كيف دخلت الخطية إلى العالم؟ الملحدون ينكرون الله قائلين: إذًا لا توجد خطية، والمستهترون يرون أنه لا قدرة على غلبة الخطية،
والعالم المسيحي بالاسم ينكر الخطية لأنها غلطة في الذهن، أما الأشرار فيعلمون أن اللذة تبرر الخطية، أتباع داروين يعتبرون أن الخطية موروثة من الحيوان بينما الحيوان ليس له إحساس روحي بالخطية. الخطية ليست أمرًا شخصيًّا فكل ما نفعله لا بد أن يؤثر في الآخرين.
كان رجل يقيس باب خمارة مما أدهش المارة، فقال للجمهور: "من المدهش أن هذا الباب وإن يكن صغيرًا، ولكن منه قد ذهب بيتي وأثاثه وكل ما إذخرته في حياتي وكل صحتي وسمعتي وضميري." "ها أنت قد برئت فلا تخطئ أيضًا لئلا يكون لك أشرّ." (يوحنا 14:5)
أولًا- خطية العود: في "عيد الفصح" كانت بِركة بيت حسدا ذات الخمسة أروقة (فسحات مفتوحة) تضم مرضى كثيرين يحيطون بها يتوقعون تحريك الماء، ومن ينزل أولًا يشفى إلا مريض لمدة ثمان وثلاثين سنة. هذا شفاه يسوع وأوصاه قائلًا: "لا تخطئ أيضًا" معبِّرًا بذلك على المقياس الإلهي للقداسة، فإن الرجوع إلى الخطية له نتائج أعظم بكثير من المترتبة على المرض الجسدي "العذاب الأبدي". ذهب المريض المعافى بعدها ليشهد جهارًا عن رحمة الله في المسيح. إن المفلوج المقعد كان مسرورًا بشفائه الجسدي، لكن كان عليه أن يترك خطاياه. وهناك أيضًا امرأة أُمسِكت في زنا أتى بها المشتكون عليها وكتب يسوع على الأرض خطاياهم "من منكم بلا خطية فليرمها أولا بحجر". سأل المسيح المرأة سؤالين: "أين هم المشتكون عليك؟ أما دانك أحد؟" ثم أعلن براءتها وأوصاها "ولا أنا أدينك... اذهبي ولا تخطئي أيضًا". في نعمته تفوّق على الناموس، وفي غفرانه منح البراءة.
ثانيًا - خطية التجديف: إن خطية التجديف على الروح القدس هو رفض وإنكار عمله وعدم السماح له أن يعمل فينا ومقاومة العقل والضمير أمام بشارة الإنجيل المفرحة، والنتيجة حتمًا عدم الغفران وعدم الإحساس بالخطية وتجاهل عمل الله في الصليب (متى 31:12). لماذا؟ لأن الروح القدس يبكِّت العالم على خطية لأنهم لا يؤمنون بالمسيح مبيِّنًا أن عدم الإيمان به هو علّة كل الخطايا "لأنهم لا يؤمنون بي". كما أن الخطية التي لا تُغتفر هي التجديف على الروح القدس ونسبة عمل الله إلى الشياطين. أما الخطية التي ليست للموت (1يوحنا 16:5) فهي العثرة أو السقوط في شدّة التجربة مما يشير إلى الانفصال عن الله عمدًا واختيارًا. إن غفرانها سهل، وإن كانت مميتة، إن قَبِل فاعلها الإصلاح وعدم الإصرار عليها. إنه ارتكبها من غير عمد لذلك يرجى إصلاحه. أما السهوات والخطايا المستترة فإن المؤمن يُصاب بالإحساس بالذنب خشية اقترافه خطية سهوًا أو فعل خيرًا بدافع أناني أو لم يضع قلبه في العمل أو أهمل شيئًا كان يجب عمله. هذا الإحساس يجب ألّا يخيفنا "السهوات من يشعر بها، من الخطايا المستترة أبرئني." (مزمور 12:19)
ثالثًا - الخطية الاختيارية: إن المؤمن الذي يهمل كلمة الله في عبرانيين 2، سرعان ما يشك في الكلمة (عبرانيين 11:5-20:6) مما يجعله بطيئًا في حياته الروحية مستخفًّا بكلمة الوعظ. إنها خطية اختيارية متعمّدة تؤدي إلى عدم الطاعة "إن أخطأنا باختيارنا" (عبرانيين 26:10). في العهد القديم لم يكن لهذه الخطية ذبائح (خروج 12:21-14، عدد 27:15-31)، وتكون عقوبتها أن تقطع تلك النفس من شعبها (تثنية 1:17-7). بلغة العهد الجديد، هذا الاستخفاف يعني كمن "داس" ابن الله بقدميه وأهان الروح القدس وحسب دم المسيح الذي خلّصه دنسًا (لا يساوي شيئًا) مما يجلب العار على اسم المسيح، كما يخضع هذا المؤمن للتأديب والعقاب، فالذين ماتوا في البرية كانت خطاياهم من هذا النوع. لا يفقد المؤمن في هذه الحالة خلاصه فالرب غفر خطية داود المحزنة لأنه احتقر "كلام الرب" ووصيته (2صموئيل 9:12). لا تستخفّ بل خفْ لأنها كلمة الله واطلب الرحمة "دعني أسقط في يد الرب لأن مراحمه كثيرة." (1أخبار 13:21) إن المؤمن يعيش بالإيمان والصبر في المسيح، وكلمة "الهلاك" في عبرانيين 39:10 لا تعني الدينونة الأبدية فقط في هذا النص بل تعني هنا "إتلاف" أي أن المؤمن يتلف حياته في الطرق العتيقة. والإيمان هو الثقة "يحتمل ويدعم"... والإيقان "الاقتناع" بما يفعله الله. لذلك فإن اقتباس بولس في رومية 15:9 "أرحم من أرحم وأتراءف على من أتراءف" يؤكد عدم وجود ذبيحة أو تدبير آخر حتى مجيء الذبيح الأعظم الرب يسوع المسيح. إن دعوة الله هي للجميع لذلك الذين أخطأوا ورفضوا لا يلومون إلا أنفسهم.
رابعًا - خطية الإخوة: في إنجيل متى 15:18 نقرأ: "وإن أخطأ أخاك فاذهب وعاتبه بينك وبينه وحدكما." فالخطوة الأولى أن تربحه وقد يصحح أحدٌ أفكاره (الآية 15)، ثم على يد شاهدين بدون تحيّز، ثم يبلغ الكنيسة. فإن رفض فعامله كشخص تستحيل الشركة معه كالفريسي والعشار. على الكنيسة عندئذ أن تستخدم حق الربط "التقييد" أو الحلّ أي "السماح والإطلاق" على أن تتوخّى الكنيسة بتواضع وحكمة في وضع من أصابته الإساءة قبل النظر في جانب المسيء كما قال يسوع في روح الغفران تجاه "أخي" الذي يجب أن يكون بدون حدود "فهكذا أبي السماوي يفعل بكم إن لم تتركوا من قلوبكم كل واحد لأخيه زلاته."
على المؤمن أن يسعى ليكون مشابهًا ليسوع المسيح، ويتتبع خطواته، وأن يكون له فكر المسيح. قبل الإيمان كان كل منّا عدوًّا لله في الفكر، أما بعد الإيمان "فلنا فكر المسيح".
تشاجر زوجان معًا حتى قسما سكنهما إلى قسمين. ويومًا ما اشترت الزوجة نسخة من العهد الجديد الأمر الذي لم يسرّ زوجها، فقالت له: اعلمْ أن لي نصف البيت ومن حقي أن أشتري مثل هذا الكتاب، وإذا بزوجها يمسك بالكتاب في غضب ويقسمه إلى نصفين قائلًا: وأنا لي الحق في نصف هذا الكتاب. رجع الرجل من عمله يومًا وأراد أن يقرأ شيئًا، فلم يجد إلا نصف هذا الكتاب وهو النصف الأخير من قصة الابن الضال، ولما جاءت زوجته أخبرها عن هذه القصة العجيبة التي يرغب في قراءة أولها، فقالت: وأنا أيضًا أودّ معرفة نهايتها.