إن أحد أهمّ الأسئلة التي حيّرت الإنسان وعقول الفلاسفة والمثقّفين عبر العصور هو أصل الحياة لا بل كلّ شيء.
وفي لمحة سريعة في تحليل هذه التّساؤلات، دعني أعبرُ إلى عددٍ من النظريات القائمة والتي حاولت – أو تحاول – أن تجيب عن طبيعة الحياة وأصلها. تبدأ الرحلة الكونية – أو المادّة كما نعرفها – بحسب الفكر العلميّ الحديث بما عُرف بالانفجار الكبير، أو Big Bang. فأصحاب هذه النظرية "المادّيّة" يعتقدون أن بداية الكون هي من هذه النقطة بالذات، بالرغم من أن الكثير من نظرياتهم لا يمكن تدعيمها بالبراهين العلمية غير القابلة للجدل أو النقض. أما في سنة 1859، فقد حاول العالِم البيولوجيّ شارلز داروين في كتابه ‘أصل الأنواع’ أو On the Origin of Species أن يجد حلًّا لأصول الحياة وتنوّعها، إلا أنه لم يكن موفّقًا كونه اعتمد بشدّة على الصِدَف والتطوّر التّلقائي في نشوء الحياة، الأمر الذي دونه عقبات تفسيرية لا نهاية لها. وبعد حوالي المئة عام، قام أحد المنادين بهذه النظرية والمدافعين عنها بالقول: ‘إن أصول الحيوانات الكائنة هو غامضٌ كغموض أصل الحياة ذاتها’. يُعتبر هذا الاعتراف ضمنًا بمثابة إطلاق رصاصة الرحمة على نظرية النشوء والتطوّر المتعثّرة أصلاً والتي يحاول العديد من العلماء إعادة إحيائها.
يُدرك المرء الباحث عن المعرفة أن أساس بِنْيوية نظرية النشوء والتطوّر هو تطوّر الحياة – أي الكيميائيات العضوية – من أصولٍ كيميائية بحتة وبشكلٍ طبيعي على مرّ الملايين من السنين. وإذا كان تطوّر الحياة ممكنًا من المواد العضوية، فإنه يُشكّل عائقًا كبيرًا وتحدّيًا لا يستهان به عند القيام بتفسير كيفية تكوّن الحياة المعقّدة. فالحكيم إذًا يدرك ويعرف أن تطوّر الحياة التّلقائي من الكيميائيات العضوية فكرٌ لا يمكن تثبيته بالعِلم والاكتشاف والبرهان الدّامغ غير قائم. إن أحد أبسط القواعد في الحياة هو أن الخلايا تنبثقُ من خلايا حيّة أخرى وبالتالي فإن الحياة تنبثق من الحياة حيث يُعرف هذا المبدأ بالنشوء الحيويّ، أو Biogenesis، المذكور آنفًا. وهذا الفكر ثبّته بالبرهان الواقعي العالِم لويس باستور Lewis Pasteur الذي برهن على وجود الحياة من حياةٍ أخرى، مما شكّل تهديدًا جادًّا لنظرية التطوّر التلقائي.
قد تكون الحياة بتعقيداتها الكثيرة أحد أهمّ الإعجازات في الكون وبالتالي فهمها فهمًا كاملاً ربما يصبح صعبًا. ولكن يبقى السؤال "ما هو أصل الحياة؟" يدور في فكرنا البشريّ التّوّاق للمعرفة رغم كل التّحديات. نحن كما العلماء المسيحييّن الموثوقين في الجدارة والكفاءة العلمية نؤمن بأن الحياة أصلها وحافظها هو ذاك الذي أعطى كل نسمة حيّة نعمة البقاء والاستمرار. يقول الكتاب المقدّس في أكثر من موقع ما يؤكّد أصول الحياة وتنوّعها – "فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ، وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ." (يوحنا 4:1)؛ ثم قَالَ لَهُ يَسُوعُ: "أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي." (يوحنا 6:14).
