كانون الثاني أو يناير هو أول شهور السنة الميلادية... فهل هو شهور السنة بالنسبة لحياتك الشخصية أو بالحري لحياتك الروحية؟
كان أحدهم يتمشّى بين القبور، واسترعى انتباهه قبر كُتبت عليه هذه الكلمات: "هنا يرقد جيمس روبنسون الذي وُلد سنة 1800 ومات سنة 1873 وعاش ثلاث سنوات."
وتساءل الرجل: كيف يمكن أن يكون الراقد في هذا القبر قد عاش ثلاث سنوات بينما وُلد سنة 1800 ومات سنة 1873 وبعملية حسابية يكون عمره 73 سنة. ولما ازدادت حيرته توجه إلى حارس القبور علّه يجد عنده حلاً لهذا اللغز الغريب، وسأله: "كيف يمكن أن يُكتب على قبر رجل عاش ثلاثة وسبعين سنة أنه عاش ثلاث سنين؟" وأجابه حارس القبور قائلاً: "إن جيمس رجل روبنسون الذي يرقد هنا عاش حياة شريرة مستهترة حتى بلغ السبعين، ثم سمع رسالة الإنجيل وقبل المسيح مخلّصًا وأوصى قبل موته أن يضعوا على قبره هذه اللافتة."
أجل، إن بداية الحياة الحقيقية لكل إنسان هي يوم يقبل المسيح، ويولد من جديد، ويتأكد شخصيًا من نواله الحياة الأبدية.
وفي سفر الخروج الأصحاح الثاني عشر يكلم الرب موسى وهرون قائلاً: "هذا الشعر يكون لكم رأس الشهور هو لكم أول شهور السنة." (خروج 2:12) ومع أننا نقرأ في ختام الأصحاح الكلمات: "وأما إقامة بني إسرائيل التي أقاموها في مصر فكانت أربع مئة وثلاثين سنة." (خروج 40:12) إلا أن هذه المدة الطويلة لم تحسب في حياة هذا الشعب، وبدأ حساب الله مع شعبه القديم في شهر أبيب الذي أسماه أول شهور السنة. فما هو أول شهور السنة بالنسبة للنفس الراجعة إلى الرب؟
إن أول شهور السنة هو شهر الحرية من العبودية
لقد عاش الشعب القديم في عبودية قاسية لفرعون، الذي يرمز إلى إبليس والشيطان. كانت حياتهم ضائعة في بناء المخازن لفرعون كما نقرأ: "فبنوا لفرعون مدينتي مخازن فيثوم ورعمسيس." (خروج 11:1) وكانت أيامهم تنقضي في الطين، والمرارة، والإذلال، والعنف. وهذا واضح في كلمات الوحي "فجعلوا عليهم رؤساء تسخير لكي يذلوهم بأثقالهم... ومرروا حياتهم بعبودية قاسية في الطين واللبن وفي كل عمل الحقل. كل عملهم الذي عملوه بواسطتهم عنفًا." (خروج 11:1-14)
وما أقرب هذه الصورة إلى صورة الخاطئ المسكين المستعبد للشيطان، إن حياته ضائعة في الطين وأوحال الخطية، إنه عبد مُذلّ تحت قوة إبليس إله هذا الدهر. إنه يشبه مجنون كورة الجدريين الذي نقرأ عنه: "أنه كان به روح نجس وكان مسكنه القبور ولم يقدر أحد أن يربطه ولا بسلاسل لأنه قد رُبط كثيرًا بقيود وسلاسل، فقطّع السلاسل وكسّر القيود. فلم يقدر أحد أن يذلّله. وكان دائمًا ليلاً ونهارًا في الجبال وفي القبور يصيح ويجرّح نفسه بالحجارة."
إن حياة هذا المخلوق التعس، هذا الإنسان المستعبد لقوات الظلام، لم تبدأ إلا بعد أن تقابل مع الرب يسوع. ففي تلك اللحظة نال الحرية من العبودية، أصبح خليقة جديدة، صار إنسانًا جديدًا صانعًا سلامًا. وعنه نقرأ الكلمات: "وجاؤوا إلى يسوع فنظروا المجنون الذي كان فيه اللجئون جالسًا ولابسًا وعاقلاً."
أجل، بدأ حياته الجديدة... صار له ذلك الشهر رأس الشهور، أصبح بالنسبة إليه أول شهور السنة. لقد وُلد من جديد، وُلد من الروح القدس. فهل هذا الشهر بالنسبة إليك هو أول شهور السنة في حياتك الروحية؟ هل أنت متيقن تمامًا من خلاصك؟ هل لك حياة أبدية بالمسيح؟
لقد جاء موسى ليحرّر شعب الله القديم من العبودية "ولكن لم يسمعوا له من صغر النفس ومن العبودية القاسية." (خروج 9:6) لكن جاء اليوم الذي حررهم فيه الله بدم الحمل، وأصبح ذلك الشهر رأس الشهور... فأول شهور السنة في حياة كل مؤمن متجدّد هو شهر الحرية من العبودية، الحرية التي قال عنها المسيح له المجد: "فإن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارًا." (يوحنا 36:8)
إن أول شهور السنة هو شهر الخلاص من عقاب الخطية
يقينًا إن الله لا يتلاعب مع الخطية، إن كلمته واضحة كالنهار المنير، "النفس التي تخطئ هي تموت. الابن لا يحمل من إثم الأب والأب لا يحمل من إثم الابن." (حزقيال 20:18) "لأن أجرة الخطية هي موت." (رومية 23:6)
الخطية إذًا لا تُمحى بالصوم، والصلاة، والصدقة، والأعمال الصالحة... لا بدّ من الموت. "وبدون سفك دم لا تحصل مغفرة." (عبرانيين 22:9) وقد دبّر الله في محبته من تموت عوضًا عن الخاطئ المسكين، فقال لشعبه القديم: "هذَا الشَّهْرُ... هُوَ لَكُمْ أَوَّلُ شُهُورِ السَّنَةِ... هذَا الشَّهْرِ يَأْخُذُونَ لَهُمْ كُلُّ وَاحِدٍ شَاةً بِحَسَبِ بُيُوتِ الآبَاءِ، شَاةً لِلْبَيْتِ... تَكُونُ لَكُمْ شَاةً صَحِيحَةً ذَكَرًا ابْنَ سَنَةٍ... وَيَكُونُ عِنْدَكُمْ تَحْتَ الْحِفْظِ إِلَى الْيَوْمِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ هذَا الشَّهْرِ. ثُمَّ يَذْبَحُهُ كُلُّ جُمْهُورِ جَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ فِي الْعَشِيَّةِ... فَإِنِّي أَجْتَازُ فِي أَرْضِ مِصْرَ هذِهِ اللَّيْلَةَ، وَأَضْرِبُ كُلَّ بِكْرٍ فِي أَرْضِ مِصْرَ... وَيَكُونُ لَكُمُ الدَّمُ عَلاَمَةً عَلَى الْبُيُوتِ الَّتِي أَنْتُمْ فِيهَا، فَأَرَى الدَّمَ وَأَعْبُرُ عَنْكُمْ." (خروج 2:12-13)
الدم للنجاة من الموت
دم حيوان بريء يُسفك من أجل خطية الإنسان الخاطئ. "لأن نفس الجسد هي في الدم فأنا أعطيتكم إياه على المذبح للتكفير عن نفوسكم. لأن الدم يكفّر عن النفس." (لاويين 11:17) ولكن هل يمكن أن يكفي دم الحيوان للتكفير عن الإنسان؟ يجيبنا كانت الرسالة إلى العبرانيين قائلاً: "لأنه لا يمكن أن دم ثيران وتيوس يرفع خطايا." (عبرانيين 4:10)
إذن فلماذا يقول الله "لأن نفس الجسد هي في الدم فأنا أعطيتكم إياه على المذبح للتكفير عن نفوسكم؟"
لكي يوجّه أنظارنا مع شعبه القديم إلى قيمة الدم، وبالتالي إلى دم ابنه الطاهر القدوس الذي فال عنه كاتب الرسالة إلى العبرانيين "وأما المسيح، وهو قد جاء رئيس كهنة للخيرات العتيدة، فبالمسكن الأعظم والأكمل، غير المصنوع بيد، أي الذي ليس من هذه الخليقة، وليس بدم تيوس وعجول، بل بدم نفسه، دخل مرة واحدة إلى الأقداس، فوجد فداء أبديًّا." (عبرانيين 11:9-12) والذي قال عنه بطرس الرسول: "عالمين أنكم افتُديتم لا بأشياء تفنى، بفضة أو ذهب، من سيرتكم الباطلة التي تقلّدتموها من الآباء، بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح معروفًا سابقًا قبل تأسيس العالم."
أجل، في القديم نجا بكر العبراني بدم الحمل المذبوح، الذي كان يرمز إلى حمل الله الآتي ليرفع خطية العالم... وهكذا نجا من عقاب الخطية... وصار أول شهور السنة بالنسبة إليه هو شهر الخلاص من عقاب الخطية.
فهل اغتسلت في دم المسيح الكريم؟ هل احتميت به؟ هل أنت واثق من خلاصك من عقاب الخطية على أساس عمله لأجلك؟ إذن ابتهج فهذا رأس الشهور بالنسبة إليك.
إن أول شهور السنة هو شهر السير إلى الأرض البهيّة
بعد الحرية من العبودية، والخلاص من عقاب الخطية، يبقى السير إلى الأرض البهية. وهكذا يبدو لنا خلاص الله في معناه الثلاثي:
خلاص من سلطان الشيطان – هذه هي الحرية من العبودية.
خلاص من عقاب الخطية – هذا هو التمتّع بالغفران.
ثم يأتي دور الخلاص من الجسد الترابي الذي يربطنا بهذه الأرض – هذا هو التمجيد.
وبعد أن خلص الشعب القديم من العبودية، ومن عقاب الخطية اتجهوا إلى الأرض البهية، للأرض التي قال عنها الرب بفمه المبارك: "لأن الرب إلهك آتٍ بك إلى أرض جيدة أرض أنهار من عيون وغمار تنبع إلى البقاع والجبال. أرض حنطة وشعير وكرم وتين ورمان. أرض زيتون زيت وعسل. أرض ليس بالمسكنة تأكل فيها خبزًا ولا يعوزك فيها شيء. أرض حجارتها جديد ومن جبالها تحفر نحاسًا." (تثنية 7:8-9)
وهذا هو ما ينتظر أولاد الله... الانطلاق إلى الأرض البهية، إلى المكان الأبهى من كل وصف عن أرضنا، وعن هذا يقول بولس الرسول "فإن سيرتنا نحن هي في السماوات، التي منها أيضًا ننتظر مخلّصًا هو الرب يسوع المسيح، الذي سيغيّر شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده، بحسب عمل استطاعته أن يُخضع لنفسه كل شيء." "ما لم ترى عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على بال إنسان ما أعدّه الله للذين يحبونه." فهل أنت في انتظار هذا التغيير، وهذا المجد المنتظر، أم أنت سائر في حياتك بلا مسيح؟
اقْبَلِ المسيح اليوم مخلّصًا، واحتمِ بدمه، وعندئذ سيكون لك هذا الشهر بحقّ أول شهور السنة.