Voice of Preaching the Gospel

vopg

ورد في سفر مراثي إرميا 20:5-22 ما يلي: "لِمَاذَا تَنْسَانَا إِلَى الأَبَدِ وَتَتْرُكُنَا طُولَ الأَيَّامِ؟ اُرْدُدْنَا يَا رَبُّ إِلَيْكَ فَنَرْتَدَّ. جَدِّدْ أَيَّامَنَا كَالْقَدِيمِ. هَلْ كُلَّ الرَّفْضِ رَفَضْتَنَا؟ هَلْ غَضِبْتَ عَلَيْنَا جِدًّا؟"

إن هذه الآيات الواردة في الأصحاح الأخير من سفر مراثي إرميا تثير في النفس كثيرًا من الحيرة والقلق بل والاستغراب أيضًا. فإرميا يدرك تمامًا أن الرب قد اختار شعبه ليحمل إلى العالم رسالته ويطبّق نصوصها ويعيشها، فتكون نورًا للأمة، وبركة للآخرين، ولكن الشعب تمرّدوا على إرادة الله، وغوُوا وراء آلهة أُخرى لا حياة فيها ولا رجاء. فقد انطلق الشعب اليهودي بجزأيه اليَهْوَذي والإسرائيلي وراء عبادة تلك الأوثان وارتدّوا عن الإيمان بخالق الكون الذي أنقذهم من عبودية المصريين بصورة معجزية. ولم تُجدِ محاولات الله معهم للارتداد إلى الحق الإلهي والإيمان به لكي يوفّر لهم الحماية والسؤدد، والعدالة والمحبة والغفران. لهذا نندهش عندما نقرأ ما جاء في الأعداد المذكورة أعلاه عن تساؤلات إرميا عن موقف الله من الشعب في ما إن كان الله قد نسيَ الشعب إلى الأبد أو تركهم طول الأيام. ويطالب الرب أن يردَّهم إليه فيرتدّون، بل يتوسّل إليه أن يجدّد أيامهم كالقديم، بل يسأل: "هل كل الرفض رفضتنا؟ هل غضبت علينا جدًا؟"
إن هذه التساؤلات هي مبعث دهشة وألم لأن الله يسعى دائمًا لاسترداد شعبه وأولاده الذين انحرفوا، فيرجعون إليه. هذا مطلب أبدي في قلب الله، وما مجيء المسيح في تجسّده إلى العالم إلاّ تعبير عن رغبة الله الآب في خلاص الجنس البشري. إن الفداء لم يكن عملية عابرة بل حسب مشورة مقدسة بفعل فيضٍ من الحب الإلهي لكي يحرر البشرية من عبودية إبليس، ويهب الإنسان الضال حياة جديدة. فتصبح آنئذ علاقته مع ربّه وخالقه علاقة سليمة مفعمة بحياة متدفّقة وإعرابًا عن قداسة الآب السماوي وحنانه وعطفه على الإنسان الساقط.
ويمكننا نحن الذين اختبرنا نعمة المسيح في حياتنا أن ندرك روعة هذا الحب الإلهي إذ يقول الكتاب المقدس: "لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد" من أجل خلاص الإنسان واسترداده إلى الأمجاد السماوية. فالله منذ البدء أحبّ الإنسان وكانت لذّته في تلك الشركة الروحية الرائعة معه؛ ولكن الإنسان هو الذي أخطأ، وابتعد عن الله، وتبع آلهة أخرى من صُنع الناس. ومن هنا كان لله مواقف متعددة لكي يستردّ الشعب الخاطئ. وما علينا إلا أن نطالع سفر القضاة فندرك عندئذ عمق رحمة الله وغفرانه في معاملته للإنسان التائب. فالرب منذ البدء كان رحومًا، غفورًا. فقد مدّ يد العون إلى آدم وحواء على الرغم مما ارتكباه من ضلالٍ وتمرّدٍ على نواهي الله، وغفر للشعب الإسرائيلي عصيانه، وتعبّده لآلهة أخرى عندما ارتدّوا إليه. وأرسل أنبياء، وأقام كهنة ومرشدين. ولكن عندما بلغ الشعب المدى الأقصى في العصيان، وقتلوا أنبياءه، واضطهدوا الأبرار، وعصوا نواهيه فبلغ شرّهم عنان السماء، وأبوا الرجوع إليه. أعلن الرب الإله موقفه منهم، وارتدّ عنهم وأسلمهم إلى أيدي أعدائهم، أي رفع حمايته عنهم، وتركهم أسرى في أيدي أعدائهم، بعيدين عن أرضهم ومواطنهم، وأصبحوا عبيدًا لأعدائهم. ونلاحظ في دراستنا إلى ما أصابهم من ويلات:

أولاً- نبذوا الله وعبدوا آلهة أخرى
لم يكن الله هو الذي تخلّى عنهم بل هم الذين تخلّوا عنه ونبذوه وتعبّدوا لآلهة الشيطان. كان موقفهم نهائيًا أثار غضب الله فعزم أن يلقّنهم درسًا يجسّد مأساتهم ويعرب في الوقت نفسه عن غضب الله واشمئزازه من مواقفهم وتصرّفاتهم. فالخالق الديان لا يشاركه في مجده وقوّته، ورحمته ومحبّته ودينونته أيّ إلهٍ آخر، لأنه هو وحده خالق الكون بأسره ولا يرضى أن يكون له شريكًا. لقد تعطّف عليهم فيما مضى، وأنقذهم من أعدائهم، وأغدق عليهم من رغده، وجوده، ولطفه، بل خطّط لهم حياة سنية طاهرة، ولكنهم أبوا الرضوخ إليه، ونبذوه لأن قلوبهم الشريرة ضلّت وراء آلهة مزيّفة حذّرهم منها إلههم، واستنكرها أنبياؤهم وبعض كهنتهم. لهذا نجد أن خالق الأكوان قد اتّخذ منهم موقفًا قاسيًا جدًّا لكي يعيدهم إليه بعد التوبة والمرارة. ولم يكن رجوعهم من السبي إلا بعد "تأسفهم القلبي على الخطية... والذي يكتمل بالرجوع إلى الله بالإيمان والطاعة." (طبقًا لما أشار إليه المعلّق جون ماك آرثر.)

ثانيًا، كان موقف الله منهم واضحًا
إن الله يمقت الخطيئة لأنها تثير غضبه ونقمته لأن خطية الإنسان هي التي أفضت بالمسيح إلى الصليب. لقد كان الثمن غاليًا لأن البار الصالح قد صُلب بعد الإهانة والسخرية واللعنات، فتحمّل كل ما أنزله به أعداؤه بصبرٍ، لم يشتم أحدًا بل كان يجول بين الناس يصنع خيرًا. ولكن قلب الإنسان الشرير أذاقه الويلات؛ فتحمّل كل شيء من أجل خلاص ابن الإنسان، بل إنه حاول أن يجد عذرًا لصالبيه إذ ابتهل على الصليب إلى الله أن يغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون.
من هنا نكتشف موقف الله من الخطيئة. وموقفهم من شدة محبته للإنسان. فمن غير سفك دمٍ لا تحصل مغفرة. وفي هذه المرة لم يكن الدم المسفوك دم خروف أو حملٍ أو عجلٍ بل دم يسوع المسيح ابن الله الحي الذي أهدرته ضربات السياط، والمسامير، وطعنة الحربة. كانت هذه دماء المحبة. فالله لم يتوقّف عن محبة الإنسان على الرغم من خطايا هذا المخلوق الملوّث بمستنقعات الإثم، بل ضحّى بأغلى ما لديه، بابنه الوحيد المتفرّد لكي يموت عن الإنسان المجرم ويدفع ثمن خطاياه كي يصبح مقبولاً في نظر عدالة الآب. وهكذا عادت أبواب السماء مشرّعة أمام الإنسان إن اعترف بالمسيح مخلصًا وفاديًا. لا ريب أن تجسّد المسيح قد أنار القلوب، وموته هدم هياكل العبادات الوثنية، وأصبح في وسع الإنسان المؤمن أن يعتبر نفسه من أولاد الله. "وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله، أي المؤمنون باسمه."

ثالثًا، مجيء المسيح هو خطّة إلهية
وهذه الخطة حملت في ذاتها جوهر المحبة الإلهية، فتجسُّد المسيح كان بمشورة إلهية نابعة عن قلبٍ متّسع متألّم من خطايا البشر الذين استسلموا لشهوات قلوبهم، وتعدّوا على وصية الله المقدسة، وعبثوا بمواقفهم وأعمالهم، مما أثار سخط الله وغضبه بعد طول أناةٍ وصبرٍ. ولكن عندما تجاوز الإنسان التخوم الإلهية كان لا بد لهذا الخالق الجبّار أن يجري عدالته ويعاقب أبناء آدم على شرورهم وفجورهم. غير أن هذا القضاء القاسي لم يقضِ على محبته الإلهية لأن خطة الخلاص قد تمّ إعدادها من قبلِ خلق الإنسان. إن الله محبة ويستنكر الخطية أيضًا، فكان لا بدّ من وجود خطة إلهية، تعاقب الإنسان على إثمه وشروره، وأيضًا تتميّز بنعمة الخلاص القائمة على التوبة الحقيقية التي يتبرّر بها الإنسان بدم المسيح المسفوك على الصليب. هذه الخطّة الإلهية كانت معدّة من قبلِ خلق الإنسان، وقبل السقوط لأن محبة الله كانت جوهرًا حيًّا في ذاته نظير حيويّة العدالة الإلهية. فالخطة كانت معدّة منذ الأزل، ولكن تحقيق هذه الخطة وتنفيذها كان يتطلّب الإرادة البشرية القابلة التي تخضع لها وتطالب بها بصورة أمينة وصادقة تمحو خطايا الإنسان، وتبدأ عهدًا جديدًا أبديًّا في علاقتها مع الله من خلال المصلوب الرب يسوع المسيح. هذا هو الموقف الوحيد الذي يحقّق قيمة الصلب، وقوة عمل المسيح المحب الذي مات ليفتديك ويفتديني من كل خطيّة ارتكبناها. وبذلك يصبح في وسعنا أن ننسى ما هو وراء ونتقدّم إلى الأمام بصورة مدهشة مدعومة بمحبّة الله ورحمته ونعمته.
إننا في مثل هذا التأمل للآيات الثلاث المذكورة أعلاه ندرك أن الله كان غاضبًا على الخطية، وفي الوقت عينه محبًّا غفورًا. فخطة الخلاص جاهزة. ومحبة الله الفائقة لكلٍّ منهم متوافرة بثراء، وأصبح الأمر كله متوقّفًا على ابن الإنسان الخاطئ الأثيم: هل هو لديه الاستعداد الكامل للتوبة والرجوع إلى الله أم ما زال متعنِّتًا ملوَّثًا بخطيته لا يرغب في التحرّر منها. إن الموقف كله مرهون بإرادة الإنسان الخاطئ. اطلبوا الرب فهو قريب ومحب.

المجموعة: تشرين الأول (أكتوبر) 2020

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

138 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
11578772