هل سألت نفسك يومًا ما أسئلة عن الله الأزلي، قبل أن يخلق أي شيء، ما هو هدفه من خلق العالم؟ ما هي أسراره المكتومة أو قراراته الحكيمة؟ أو مع من كان يتشاور وهو الملك الجالس على عرشه مُنذ الأزل؟
ففي سياق هذه التساؤلات قال قديمًا أحد الأصدقاء لصاحبه التقيّ: "هل تتَنَصّتَ في مجلس الله؟" أي، هل تعرف أسرار وقرارات الله وحكمته الأزلية؟ والجواب الطبيعي: قبل مجيء المسيح إلينا هو، لا.
ولكن بعد أن تجسّد الكلمة (يوحنا 14:1) كشف لنا تلك الأسرار وأعلنها لكتّاب العهد الجديد. عزيزي القارئ هذا يعني أنا وأنت نستطيع بكل سرور أن نتسمّع في مجلس الله من خلال كلمته لنصغي بانتباه لأسرارٍ تشتهي الملائكة أن تطّلع عليها، وأهمها الفداء المُخطَّط له في الأزل! فقد كان في علم الله السابق أن الإنسان الذي يمثِّله آدم - رأس الخليقة - سيسقط في امتحان البراءة في جنة عدن، لذلك في مجلس المشورات الأزلية قرّر الابن الوحيد أن يقوم بهذه الإرسالية التي سمعنا صداها بكلام إحدى النبوّات: "هأنذا أرسلني." وفي موضع آخر "حينئذٍ قلتُ: هأنذا جئتُ بدرج الكتاب مكتوب عني..." وقد تحققت حرفيًا في مجيء ربنا يسوع المسيح لكي يقدِّم نفسه ذبيحة كفاريّة على الصليب (أنظر عبرانيين 5:10-6).
الفداء الذي لا يُقدَّر بثمن
ولكي نعرف قيمتنا في نظر الرب، في عالم لا يُقدِّر المؤمنين في الرب يسوع، تمَّ تشجيعنا بكلماتٍ أثمنَ من الذهب: "عالمين أنّكم افتُديتم لا بأشياءَ تفنى، بفضةٍ أو ذهبٍ... بل بدمٍ كريمٍ، كما من حمَلٍ بلا عيبٍ ولا دنسٍ، دم المسيح، معروفًا سابقًا قبل تأسيس العالم." (1بطرس 18:1-20) يا للعجب! إن فداءنا على الصليب معروف قبل تأسيس العالم ونحن ثمينين لأن دم المسيح الكريم رُشّ على قلوبنا لغفران خطايانا.
يسوع الفادي الذي قدّم نفسه
كانت في العهد القديم ذبائح حيوانية تُقدَّم في الهيكل على مذبحٍ يسمَّى مذبح المُحرقة، وتلك الذبائح لم تكن تستطيع أن تُطهِّر الضمير أو ترفع الخطيّة. "لأنه لا يمكن أنّ دمَ ثيرانٍ وتيوسٍ يرفع خطايا." (عبرانيين 4:10) ولكنها كانت تشير إلى الذبيحة العُظمى، فلنسمع بانتباهٍ لأنّ الابن الوحيد القدوس قدّم نفسه طوعًا واختيارًا في الأزل بقوة الروح القدس (حَمَلُ الله المُعيَّن للفداء قبل تأسيس العالم). المسيح يسوع تجسّد ليكون هو الكاهن العظيم وهو نفسه الذبيحة العظمى وسفك دمه على الصليب لكي يُطهِّر ضمائرنا. "فكم بالحريّ يكون دم المسيح، الذي بروحٍ أزليٍّ قدّم نفسه لله بلا عيبٍ، يُطهّرُ ضمائركم من أعمالٍ ميّتةٍ لتخدموا الله الحيّ!" (عبرانيين 14:9)
يسوع افتدانا فداءً أبديًا
إن كان فداؤنا مُعَدًّا منذ الأزل ونُفِّذ في ملء الزمان، فهو أيضًا فداءٌ أبديٌّ وليس وقتيًّا ولا يحتاج أن يتكرّر "وليس بدمِ تيوسٍ وعجول، بل بدمِ نفسِه، دخل مرّةً واحدةً إلى الأقداسِ، فوجد فداءً أبديًّا." (عبرانيين 12:9)
الصليب ومحبة أزلية أبدية
محبة الله لنا ليس لها بداية لأنها أزلية وليس لها نهاية لأنها محبّة أبدية، فهناك في الكتاب المقدس آيات لا نستطيع إلا وأن نتوقّف عندها طويلًا لنتأمل ونتفرّس فيها مثل عبارة قالها الرب يسوع: "وأحببتهم كما أحببتني." (يوحنا 23:17) بمعنى، أيها الآب، أنا أحببت المؤمنين بي منذ الأزل كما أحببتني!
نعم، إنّ يسوع أحبّنا محبة أزلية وأبدية والبرهان هو موته على الصليب. "لأنه هكذا أحبّ الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية." (يوحنا 16:3) إن محبّة الله هي محبة باذلة، ومُنقذة، وبدون محاباة، مقدَّمَةً لجميع العالم... محبّة واهبة حياة أبدية، وتبهج القلب بأفراح أبدية.
الصليب والميراث الأبدي
من ضمن مشورات الله الأزلية أن يأتي الله بأبناء كثيرين إلى بيت الآب أي (السماء حول عرشه) فالله في الكتاب المقدس هو أب حنون يريد أن يورث أبناءه من غنى مجده ويعطيهم بيتًا أبديًا. ورغم دخول الخطيّة لكن الله لا يغير خطته رغم أننا أصبحنا قبلاً عبيدًا للخطية وتحت لعنة لأننا كسرنا وصايا الناموس، وبالمنطق البشري العبد لا يرث شيئًا، الأبناء فقط يرثون كل شيء. شكرًا للرب يسوع الذي جاء إلينا، ومعه وصية من الآب ووصيته حياة أبدية وعطايا أبديّة لكل من يؤمن الإيمان الحقيقي بابن الله. ولأوضح هذه النقطة أقول: كما يقوم صاحب الأملاك بكتابة وصيته قبل موته فيُعدِّد الورثة وماذا يرثون، وتكون الوصية فعّالة إلى يوم وفاة الموصي، هكذا المسيح تبارك اسمه لكي نرث وصيته (البيت الأبدي) مات لأجل كل واحد. فلو عاش المسيح دون أن يُصلب ويموت فلا قوة للوصية "ما دام الموصي حيًا." نعم، فبعد أن قال يسوع على الصليب "يا أبتاه في يديك أستودع روحي. ولما قال هذا أسلم الروح" ودخول الحربة إلى جنبه وقلبه براهين بيان موت الموصي، يسوع مات ودفن في القبر أي أن قبر المسيح هو (شهادة موت الموصي المُصدّقة) وهو قام أيضًا ليعلن قدرته على منح الحياة الأبدية وكل العطايا الأبدية "ولأجل هذا هو وسيط عهدٍ جديدٍ... إذ صار موتٌ لفداء التعدّيات التي في العهد الأوّل ينالون وعد الميراث الأبدي. لأنه حيث توجد وصيّة، يلزم بيان موت الموصي." (عبرانيين 16:9-17)
ولذلك من خلال الصليب نلنا هذه البركة وعد الميراث الأبدي وهذا الميراث سماوي لا يفنى ولا يتدنّس ولا يضمحل.
صلاتي لكل قارئ أن يتأمل في هذه العبارات الثمينة مثل قبل الأزمنة... قبل تأسيس العالم... السرّ المكتوم... مشورة الله، لكي نتنصّت ما يدور في مجلس الله ونُدرك بقوة الروح القدس مدى غنى محبة الله لنا وفكره الأزلي في أمر خلاصنا ومحبة فادينا وربنا يسوع المسيح لكي نحبه بازدياد ونطيعه أكثر من ذي قبل.