قال أحدُ السكَّان: لقد غَزا البرَصُ قريتَنا المتواضعة وانتشرَ بسرعةِ البرق. حتى إنَّ عشرةَ رجالٍ أُصيبوا به. فظهَرَتِ البقعةُ الأولى على جسْم الشاب خليل، وهكذا انتقلتْ إلى إبراهيم ويعقوب ومنها إلى بطرس حتى غَدَوا عشرةً بالتمام والكمال.
وهنا سُرعان ما أخذهم أهل القرية إلى الكاهن للتَّدقيق في هذا المرض الخطير، ففُحِصوا عن كثَب وتُؤُكِّد بالحقِّ أنهَّ البرَص وصدر حكمُ العزْل خارجَ المحلَّة إلى أن يَطهُروا.
وأُجبروا على البقاء بعيدًا عن الأهل والخِلّان أُجبروا على البقاءِ في العَراء. فجلسوا يلومون حظَّهم نادبين وقائلين: "بعيدًا، بعيدًا رُمينا من أهالينا. حُكِمَ علينا فالبرَصُ فينا. وما باليدِ من حيلةٍ فهذا حالُنا. برَصٌ عمَّ الجسد ولونُنا صار كالرَّمَد. ولا حلَّ للعودة إلى نقاوةِ جسمِ الولد. أَرُوْنا للكهنة فجاء قرارُ عزلتِنا عن إخوتنا ومحبّينا. فالبرَص ينتقل ويغزو سوانا. وسمعنا مناديًا من القرية جاء ليقول للناس: ابتعدوا عن هؤلاء فهم أنجاس. وانتبِه أنتَ يا سعيد عندَ إلقاء الطعام، فالمرض يعشقُ الأصحّاء ويطيب له المقامُ في العُقلاء." أما خليل أحدُ البُرْص العشرة فبات حزينًا مكتئبًا وقال موجّهًا كلامَه إلى رفيقه الأبرص الآخر: "آه، أليس من نهاية لهذه المأساة يا إبراهيم وإلى متى سنظلُّ نصرخ أبرص، أبرص؟! وهل سنبقى مقيمين في البراري كالمتسكّعين المُهانين؟" فردَّ عليه إبراهيم بما يماثلُه من يأس وقنوط ليقول: "لم أعد أحتمل، إنني أكاد أفارق. فهل هذه تسمّى حياة؟ كنت في أحسن حال، فماذا دهاني وكيف أصابني المرض؟ وماذا عن عروستي هند هل تُراها ستنتظر؟ ولو فعلَتْ فحتَّى إلى مَتى؟! إنِّي أكادُ أُجَنُّ من هذا المرض النَّجس. ربَّاه، هل من شفاء أو هل من دواء؟ سئِمنا جميعُنا الحياة هنا، منقطعين ومُهانين، فالذنبُ ليس ذنبَنا، والحق ليس علينا."
مزَّق يعقوب ثيابه تعبيرًا عن استيائه من وضعه، وجلس بمحاذاة الطريق الوعرة يرثي لحاله وقد فقد كلَّ أمَل له بالشفاء والعودة إلى المحلّة والسُّكنى بقرب الأحبَّة. وراح يفكر في حلولٍ عجيبة. وبينما هو في هذه الحال إذا به يسمع صوتَ جمع غفيرٍ آتٍ من بعيد. عندها دارت أفكارٌ وأفكار في رأسه. حاول أن يتذكر حوادثَ ماضية كانت قد جرتْ في قرى مجاورة أخرى. لا بل قُل أعاجيب لم يسبق أنْ حصل مثلُها من قبْلُ. فتذكَّر للتّو اسم الشخص صاحب المعجزات الذي سمع عنه بأنَّه يشفي الأمراض ويقيم الأموات فقال في نفسه: ألعلَّ يسوعَ هذا مزمعٌ أن يجتاز من هنا؟ وللحال انتفضَ من مكانه وركضَ إلى خليل ودعاه، فقام خليل ودفَع إبراهيم وهكذا إلى أن تجمَّع العشرة. عندها قال يعقوب: "اسمعوا هوذا يسوع المسيح داخلًا إلى القرية فماذا لو طلبنا منه الشفاءَ الصريح؟ لربَّما يُريح؟" قالوا جميعًا: "أجل." وبصوتٍ عالٍ صرخوا، وشيئًا واحدًا طلبوا: "يا يسوعُ يا معلّم ارحمْنا، يا يسوعُ يا معلّم ارحمنا." وللوقت سمعهم يسوع ذو القلب النفوع، وعرف أنّ صراخَهم كان من أعماق القلب المجروح، فنظر وقال لهم: "اذهبوا وأرُوا أنفسكم للكهنة." وللحال فهموا قصده وصدَّقوا كلامه وتركوا المكان مسرعين ليفعلوا كما أمرهم. لأن كلَّ أبرص وبحسب الشريعة في القديم كان يُعتبر نجسًا أيضًا بالإضافة إلى أنَّه ناقلٌ للمرض. لذا فكان أمرُ العزل مزدوِجًا اجتماعيًا ودينيًّا.
وفيما هم يركضون باتجاه القرية، إذا بهم يطهُرون. نظر يعقوب إلى جسده وقال: "هه، هه! لقد طهُرت، لقد ذهب البرص عني! انظر يا خليل، انظر! لقد شُفيت، أجل شُفيت! وكذلك صرخ التسعة الباقون وصاروا يقفزون من فرحهم. نعم، لقد حصلتِ المعجزةُ حقًا وصاحب المعجزات شفاهم من برصهم. أما يعقوب فتركَ رفاقه، وللحال ركض راجعًا باتجاه الحشد الكبير وهو يمجّد الله بصوت عظيم. ولما رأى يسوع خرَّ على وجهه عند رجليه شاكرًا له فضلَه ورحمتَه. عندها سأل يسوع:
"أليس العشرةُ قد طهُروا؟ فأين التسعة؟ ألم يوجد مَن يرجعُ ليعطي مجدًا لله غيرُ هذا الغريب الجنس؟” (لأنه كان سامريًا)
ثم فاه يسوع بكلمات النعمة وقال ليعقوب: "قم وامضِ، إيمانُك خلَّصك.”
فقام يعقوب والفرح يغمر كيانه كلَّه، وانضمَّ إلى رفاقه التسعة ليُريَ نفسه للكاهن فيمنحَه شهادة لتطهيره من مرض البرص النَّجِس. ومضى بعد ذلك إلى بيته وأهله وجيرانه وأخبرهم بكم صنع به الرب ورحمَه، وكيف طهّره جسدًا ونفسًا وروحًا. (من وحي لوقا 17)
قد يقولُ قائل: ولماذا ذِكْرُ هذه الحادثة بالذَّات اليوم، والآن؟ أقول بكل صدق لأنَّها تذكّرني بواقعنا الأليم الذي مررنا ولا زلنا نمرُّ به والذي يعمُّ كرتنا الأرضية بأكملها. واقع الكورونا التي حجرتْنا وعزَلتْنا عن بعضنا البعض لسنةٍ ونيّف وما برِحَ هذا الوبأ يتصاعد في أماكن أخرى من العالم. والناس تصرخ وتقول: إيَّاكم والكورونا. ابتعدوا. وصرنا نشعر مع البرْصِ والمَجذومين. ولقد أضحكَني أحدُهم حين قال: "ذهبتُ مؤخرًا إلى العيادة ذات الحالات المستعجِلة بسبب ألمٍ شعرتُ به في الحلْق مع قليل من السُّعال. فعاملوني وكأنَّني أعاني من الكورونا على الرَّغم من أنَّني أوضحتُ للممرضة بأنَّني قد أخذتُ اللَّقاح منذ شهرين. فأمرَتنْي أن أجلسَ على مقعدٍ خارج المبنى بالكليَّة بانتظار الاتصال بي. وهذا ما حصل بعد نصف ساعة انتظار. عندها تأكَّدتِ الطبيبة بأنَّ ما أعاني منه هو تحسُّس في الحلْق لا أكثرَ ولا أقل."
حريٌّ بنا فعلًا أن نشكرَ الله الذي منح حكمةً وفطنةً لكل العاملين في حقلِ الأبحاث والأمراض والأوبئة المُعدية حتى وصلوا أخيرًا وبعد موت الملايين من الناس إلى إيجاد هذا اللّقاح المتعدّد الذي يقي البشر من وبأ الكورونا والذي أصبح متوفرًا وبكثرة هنا في أميركا خاصة. وليس علينا إلا أن نتجاوبَ معه كأيِّ لقاح سبقَه. فكم من أناس يلاقون حتفهم الآن في الهند وفي أماكن أخرى من العالم دون أن يستطيعوا الحصول عليه. ومع ذلك ما فَتِئْنا نتقابل مع أشخاص لديهم مواقف سلبية من هذا اللقاح ولا يريدون حتى الآن أن يأخذوه. وقد سمعت وقرأت ردود أفعال مختلفة في شأنه وماذا يمكن أن يكون تأثيره على جسم الإنسان على المدى القريب أو البعيد. حتى إنَّ البعض جنَح فعلًا في خياله وأفكاره باختلاق قصص غير علمية عن مدى إساءته لجسم الإنسان مما اضطرَّ أحدَهم أن يعلّق على صفحة التواصل الاجتماعي قائلًا: "يا أحبّة، صدِّقوني أنَّ (بيل غيتس) المدير السابق ومؤسس شركة مايكروسوفت لا يحتاج إلى اللّقاح لكي يتجسَّس علينا. فنحن ننشرُ أخبارنا على وسائل التواصل مجانًا." وكتب آخر من الأصدقاء: "أنا أثقُ باللقاح بنفس الطريقة التي وثقْتُ بلقاح الأنفلونزا، والحمَّى الصفراء، والتيفوئيد، والسعال الدّيكي، تمامًا كما وثِقَتْ والدتي مسبقًا بلَقاح الحصبة والشَّلل، والخ... وأؤكّد لكم أنَّ الجينات لديّ لم تتغيّر، وأنه لم يدخل جسمي أيَّةُ شرائح إلكترونية تستقصي معلوماتي الخاصة وأنَّ "بيل غيتس" لم يسيطر على عقلي."
ترى، ماذا لو لم يتوجَّه أولئكَ البُرْص العشَرة إلى السيد المسيح صانع المعجزات - ولو لم يصرخوا إليه طالبين منه أن يطهِّرَهم من برَصهم؟ أليس كانوا سيظلُّون يعانون من البرَص حتى الموت؟ بالتأكيد. لم يُنقِذِ المعلم الصالح البُرْص من مرضهم الجسدي فحسب، لكنَّه غفر للأبرص الغريب عن باقي المجموعة الذي وحده عاد إليه ليشكره، غفر له خطاياه وخلّصه من نجاسة الخطية التي تودي بالإنسان إلى الهلاك الأبدي. إذ قال له: إيمانك خلَّصك. نعم، إنَّ اللّقاح يقدر أن ينجّي الإنسان كما نجّاه عبرَ العصور والأجيال من أوبئة وأمراض كثيرة سابقًا. أما المعلم الربُّ يسوع المسيح صانع المعجزات فهو يقدر أن ينجّي إلى التمام الذين يتقدَّمون إليه بالإيمان ليُشفوا من داء الخطية المستعصي. فحذارِ أن تتراخى أيضًا وتقول إنَّني لا أحتاج إلى غفران المسيح المقدّم لي مجانًا. إن الرب يسوع المسيح يدعو الجميع أن يأتوا إليه ويطلبوا منه شفاء النفس والروح الخالدة. فنسمعه يقول:
"تعالَوا إليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم." (متى 29:11)
فإذا أردْت أن ترتاح فعلًا من حمْل خطاياك تعال إليه قبل فوات الأوان وضياع الفرصة - - عندها ستندم في ساعة لا ينفع معها الندم.
إنّ قبولَ اللّقاح أو عدَمَهُ ليس هو مجرّد وجهةِ نظَر كما يظنُّ البعض، لكنَّه مطلوبٌ لكي تنجوَ من وبأ الكورونا الذي يغزو الجسد من دون سابق إنذار، وتكون النهاية الموت الجسدي. أمَّا رفضُ خلاص الربِّ يسوع المسيح المجاني والمقدّم للجميع والإنقاذ من أجرة الخطية الذي هو الموت الأبدي فهذا يودي بك إلى نتيجة يائسة تنقلك إلى مصيرٍ محتَّم منفصلٍ عن محضر الله إلى الأبد.
إذن اغتنم الفرصة الآن وثق بخلاص المعلم الصالح المزدوِج، لأنَّه وحده يشفي الجسد والروح معًا ويمنح كل من يأتي إليه ويقبل فداءه العظيم حياة وحياة أفضل معه في دار النعيم. فالعزْلُ المزدوِجُ يحتاج إلى إنقاذ مزدوج!