هذه الكلمات الصادقة نطقها الله على فم النبي صموئيل لكي تكون رسالةً من الله لشاول بن قيس، وبما أنّ الكتاب المقدس هو كتاب نبويٌّ مُتجدّد، أي عندما نقرأه نجد نفس الكلمات المكتوبة إنما هي رسالة حيّة لنا أيضًا.
فالله يريد أن يقول لك على انفراد: "وأما أنت فقفْ الآن فأُسمِعكَ كلام الله." (1صموئيل 27:9) إن الرب القادر على كل شيء يستطيع أن يوقفنا في أسفار ومواضع معينة في كلمته لكي نسمع أقواله الصادقة مُعطيًا للإنسان إرادة حرة لكي يتجاوب معها بالقبول أو الرفض! ولكن يبقى أرسخ مكانٍ نقف فيه لكي نسمع صوت الله هو عند الصليب.
فإن كُنتَ تمّرُ بظروف قاسية قاهرة، قف عند الصليب. فقد وقفت المُطوّبة العذراء مريم مع باقي النسوة ست ساعات عند صليب يسوع، وقفت لكي ترى المحبوب يسوع يموت لأجل الأثمة والفجّار... وقفت لكي ترى ابن الآب بالحق والمحبة يقاسي آلام الترك على صليب العار، لكي لا نُترك نحن معذبين في العار والهلاك الأبدي.
وإن كُنت تعاني من جروح نفسية لم يستطع الأطباء علاجها، قف عند الصليب لكي ترى المسيح يصفح عن الذين كانوا يشتمونه ويغفر لصالبيه.
"فقال يسوع: [يا أبتاه، اغفرْ لهم، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون.]" (لوقا 34:23) فمفتاح الشفاء للذين أساءوا إليك وجرحوا مشاعرك هو الغفران، إذ يقول الكتاب: "... الذي بجلدته شُفيتم." (1بطرس 24:2) فالمؤمن الحقيقي قلبه مُغسّل بدم المسيح (1بطرس 2:1، عبرانيين 22:10، عبرانيين 24:12) ودم المسيح المرشوش علينا فيه قوة تطهير وغفران لخطايانا، وشفاء لمشاعرنا الجريحة، فعندما نقف عند الصليب نتذكر هذه النصيحة "... مسامحين بعضكم بعضًا إن كان لأحد على أحد شكوى. كما غفر لكم المسيح هكذا أنتم أيضًا." (كولوسي 13:3)
وماذا إذا كان لساني غير منضبط ويجعلني أخطئ؟ قف معي عند الصليب لكي تتعلّم أن تكون حكيمًا وصامتًا، وترّدُ على شاتميك بالبركة ويكون الرب حارسًا لفمك ويحفظ باب شفتيك فلا تخرج كلمة رديّة من فمك.
وإن كُنت تجد نفسك غير محبوب، قفْ الآن عند الصليب لكي تُدرك وتتيقّن من محبّة الله لك، إنها محبّة أزلية أبديّة. الله يُحبّك وبرهن على ذلك بموت يسوع نيابة عنك لكي يَهبكَ الحياة الأبدية، والخلاص الأبدي وكل البركات لك، فعند الصليب تُدرك أنك محبوب جدًا.
وإن جاءك العدو مُشكِكًا؛ هل حقًا يسوع يحبك؟ هل أنت ثمين في نظر الله؟ هل الله يحب أمثالك؟ فقف الآن عند الصليب لكي تضم صوتك مع أسوأ الخطاة الذي أدرك آلام المسيح لأجله قائلًا: "ابن الله الذي أحبني وأسلم نفسه لأجلي." وقال أيضًا: "صادقة هي الكلمة ومُستحقةٌ كل قبول: أن المسيح يسوع جاء إلى العالم لِيُخلّص الخطاة الذين أوّلهم أنا." (1تيموثاوس 15:1)
وربما يقول قائل أنا أعمالي الصالحة كفيلة بأن تزيل عني الدينونة الأبدية وتدخلني إلى السماء. فلمثل ذلك المُفكّر أقول قف عند الصليب لكي تسمع كلام الله: "ليس من أعمال لكي لا يفتخر أحد" لأنّ أفضل أعمالنا هي كخرقة بالية مُنتّنة في نظر الله القدوس، لا نستطيع أن نكتسيَ بها ولأنّ الله يراها أيضًا كخيوط العنكبوت، إنّ إلهنا البار هو الذي أرسل القدوس يسوع الذي لم يعرف خطيّة وأصبح على الصليب ذبيحة خطيّة لكي ننال التبرير المجاني بهبة من قبل الله.
وإن قال لك أحد كل الديانات تؤدّي إلى السماء، فقف عند الصليب لكي تسمع كلام الله "وليس بأحد غيره الخلاص. لأن ليس اسم آخر تحت السماء، قد أُعطيَ بين الناس، به ينبغي أن نخلص." (أعمال 12:4). "لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين بين الله والناس: الإنسان يسوع المسيح، الذي بذل نفسه فدية لأجل الجميع..." (1تيموثاوس 5:2-6)
وفي بعض الأحيان كمؤمنين تنمو فينا بذرة الكبرياء التي هي العُجب أو غرور النفس دون أن نُدركُ خطورتها، فعلاجها أن نقف عند الصليب ونتعلّم درس التواضع، تواضع ابن الله (فيلبي 2).
وأخيرًا، نحن نعيش في الأيام الأخيرة وأحد سماتها التزوير. وما أكثر المزورين! فهناك من يُزوّرُ في انتخابات البلاد، والشهادات، وهناك الذين ينكرون حقيقة الفداء بالدم، ولكي لا يضطرب قلبك قف معي عند الصليب لكي ترى الشهادة الموثّقة.
"ولكن واحدًا من العسكر طعن جنبه بحربةٍ. وللوقت خرج دم وماء. والذي عاين شهد، وشهادته حقٌّ، وهو يعلم أنّه يقول الحقَّ لِتؤمِنوا أنتم." (يوحنا 34:19-35) لقد مات المسيح لأجلنا وتم التأكد من موته على الصليب بحربة اخترقت جنبه وقلبه وخرج دم وماء - برهان على أنّ الذبيحة مقبولة! وبعد القيامة أصبحَ جنبَه المطعون أحد الأدلة على صدق موته وقيامته، أي أنه ليس أحد آخر! نعم، إنّ عمل يسوع على الصليب لا يمكن تزويره أو تكذيبه، لذلك كل من يؤمن إيمانًا حقيقيًا يتحرّر من قوّةِ الخطيّة ويتطهَّر ضميره ويُصبحُ خليقةً جديدةً وتشهد حياته التي يتدفّق فيها ينابيع حياة المسيح ويدرك يقينًا بأنه نال خلاص الله. نعم، إنّ الصليب حقيقة مؤكدة.
يا قارئي العزيز، ما أحوجنا أن نتأمل بيسوع المصلوب ونرنم تلك الترنيمة:
خلّني قرب الصليب حيث سال المجرى
من دم الفادي الحبيب داء نفسي يبرأ
لقد كانت النسوة عند الصليب مع المُطوّبة مريم واقفاتٍ من بعيد في البداية، ولكنهنّ تقدّمن أكثر في نهاية الستِّ ساعات! نعم، كنّ واقفاتٍ ستِّ ساعات، فيا لشجاعة النساء! اللواتي وقفن! بينما كان الجنود الرومان الذين صلبوا يسوع جالسين!
نعم، إنّ من يقف لِيتأمل يسوع المصلوب لن يتعب لأنّ محبّة يسوع المصلوب تجذبه وتُقرّبه فيمتلئ قوة من الله ويتدفّق الإيمان الحقيقي في قلبه ويكون سبّاقًا في بشارة القيامة، ويصبح كارزًا ناجحًا.
فيا ليت الرب يعطينا في هذه الأيام أن نُطيلَ التأمّل في صليب ربنا يسوع، ولنقف طويلًا في كلِّ موضعٍ في الكتاب يأتي فيه ذكر موت وصلب ودم يسوع ونتأمّل في هذا المنظر العجيب لكي نتقدَّم في الإيمان ونفتخر بصليب ربنا يسوع، وعندما نُبشِّرُ الناس نرسم أمام بصيرتهم الروحية بقوة الروح القدس المسيح المصلوب ونقول لهم: تصالحوا مع الله.