمَا أَيْضًا يُوحَنَّا الَّذِي يُدْعَى مَرْقُسَ، وَأَمَّا بُولُسُ فَكَانَ يَسْتَحْسِنُ أَنَّ الَّذِي فَارَقَهُمَا مِنْ بَمْفِيلِيَّةَ وَلَمْ يَذْهَبْ مَعَهُمَا لِلْعَمَلِ، لاَ يَأْخُذَانِهِ مَعَهُمَا. فَحَصَلَ بَيْنَهُمَا مُشَاجَرَةٌ حَتَّى فَارَقَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ. وَبَرْنَابَا أَخَذَ مَرْقُسَ وَسَافَرَ فِي الْبَحْرِ إِلَى قُبْرُسَ." وأمام وقائع هذه الحادثة نرى أن سر الخلاف الذي حدث بين بولس وبرنابا كان سببه التخطيط بغير صلاة، فنحن لا نجد أنهما صليا قبل اتخاذ قراراتهما.
إن تخطيط الحياة دون صلاة يعني الاتكال على الفهم البشري المحدود ونقرأ في كلمة الرب الكلمات: "تَوَكَّلْ عَلَى الرَّبِّ بِكُلِّ قَلْبِكَ، وَعَلَى فَهْمِكَ لاَ تَعْتَمِدْ. فِي كُلِّ طُرُقِكَ اعْرِفْهُ، وَهُوَ يُقَوِّمُ سُبُلَكَ." (أمثال 5:3-6)
التخطيط والصلاة
قد تضع خطط حياتك ثم تصلي طالبًا بركة الرب عليها، وهذا أسلوب خاطئ في تنظيم خطط الحياة. إن أفضل طريق هو أن تصلّي أولاً ليرشدك الرب إلى خطته لحياتك ثم تتقدم للعمل. إن طريق البركة لا أن تضع خططك بحسب استحسانك وتطلب توقيع الرب وموافقته عليها بل أن تترك الرب يضع خططه لحياتك وتضع توقيعك عليها.
في بداية سفر أعمال الرسل وقع التلاميذ في خطأ الأسلوب المشهور، أسلوب التخطيط ثم طلب بركة الرب، فقد قال الرب لتلاميذه: "وَأَمَّا الْمُعَزِّي، الرُّوحُ الْقُدُسُ، الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الآبُ بِاسْمِي، فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ." (يوحنا 26:14) "فَأَقِيمُوا فِي مَدِينَةِ أُورُشَلِيمَ إِلَى أَنْ تُلْبَسُوا قُوَّةً مِنَ الأَعَالِي." (لوقا 49:24) وبدلاً من أن ينتظر التلاميذ حلول الروح القدس لإرشادهم في اختيار بديلاً ليهوذا "فَأَقَامُوا اثْنَيْنِ: يُوسُفَ الَّذِي يُدْعَى بَارْسَابَا الْمُلَقَّبَ يُوسْتُسَ، وَمَتِّيَاسَ." (أعمال 23:1) وبعد أن وضعوا خطتهم صلوا طالبين بركة الرب "وَصَلَّوْا قَائِلِينَ: «أَيُّهَا الرَّبُّ الْعَارِفُ قُلُوبَ الْجَمِيعِ، عَيِّنْ أَنْتَ مِنْ هذَيْنِ الاثْنَيْنِ أَيًّا اخْتَرْتَهُ، لِيَأْخُذَ قُرْعَةَ هذِهِ الْخِدْمَةِ وَالرِّسَالَةِ الَّتِي تَعَدَّاهَا يَهُوذَا... ثُمَّ أَلْقَوْا قُرْعَتَهُمْ، فَوَقَعَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى مَتِّيَاسَ، فَحُسِبَ مَعَ الأَحَدَ عَشَرَ رَسُولاً." (أعمال 24:1-26) ومعروف أن القرعة لم تُمارَس قط بعد حلول الروح القدس.
الصلاة وتخطيط الحياة
هذا هو الأسلوب الكتابي المؤدي لحياة البركة، وممارسته تعني أن تعيش في سلام عاملاً أمورك، ومخططًا لدوائر حياتك حسب خطة الرب فلا تندم على خطوة اتخذتها بمجرد استحسانك.
عندما تسلَّم يشوع القيادة من موسى، عظّمه الرب كما نقرأ في الكلمات: "فِي ذلِكَ الْيَوْمِ عَظَّمَ الرَّبُّ يَشُوعَ فِي أَعْيُنِ جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ، فَهَابُوهُ كَمَا هَابُوا مُوسَى كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِهِ." (يشوع 14:4) بعد ذلك وصل يشوع إلى حدود أريحا، وباعتباره القائد كان عليه أن يتّخذ قرارًا خطيرًا بالاستيلاء على أريحا، ولكن يشوع لم تكن له خبرة سابقة في الاستيلاء على المدن ذات الأسوار.
وهنا اجتاز يشوع اختبارًا مباركًا نقرأ عنه في الكلمات: "وَحَدَثَ لَمَّا كَانَ يَشُوعُ عِنْدَ أَرِيحَا أَنَّهُ رَفَعَ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ، وَإِذَا بِرَجُل وَاقِفٍ قُبَالَتَهُ، وَسَيْفُهُ مَسْلُولٌ بِيَدِهِ. فَسَارَ يَشُوعُ إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُ: «هَلْ لَنَا أَنْتَ أَوْ لأَعدَائِنَا؟» فَقَالَ: «كَلاَّ، بَلْ أَنَا رَئِيسُ جُنْدِ الرَّبِّ. الآنَ أَتَيْتُ». فَسَقَطَ يَشُوعُ عَلَى وَجْهِهِ إِلَى الأَرْضِ وَسَجَدَ، وَقَالَ لَهُ: «بِمَاذَا يُكَلِّمُ سَيِّدِي عَبْدَهُ؟» فَقَالَ رَئِيسُ جُنْدِ الرَّبِّ لِيَشُوعَ: «اخْلَعْ نَعْلَكَ مِنْ رِجْلِكَ، لأَنَّ الْمَكَانَ الَّذِي أَنْتَ وَاقِفٌ عَلَيْهِ هُوَ مُقَدَّسٌ». فَفَعَلَ يَشُوعُ كَذلِكَ." (يشوع 13:5-15)
لقد رأى يشوع رجلاً سيفه مسلول بيده ولما سأله: هل لنا أنت أم لأعدائنا؟ أجابه: "بل أنا رئيس جند الرب." أو بمعنى آخر "أنا القائد العام وليس أنت" فخذ مني التعليمات قبل أن تضع أية خطة.
ولقد اتفق المفسرون على أن الرجل الذي ظهر ليشوع هو الرب يسوع لأنه قَبِلَ السجود من يشوع.
ولقد أعطى الرب ليشوع الخطة الكاملة لغزو أريحا، وكانت خطة عجيبة انتهت بالنصر الكامل، لأن يشوع قَبِل خطة الرب بالإيمان ونفّذها بدقة. "بِالإِيمَانِ سَقَطَتْ أَسْوَارُ أَرِيحَا بَعْدَمَا طِيفَ حَوْلَهَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ." (عب30:11)
اختبار آخر نراه للصلاة التي تسبق التخطيط في حياة الملك داود، نجده في سفر أخبار الأيام الأول 8:14-17، وفي هذا الاختبار نجد داود يسأل الله خطوة خطوة ويفعل كما أمره الله بالتدقيق وانتهى الاختبار بالنصر المؤزّر.
واختبار ثالث يرينا بركة الصلاة قبل التخطيط، نجده في سفر أخبار الأيام الثاني 20، وهناك نرى يهوشافاط يوجّه قلبه ليطلب الرب، ويعرض للرب حاجته، وينتظر إرشاده، ويعطيه الرب وعدًا صريحًا عن طريق يحزئيل الذي كان عليه روح الرب، وينفذ يهوشافاط خطة الرب التي تنتهي بالنصر العظيم.
وفي سفر أعمال الرسل نرى صورة حية للصلاة التي تسبق التخطيط: "فِي أَنْطَاكِيَةَ فِي الْكَنِيسَةِ هُنَاكَ أَنْبِيَاءُ وَمُعَلِّمُونَ: بَرْنَابَا... وَشَاوُلُ. وَبَيْنَمَا هُمْ يَخْدِمُونَ الرَّبَّ وَيَصُومُونَ، قَالَ الرُّوحُ الْقُدُسُ: «أَفْرِزُوا لِي بَرْنَابَا وَشَاوُلَ لِلْعَمَلِ الَّذِي دَعَوْتُهُمَا إِلَيْهِ». فَصَامُوا حِينَئِذٍ وَصَلُّوا وَوَضَعُوا عَلَيْهِمَا الأَيَادِيَ، ثُمَّ أَطْلَقُوهُمَا." (أعمال 1:13-3)
هنا نرى أنه عندما كان أولاد الله يخدمون الرب ويصومون، وبينما هم قد ركّزوا اهتمامهم في عبادة الرب، أعطاهم الروح القدس الأمر والإرشاد، فالصلاة سبقت التخطيط، وهكذا إذ أمر الروح القدس صاموا وأرسلوا برنابا وشاول في أول رحلة تبشيرية.
إن الصلاة التي تسبق التخطيط للحياة يجب أن تكون صلاة مُخلصة، تعرض فيها حاجتك للرب...
هل أنت تبحث عن عمل؟
هل تبحث عن فتاة مؤمنة تكون شريكة لحياتك؟
هل تبحث عن مكان لسكنك؟ اعرض حاجتك للرب مهما كانت صغيرة ثم استمع لإرشاد الروح القدس في داخلك، وبعد ذلك قم بوضع خطة أمورك. ليتك تقرر اليوم أن تمارس عمليًا أسلوب الصلاة لتخطيط الحياة.