قَبِلَ المسيح كمخلص في يوم بهيج في شبابه المبكر، وكان ملتهبَ العاطفة يشتغل بقوة ونشاط في سبيل اتساع ملكوت الله،
وكان الذين يراقبونه يعجبون من حبه الشديد للمسيح، ويتوقون إلى حياة عالية سعيدة كحياته... وظلّ رالف مارتن في هذه الحالة المباركة عدة سنوات، ثم بدأت المشاغل تكثر في حياته، فأهمل دراسة الكتاب، وتهاون في حفظ ساعة الصباح الباكر، وتراخى في خدمته الأمينة للنفوس، وقليلاً قليلاً فَتُرَت محبته وأصبح يحمل قلبًا فاترًا خاليًا من الحبِّ الأوّل لمخلصه وفاديه.
وتزوج رالف بفتاة أحبها، وعاش معها بضع سنين وهو لا يكلّمها عن المسيح ولا يحاول أن يربحها للحياة الأبدية. كان فاترًا وهيهات للفاتر أن يربح نفسًا للمسيح... وحملت زوجته وجاءتها ساعة المخاض وتعسّرت ولادتها فنقلوها إلى المستشفى، وذهب معها رالف إلى هناك ورآها وهي في شبه غيبوبة وممرّضات المستشفى يجرّونها على عربة إلى حجرة العمليات، وخُيِّل إليه وهو يرى الممرضات يُدخلونها الحجرة وهي بلا حراك أنها ذاهبة إلى عالم الخلود...
وفجأة استيقظ ضميره، وبدأ يذكر أنه لم يحدّث هذه المرأة الحبيبة إلى قلبه عن الرب يسوع المسيح مخلّص الخطاة، ولم يحاول قط أن يحدّثها عن الحياة الأبدية، أو أن يصلي معها، أو أن يأخذها إلى اجتماع ديني... وثارت نفسه في الداخل وهو يتخيّلها قد ذهبت إلى هاوية العذاب لأنه أهمل في توصيل رسالة الخلاص إليها.
وخرج الطبيب من حجرة العمليات واقترب منه وقال: "إذا لم تحدث معجزة فلا مفرّ من الموت يا سيدي." واهتزّ كيان رالف مارتن وهو يسمع هذه الكلمات "إذا لم تحدث معجزة فلا مفرّ من الموت." ولكن، هل تحدث المعجزة؟ ملأت الأفكار رأسه، وذكر أن الله سامع الصلاة، وأنه ينقذ المتضايقين، وعنده للموت مخارج. ولكن، هل يسمع الله للمرتدّ البائس المسكين الذي ترك محبته الأولى، ولفّه العالم في ردائه البرّاق الخداع؟ ولماذا لا يسمع الله؟ إنه لا شك يسمع... وتلفّت حوله فاسترعى انتباهه السبورة السوداء التي يسجل عليها الأطباء ملاحظاتهم، فاقترب إليها وأمسك بالطبشورة وكتب عليها هذه العبارة "أعدك إلهي أن أكرس كل ما لي لك لو تحنَّنتَ وأنقذتَها."
مرت الدقائق بطيئة متثاقلة ورالف مارتن ينتظر على أحرّ من الجمر، وفجأة فُتح باب حجرة العمليات وخرج منه طبيب يبتسم ابتسامة فيها شيء من الأسى، وتقدّم إلى الزوج المضطرب وقال: "أهنّئك يا مارتن، لقد أنقذت العناية زوجتك، لكن الطفل قد أُصيب بضرر قد يجعله عاجزًا مدى الحياة." وتلقّى الزوج النبأ في فرح فيه بعض الألم ولكنه شكر الله، وبعد أيام غادرت الزوجة وطفلها المستشفى وهي في أتمّ صحة، لكن موضع الألم، كان فيما أصاب الطفل من أضرار...
من ذلك اليوم عاد المرتد إلى الآب السماوي، والتهب قلبه من جديد لخدمة الله، وكلّم زوجته عن حياتها الأبدية وقادها للمخلص، فسلّمت قلبها لفاديها وأصبح البيت سماء على الأرض، لا يعكر صفوه سوى ذلك الطفل الكسيح المسكين.
مرت السنون والطفل لا يقوى على المشي أو القيام، وفي يوم ما حملت الأم طفلها وذهبت إلى الكنيسة، وكانت الرسالة عن حياة التقديس الكامل، وضرورة تكريس الحياة للرب قبل التمتّع باختبار الملء الجليل، وأُعطيت الفرصة بعد الخدمة للشهادة، أو للعزم على تكريس الحياة للرب، وتأثّرت الزوجة تأثّرًا بالغًا، فوقفت في وسط الاجتماع وقالت: "لقد عزمت أيها الإخوة أن أكرّس كل ما عندي لسيدي ومخلصي وفاديّ." وما كادت تنطق بهذه العبارة حتى رأت طفلها الكسيح الذي لم يقف قط على قدميه وهو يقف في قوة ويصيح فرحًا متهلّلاً. لقد لمسه الرب بلمسة الشفاء فقام على رجليه منتصبًا، وصار البيت السعيد بيتًا شاهدًا لنعمة الله بعد عودة المرتدّ...
فهل تعود؟
"وسلام الله الذي يفوق كل عقل، يحفظ قلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع.” (فيلبي 7:4)
نعيش في عالم مملوء بالصراعات والمشاكل، والكل يصرخ: سلام! سلام! ولا يوجد سلام لأن الحياة كلها اضطرابات وهموم. والسبب في ذلك يعود إلى أن الإنسان يعيش في ثورة ضد الله وضدّ وصاياه. فأسلوب البشر لا يخلو من الخطية، والله نفسه ضد الخطية مهما كانت صغيرة أم كبيرة. وغضبه مُعلن من السماء على جميع فجور الناس وإثمهم.
ولكن الله في محبته العظيمة لم يُهلك الإنسان المتمرّد، بل أتاح له المصالحة بموت الرب يسوع المسيح على الصليب، لكي ينتهي الخصام ويعمّ السلام الحقيقي بين الله والإنسان من ناحية، وبين الإنسان وأخيه الإنسان من ناحية أخرى. وأول عبارة تفوّه بها الرب يسوع إلى تلاميذه عندما التقاهم بعد قيامته من الأموات كانت: "سلام لكم!" وهذا دليل على أن سلطان السلام الذي أتى به ابن الإنسان لمصالحة البشرية كلها، قد تم بواسطة محبة الله، هللويا! لذلك يؤكد الرسول بولس لنا أن سلام الله يحفظ قلوبنا وأفكارنا في المسيح يسوع.
والسؤال الموجّه إليك اليوم: هل تحيا في سلام مع الله؟ أم لا تزال بعيدًا عن المسيح فادي الأنام؟ السلام الذي قابل به الرب يسوع تلاميذه بسلطان الآب السماوي مُعدٌّ لك أنت أيضًا. إذا أقبلت إليه، تجد هذا السلام وهذه الراحة لنفسك. وإذا بقيت بعيدًا عنه، تغمرك هموم الحياة وشرّها ولا تجد سلامًا. فهيا، تعال اليوم إلى رئيس السلام، ولا تقسّي قلبك أمام النعمة المقدمة لك. تعال إلى المسيح يسوع، فيعمّ سلام الله حياتك كلها.