"«لأنه من عرف فكر الرب فَيُعَلِّمَهُ؟» وأما نحن فلنا فكر المسيح." (١كورنثوس ١٦:٢)
هناك ثلاثة أنواع من الأذهان في كلمة الله:
١- ذهن نجس فاسد ومرفوض، وهو أول ما نتقابل معه في رسالة رومية ٢٨:١ "وكما لم يستحسنوا أن يُبقوا الله في معرفتهم، أسلمهم الله إلى ذهن مرفوض ليفعلوا ما لا يليق."
لماذا هو مرفوض؟ لأن هؤلاء الناس رفضوا الله في ذهنهم وفي معرفتهم، مثل فرعون عندما قسّى قلبه. كما يقول في ٢تسالونيكي 10:2-١٢ "وبكل خديعة الإثم، في الهالكين، لأنهم لم يقبلوا محبة الحق حتى يخلصوا. ولأجل هذا سيرسل إليهم الله عمل الضلال، حتى يصدقوا الكذب. لكي يُدان جميع الذين لم يصدقوا الحق، بل سُرُّوا بالإثم."
ونقرأ في أفسس 17:4-١٩ "فأقول هذا وأشهد في الرب: أن لا تسلكوا في ما بعد كما يسلك سائر الأمم أيضًا ببطل ذهنهم. إذ هم مظلمو الفكر، ومتجنّبون عن حياة الله لسبب الجهل الذي فيهم بسبب غلاظة قلوبهم. الذين إذ هم قد فقدوا الحس - أسلموا نفوسهم للدعارة ليعملوا كل نجاسة في الطمع." ويقول في تيطس ١٥:١-١٦ "كل شيء طاهر للطاهرين، وأما للنجسين وغير المؤمنين فليس شيء طاهرًا، بل قد تنجّس ذهنهم أيضًا وضميرهم. يعترفون بأنهم يعرفون الله، ولكنهم بالأعمال ينكرونه، إذ هم رجسون غير طائعين، ومن جهة كل عمل صالح مرفوضون." ويقول في ١تيموثاوس ٥:٦ "ومنازعات أُنَاسٍ فاسدي الذهن وعادمي الحق، يَظُنُّونَ أن التقوى تجارة. تَجَنَّبْ مثل هؤلاء."
هو ذهن فاسد بسبب محبة المال، هذا هو العالم الذي نعيش فيه، لذلك احترس... لأن ذهن الخاطئ غير المؤمن هو ذهن مُظلم ونجس وفاسد وجاهل. يجب أن تعرف مع من تتعامل، انتبه جيدًا!
٢- ذهن ضعيف: "فإني أُسَرُّ بناموس الله بحسب الإنسان الباطن. ولكني أرى ناموسًا آخر في أعضائي يحارب ناموس ذهني، ويسبيني إلى ناموس الخطية الكائن في أعضائي." (رومية 22:7-٢٣) أي ذهني ضعيف ولا أقدر على المقاومة. أعرف الوصايا وأفرح بها، لكن الطبيعة القديمة في داخلي تشدّني إلى تحت.
٣- ذهن مُتجدّد: "فأطلب إليكم أيها الإخوة برأفة الله أن تقدّموا أجسادكم ذبيحة حَيَّةً مُقَدَّسَةً مرضية عند الله، عبادتكم العقلية. ولا تشاكلوا هذا الدهر، بل تَغَيَّرُوا عن شكلكم بتجديد أذهانكم، لتختبروا ما هي إرادة الله: الصالحة المرضية الكاملة." (رومية 1:12-٢)
سِمَات الذهن المتجدّد
١- الذهن المُتجدّد مركزه ومقاصده الرب وليس الذات [الأنا]: "فإذا كنتم تأكلون أو تشربون أو تفعلون شيئًا، فافعلوا كل شيء لمجد الله." (١كورنثوس ٣١:١٠) والفكر المتجدّد موجه دائمًا نحو إقامة ملكوت الرب وامتداده - هذه هي غايته القصوى. "قال لهم يسوع: «طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وَأُتَمِّمَ عمله." (يوحنا ٣٤:٤)
٢- الذهن المُتجدد لا يبحث عن مصلحته الشخصيّة: "فدعاهم يسوع وقال: أنتم تعلمون أن رؤساء الأمم يسودونهم، والعظماء يتسلطون عليهم. فلا يكون هكذا فيكم. بل من أراد أن يكون فيكم عظيمًا فليكن لكم خادمًا، ومن أراد أن يكون فيكم أولًا فليكن لكم عبدًا، كما أن ابن الإنسان لم يأتِ لِيُخْدَمَ بل لِيَخْدِمَ، وليبذل نفسه فدية عن كثيرين." (متى 25:20-٢٨)
أي لا يبحث عن فرص ليحكم ويسود بل ليخدم. ولا يبحث عن فرص الكسب والربح بل عن فرص العطاء.
في ثقافتنا المُعاصرة، إن فكرة كون الإنسان خادمًا لا تَحظى بشعبية كبيرة. فالكل يُريد أن يكون رئيسًا، الكل يريد حقوقه، والكل يريد أن يوجه طريقه بما يُحقق مصالحه الخاصة. لكن الذهن المتجدد لا يقول: "على ماذا سأحصَل؟" بل يقول: "ما الذي يمكنني أن أعطيه؟" وهو لا يسعى ليرفع نفسه بل ليبذلها. قال الرسول بولس: "وَأَمَّا أنا فبكل سرور أُنْفِقُ وَأُنْفَقُ لأجل أنفسكم، وإن كنت كلّما أحبكم أكثر أُحَبُّ أقلّ!" (٢كورنثوس ١٥:١٢)
هناك مئات الكتب التي تتكلّم عن القيادة والزعامة، لكن قليلًا منها تركز على الخدمة والعناية، لأن كلّ واحد يريد أن يكون قائدًا لا خادمًا...
٣- الذهن المُتجدد متّزن وواقعي: "فإني أقول بالنعمة المعطاة لي لكل من هو بينكم: أن لا يرتئي فوق ما ينبغي أن يرتئي، بل يرتئي إلى التعقل." (رومية ٣:١٢)
الذهن المُتجدّد مُعتدل وواقعي. يتجنّب طرفي النقيض، الاستغراق في الخيال والأحلام من جهة أو الانتقاص من قدر النفس والاكتئاب من جهة أخرى.
يجب ألّا تكون عندنا أفكارًا مُبالغ فيها، بل أن نكون متواضعين ومُتّزنين. بمعنى آخر، أن لا تفتكر في نفسك أكثر من الواقع الراهن.
٤- الذهن المُتجدّد يعرف مقدار الإيمان الممنوح له. "... كما قسم الله لكل واحد مقدارًا من الإيمان." (رومية ٣:١٢) كما يقول أيضًا الرسول في ١كورنثوس ١١:١٢ عن الروح القدس "قاسمًا لكل واحد بمفرده، كما يشاء." هو لا يدّعي أو يفتخر بأمور واقعية. كما أنه لا يدّعي وجود إيمان لديه وهذا ليس حقيقيًّا. ينبغي على كل مؤمن أن يقوم بعمله المُعيّن له من الرب - نعم كل واحد في مكانه، ودوره أن يمارس ما أخذ من وزنة بروح الاتضاع والخُضُوع.