Voice of Preaching the Gospel

vopg

إن المسيحيين على مختلف طوائفهم في العالم يرون في وصية المسيح الأخيرة قبل صعوده إلى السماء "اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلّها" (مرقس 15:16) أمرًا إلهيًا على الكنيسة أن تلتزم به لنشر رسالة الإنجيل.

ولم يصدرْ هذا الأمر أو هذه الوصية بطريقة إلزامية إلّا في الأيام الأخيرة من وجود السيد المسيح على الأرض، وهذا يضفي عليها طابع الأهمية البالغة لأنها تحمل في طيّاتها رغبة أو إرادة مقدسّة تشبه في مغزاها وصية المعلم أو الوالد المشرف على الموت. ونحن نعلم أن وصيّة الوالد الذي يقف على أبواب الأبدية لها قداسة في نفوس أفراد عائلته. إنها الوصيّة الأخيرة قبل مفارقة الرب يسوع المسيح لهذا العالم.
ولقد أدرك تلاميذ المسيح، وبالتالي الكنيسة خطورة هذه الوصيّة وثقل المسؤولية التي أُلقيت على عاتقهم، وتبيّنوا عالميّتها لأنها لم تقتصر على فئة من الناس يعيشون في منطقة معيّنة من العالم وينتمون إلى عرقٍ أو جنسٍ معيّن، بل اشتملت على كافة الجنس البشري من غير استثناء.
لقد اعتكف تلاميذ المسيح في "العليّة" لمدة عشرة أيام في انتظار حُلول الروح القدس، وهي قوة من الأعالي وعد بها المسيح تلاميذه. وحالما امتلأ التلاميذ بهذه القوة، شعروا أن عوالم جديدة من الكرازة بالإنجيل قد انفتحت أمامهم، فخرجوا من العلية وأخذوا يبشّرون برسالة الإنجيل لكلّ من تجمّع في ذلك اليوم من الأمم التي تقاطرت للاحتفال بيوم الخمسين. إن الجماهير التي احتشدت في ذلك اليوم في أورشليم كانت تنتمي إلى شعوب مختلفة تنطق بلغّات متباينة، ومع ذلك فإن تلاميذ المسيح الذين امتلأوا بالروح القدس أخذوا يكرزون بلغات تلك الأمم مما أثار حيرة الجماهير. يقول الكتاب المقدس: "فبُهت الجميع وتعجّبوا قائلين بعضهم لبعض: [أتُرَى ليس جميع هؤلاء المتكلمين جليليّين؟ فكيف نسمع نحن كلُّ واحدٍ منّا لغته التي وُلد فيها؟]"
كان هذا الإخراج الإلهي دليلًا عمليًّا على عالميّة رسالة المسيح، وأنها ليست محدودة ببقعة جغرافية معيَّنة ومقصورة على أمّة دون أمّة. عرف التلاميذ في تلك اللحظة أن الدعوة التي حملوها كانت دعوة مجابهة مع العالم أجمع، ولا بدّ أن تثير حربًا شعواء ضد جميع الأرواح المضلّة وعبادة الأصنام الباطلة. وهنا لا بدّ لنا أن نتساءل:

ما هي رسالة الإنجيل؟
بل من هو الإنجيل؟
إن اصطلاح "إنجيل" معناه الأخبار السارة. فما هي هذه الأخبار السارة؟ إننا نؤمن كمسيحيين أن الأخبار السارة هي شخص المسيح نفسه، مخلِّص العالم الوحيد. عندما تجسّد المسيح في مجيئه الأول، استهدف من ذلك خلاص الجنس البشري من الدينونة الأبدية.

كانت عملية الفداء على الصليب أكبر عملية إنقاذٍ في تاريخ الإنسان.
وهكذا تحقّقت المرحلة الأولى من خطة الله لفدائنا. من الملاحظ أن هذه الخطة لم تكن من صنع الناس بل كانت تدبيرًا إلهيًا مماثلًا في مغزاها لذلك الكبش الذي دبّره الله ليكون فداءً عن ابن إبراهيم يوم همّ أن يقدّمه ذبيحة نزولًا عند الأمر الإلهي. في عملية الفداء هذه وفّر لنا الله فترة "عهد النعمة" التي تُتاح لنا فيها الفرصة كي نتصالح مع الآب السماوي، أو بمعنى آخر أن نرجع عن شرّنا، ونتوب إليه تعالى بعد أن دفع المسيح الفداء استيفاء لعدالة الله وقداسته." يقول الكتاب المقدس: "لأن أجرة الخطيئة هي موت." والموت الأبدي هو سيف مسلّط على رؤوس الناس ولا يمكن تفاديه إلا بدفع الثمن. إنه عقاب ينصّ عليه القانون الإلهي ولا مناصَ منه، وإلّا يكون الله مناقضًا لنفسه، وحاشا لله أن يناقض طبيعته المقدسة.
أما المرحلة الثانية من الخطة الإلهية فهي في مجيء المسيح الثاني وهي مرحلة إتمامٍ لخلاصٍ نهائي يتحرّر فيه الإنسان المؤمن حتى من قيود الجسد. سيعمل السيد المسيح، في مجيئه الثاني على تدمير قوى الشرّ والقضاء على مملكة إبليس، وطرح الشيطان في بحيرة النار المتَّقدة، ثم يؤسّس ملكوته النهائي حيث يكون هو الكلَّ وفي الكلِّ (سفر الرؤيا 21). وسيملك معه كلُّ من اغتسل بدم الفداء وتطهَّر بفضل برِّ المسيح المقدّس. إذًا، فالمسيح في مجيئه الأول والثاني هو الإنجيل. هو الأخبار السارة، هو الرسالة التي تكرزُ بها الكنيسة. هو محور العقيدة المسيحيّة وتعاليمها.

ولكن هذه القضية تكشف أيضًا عن عالميّة الرسالة.
ورد في إنجيل متى 19:28 قوله للكنيسة من خلال تلاميذه:
"فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم..."
لم يكن في متناول الكنيسة أن تقبل أو ترفض هذا الأمر. إن الالتزام بالوصية كان جزءًا لا يتجزّأ من الواجب المنوط بها، والعصيان شرط مرفوض يقتضي التأديب. يشبّه الكتاب المقدس الكنيسة بجيش مدرّب يشنّ حربًا ضروسًا على قوى الشرّ بقيادة قائد منتصر هو الرب يسوع المسيح. وكأي جيش مدرّب لا بدّ للكنيسة أن تعبِّر عن ثقتها العميقة بقائدها الأعلى، وأن تلبّي أوامره دون تردّد. وإن أَبَتْ، فإنها تتعرّض - ودعونا هنا نستخدم المصطلح العسكري - للمحاكمة العسكرية. لهذا نجد أن الكنيسة على مرّ عصورها قد بذلت كل جهدٍ لتنفيذ وصية المسيح الأخيرة بحافز الطاعة والمحبة والتقدير.
وهنا نشير إلى خاصةٍ هي من أبرز خواص هذه الوصية وهي مبدأ المحبة. جاء في إنجيل يوحنا 16:3 "لأنه هكذا أحبّ الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية."
تشتمل هذه المحبة على عنصرين متمايزين هما المحبة العالمية الشاملة، والمحبة الفردية. وقد تجسّدت هذه المحبة على الصليب من ناحية، وفي موقف الكنيسة من العالم من ناحية أخرى. صحيح أن المسيح، في مجيئه الأول قد بدأ خدمته بين قومه. وهذا أمرٌ طبيعيٌّ إذ كان عليه أن يستهلّ هذه الخدمة الجهرية في مكان ما. والواقع أنه عندما جاء إلى خاصته وخاصته رفضته كان ذلك دينونةً لهم، ولا سيما أولئك الذين رفضوه. ولا يجدر بنا أن ننسى هنا أن الشعب اليهودي آنئذٍ كان الشعب الوحيد بين أمم الأرض الذي بين يديه كتابٌ موحىً به من الله، بل أكثر من ذلك كانوا طبقًا للنبوءات ينتظرون ظهور المسيا أو المسيح من بينهم. وأشارت النبوءات أن المسيا سيكون من نسل داود من سبط يهوذا. وقد تحدّر المسيح، من حيث هو ابن الإنسان، كابن مريم العذراء من نسل داود وسبط يهوذا. تلك كانت خطة الله منذ الأزل، والحقيقة أن تسلسلَ الأحداث التاريخية المرتبطة بالنبوءات تملي أن يكون ظهور المسيح في وسط شعبٍ موحّدٍ تتميمًا للنبوءات. فضلًا عن ذلك، إننا لا نجد في سِيَرِ جميع الأنبياء الصادقين منهم والمنتحلين النبوءة إلّا ومن بدأ دعوته بين قومه أو أفراد قبيلته أولًا.
فالقول إذًا، أن المسيح قد جاء لأمّةٍ معيّنةٍ وأنه لم يكن عالميًا في مجيئه ودعوته ورسالته، قولٌ خاطئٌ وزعمٌ باطلٌ. من حيث هو كلمة الله فإنه بطبيعته الإلهية وإرساليَّته المقدسة، والغرض من مجيئه اقتضى أن يكون للعالمِ أجمَع. يقول سفر التكوين 18:22 في معرض وعد الله بمباركة إبراهيم:
"ويتبارك في نسلك جميع أمم الأرض، من أجل أنك سمعت لقولي."
صدر هذا الوعد لإبراهيم البار بعد أن أطاع أمر الله بالتضحية بابنه إسحاق. لم يتردّد إبراهيم الإقدام على بذل ابنه وحيده، ولكنّ الله المحبّ الذي امتحن إيمان إبراهيم ليكون مَثَلًا لنا، أنقذ إسحاق وافتداه بكبشٍ ثم بارك إبراهيم. ومن حيث أن المسيح قد جاء من نسل إسحاق، فالكتاب يقول أنه تتبارك به جميع أمم الأرض. لهذا، فالمسيح الذي مات لكي لا يهلك كل من يؤمن به - بغضِّ النظر عن جنسه ولغته وقبيلته - قد ضحّى بحياته لأجلِ العالمِ أجمَع. وهكذا اجتمعت العالمية والفردية في هذه المحبة.
فالمسيح إذًا، هو الأخبار السارة. هو الرحمة الحقيقية للعالمين لأنه لم يمت أحدٌ سواه فداءً عن الجنس البشري. هو الذي ختم بدمه عملية الإنقاذ الكبرى وعانق العالم بأسره على الصليب، فأي حبٍّ أعظم من هذا؟ "لأنه هكذا أحب الله العالم..."

المجموعة: شباط (فبراير) 2021

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

447 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
11577368