Voice of Preaching the Gospel

vopg

"مستأسرين كل فكر إلى طاعة المسيح." (2كورنثوس 5:10)
تفكير الإنسان هو أحد أهم منابع حياته، والإنسان الذي يتمتّع بتفكير سليم يتمتّع بالتالي بحياة سليمة مثمرة، أما إذا كان فكره ضيِّقًا ومشوَّشًا تكون حياته مرتبكة قليلة القيمة له وللآخرين.

كل واحد منا يحيا في عالمين مختلفين:
الأول هو العالم المادي المحيط بنا من الخارج، والثاني هو عالمنا الخاص الذي صنعته أفكارنا عن العالم المحيط. فالعالم الخارجي لا يستطيع أن يؤثر فينا مباشرة بل هو يؤثر علينا من خلال أفكارنا، إن أسلوب تفكيرنا وتفاعلنا مع العالم الخارجي هو الذي يؤثر فينا وليس العالم الخارجي نفسه؛ أي إن العالم بالنسبة لنا ليس هو العالم المحيط بنا فعلاً بل ما نفكّر به عن هذا العالم.
وعندما يفكر الإنسان يكوّن عالمه الخاص الذي يعيش فيه فنحن إذًا لا نعيش جميعًا في نفس العالم، بل كل واحد منا يعيش في عالمه الخاص الذي صنعته أفكاره وأسلوب تفاعله مع أحداث العالم المحيط بنا، فربما يسير ثلاثة رجال جنبًا إلى جنب إلا أنهم في الواقع يعيشون في ثلاثة عوالم مختلفة! وإليك مثل لذلك:
تخيّل أن ثلاثة رجال يسيرون داخل إحدى الغابات، أحدهم شاعر وأديب، والثاني دارس للتاريخ الطبيعي، والثالث تاجر أخشاب. وإذ يرى الثلاثة منظر الأشجار العتيقة الضخمة، تتوارد على أذهانهم أفكار مختلفة كل الاختلاف:
فكر الشاعر يقفل راجعًا عبر القرون إلى ذلك الزمن السحيق الذي كانت فيه هذه الشجرة الضخمة مجرد نبتة خضراء ضعيفة تبرز لتوّها من الأرض الطينية، وتتوارد على ذهنه أسماء العظماء الذين كانوا في ذلك الحين يرتدون التيجان ويحكمون الإمبراطوريات. آه، أين هم الآن؟ كيف غادروا المشهد وطواهم النسيان، ولم يعد أحد يذكرهم إلا نفر قليل من المهتمين بتاريخ تلك العصور الغابرة! إن منظر الأشجار العتيقة أثار في فكر الشاعر عالمًا واسعًا مليئًا بالذكريات والأحاسيس وعبق التاريخ.
أما دارس التاريخ الطبيعي فعالمه أضيق من عالم الشاعر وإن كان أكثر تفصيلاً، فتجده يصغي إلى تغريد خافت يكاد لا يسمعه أحد ويحاول أن يعرف نوع هذا الطائر المغرّد، ثم فجأة ينحني على جذع إحدى الأشجار ليفحص نوعًا من الطحالب التي تتكاثر عليه، ثم يلحظ خدوشًا على لحاء إحدى الأشجار فيستنتج أن دبًّا عبر من هذا الطريق لتوّه! إن عالمه رحب مليء بتفاصيل صغيرة لا يعيرها الآخرون أي انتباه.
أما تاجر الأخشاب فعالمه أضيق كثيرًا من سابقيه، فمنظر الأشجار الضخمة لا يستثير فيه ذكريات تاريخية ولا حقائق علمية، إنه يفحص الأشجار بعيني التاجر، يقيس محيطها وارتفاعها ويجري حسابًا سريعًا عمّا قد تدرّ عليه من ربح إذا باعها في سوق الأخشاب. إن عالمه هو عالم التجارة الجامد الخالي من الأحاسيس والذكريات، إنه لا يستطيع أن يرى في هذه الأخشاب إلاّ أخشابها، إنه محصور في عالم التجارة ولا يستطيع أن يرى أي شيء فيما وراء هذا العالم.
هل لاحظت كيف أن عالمًا خارجيًا واحدًا قد تحوّل إلى ثلاثة عوالم داخلية مختلفة من خلال عملية التفكير الخاصة بثلاثة أفراد مختلفين؟ إن العالم الخارجي ما هو إلا المادة الخام، أما تأثير العالم على الإنسان فهو نتاج تناول ذهن كل واحد لهذه المادة الخام.
يهوذا الإسخريوطي ويوحنا الحبيب عاشا في نفس العالم الخارجي، لكن كم كان الفرق عظيمًا بين فهم كلٌّ منهما لهذا العالم، ونفس الشيء يمكن أن يُقال عن قايين وهابيل، عيسو ويعقوب، شاول وداود... من هذا نتعلّم أن الظروف لا تصنع إنسانًا بل أسلوب تجاوب فكر الإنسان مع الظروف هو الذي يصنع الإنسان.

وماذا عن فكر المؤمن؟
يقول الرسول بولس: "ليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع أيضًا." (فيلبي 5:2) إن فكر المؤمن ينبغي أن يكون متوافقًا مع فكر المسيح. الله يريدنا أن نفكّر بنفس أسلوب تفكيره، وعندما يمتلئ المؤمن بفكر الله يكون تعامله مع العالم الخارجي هو نفس تعامل الله، لأنه يفكِّر في الأحداث والأشخاص بنفس تفكير الله، وتصبح كل ظروف الحياة بمثابة الرحيق الخام الذي يتحوّل في ذهن المؤمن إلى عسل شهي!
لكن هذا لا يحدث بصورة ميكانيكية، فلكي يتم هذا العمل العظيم ينبغي أن يسود الله على أفكار شعبه، إذا أردنا أن نفكّر أفكار الله، فينبغي أن نتعلم كيف نُخضع فكرنا لطاعة المسيح، ينبغي أن نفكّر في كل شيء حولنا على خلفية من فكر الله، المؤمن لا ينبغي أن يفكّر في أي شيء مباشرة، أفكاره ينبغي أن تتجه أولاً إلى الله ومن خلال فكر الله يستطيع أن يفكّر في أي شيء آخر. إن أفكاره مثل ملائكة السلّم الذي رآه يعقوب في بيت إيل، تصعد إلى السماء أولاً ثم تنزل إلى الأرض، ويبقى الله على رأس السلّم هدفًا ومسيطرًا على كل أفكارنا. وهكذا يحيا المؤمن بفكره في عالم خاص يسوده الله حتى وإن ظلّ يحيا بجسده في عالم يسوده إبليس!

المجموعة: تشرين الأول (أكتوبر) 2020

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

283 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10630727