"أَقوم وأذهب إِلى أَبي وأَقول لهُ: [يا أَبي، أَخطأْت...] فقام وجاء..." (لوقا 18:15-20)
مثل الابن الضال هو المثل الثالث التي ذكره الرب يسوع ردًّا على انتقاد الفريسيين له بقولهم:
"هذا يقبل خطاةً ويأكل معهم!" لقد بيَّن لهم أنه إذا ضلّ واحد من مئة (1%) أو واحد من عشرة (10%)، أو واحد من اثنين (50%) فالرب يهتمّ بالضال حتى يجده. قال بعض الأشخاص: إنّ مَثَلَ الابن الضال هو إنجيل مختصر يتحدّث عن شرِّ الإنسان ومعاملة الله، ولي معكم ثلاث كلمات:
أولاً: تصرّفات أثيمة
وقع هذا الابن في ثلاثة أخطاء: فكرية ولفظية وفعلية.
1- أخطاء فكريّة: أطلق العنان لأفكاره التي كانت ضدّ الواقع تمامًا. فكّر أن يعيش في عبودية وقيد وذلّ. فأوامر أبيه ونهيه... قلْ ولا تقل... اعمل ولا تعمل... اذهب ولا تذهب... لاقِ ولا تلاقِ... وإذا أراد الخروج "على فين؟" "ستلاقي مَنْ؟" "وماذا ستفعلون؟" وإلى آخر هذه الأسئلة... قال في نفسه: "هذه الحياة... الموت أفضل منها."
2- أخطاء لفظيّة: قال لأبيه: "أنا عاوز أشوف مصلحتي وأبني مستقبلي في بلد ثانٍ." وأضاف: "أعطني ما يخصّني من المال!" وكان متوقّعًا أن يقول له أبوه: "إزّاي تطلب ميراثك وأنا حيّ؟" ويقوم ليصفعه على وجهه، وكان متوقّعًا أن يطرده أبوه من البيت قائلاً: "ملكش قعاد في البيت ولا ساعة ثانية"، إلا أن أباه قام وقسم لهما معيشته.
3- أخطاء فعليّة: بعد أيام ليست بكثيرة جمع الابن كل شيء وسافر إلى كورة بعيدة... فهو كان مُصرًّا على أن يترك البيت. ربما أعطاه أبوه ما يحتاجه من طعام وشراب. لقد قاده فكره إلى الكلام والكلام قاده إلى العمل.
ثانيًا: اكتشافات أليمة
عندما وصل إلى الكورة البعيدة أخذ نَفَسًا طويلًا وقال: "أخيرًا وصلت إلى مكان الحرية!" لاحظه بعض شباب القرية وعرفوا أنه غريب – فذهبوا إليه وقالوا: "إحنا معاك علشان نريحك. وأخذوه إلى فندقٍ راقٍ وجلسوا معه بعض الوقت.
وفي اليوم التالي عرفوا أن معه أموالاً لأنه بدأ يصرف عليهم ببذخٍ فاشترطوا على أن يجرّدوه من كل أمواله – جلسوا يضحكون إلا واحد فسأله: لماذا لا تضحك معنا؟ فقال: أنا آسف لأن عندي ظرفًا صعبًا. أنا مديون بمبلغ كبير وآخر موعد سداده غدًا. فقال له اطمئن، سأعطيك وستسدّد ديونك. وفي اليوم التالي ذهبوا بدون شخص آخر. فسأل: هو ليه ما ماشي معكم؟ قالوا: أمه مريضة وتحتاج إلى علاج غالٍ – فأعطاهم مبلغًا كبيرًا قسموه مع بعضهم البعض. ثم أخذوا منه الكل ولما أفلس تركوه وكانوا عندما يروه يغيِّرون سيرهم عنه. ولما احتاج بحث عن عمل، ولم يجد وظيفة إلا راعي خنازير، وكان يشتهي أن يملأ بطنه من الخرنوب، ولكن لم يعطه أحد – حذّره صاحب الخنازير من النوم لئلا تُسرق – "احترس من أنك تأكل أكلَ الخنازير"!
وفي جلسة مع نفسه قال: "هي دي الحرية التي كنت أحلم بها؟" ثم توصّل إلى قرارات حكيمة!
ثالثًا: قرارات حكيمة
1) عودة ضرورية
قال لنفسه: "أقوم وأذهب إلى أبي وأقول له: "أخطأت إلى السماء وقدّامك، ولست مستحقًا بعد أن أُدعى لك ابنًا. اجعلني كأحد أجراك." قبل أن يتخذ هذا القرار، تقول كلمة الرب: "فرجع إلى نفسه." هو ليه كان تايه عن نفسه؟ نعم، دا الواحد مش بس يتوه عن نفسه، ده ممكن يبيع نفسه!
2) مقارنة منطقية: "فرجع إلى نفسه وقال: [كم من أجير لأبي يفضل عنه الخبز وأنا أهلك جوعًا!]" ولا شك أنه قارن بين وجوده في بيت أبيه وحالته التي وصل إليها. كان يأكل ويشرب ويلبس وينام على فراشٍ وثير – يأمر العبيد فيطيعون – والآن حالته يُرثى لها؛ ترافقه الخنازير! قرّر أن يقوم ويرجع إلى أبيه... فقام وجاء إلى أبيه – لا شك أن الشيطان جاء موسوسًا له وقال: "ها ترجع إلى بيت أبيك! ده أوّل ما يشوفك هايدبّك علقة ويأمر الخدم أن يأخذوك ويلقوك في الشارع... لكنه لم يلتفت إلى هذا كله وقال في نفسه: إللي يعمله أبوي هو أحسن من وجودي في هذا المكان.
وأول ما قرب إلى البيت رآه أبوه فتحنّن وركض ووقع على عنقه وقبّله – قبَّله ورائحته تقزِّز النفس – ثم قال لأبيه: [أخطأت إلى السماء وقدّامك] ولم يدعه أبوه يكمّل... فقال للعبيد: "هاتوا الحلّة الأولى" – ليست الحلّة القديمة بل الأولى – يعني الغالية التي اشتريتها خصّيصًا علشانه... واجعلوا خاتمًا في يده، وحذاء في رجليه، واذبحوا العجل المسمّن فنأكل ونفرح لأن ابني هذا كان ميتًا فعاش وكان ضالاً فوُجد. لقد قوبِل بعد عودته بأروع ما يمكن أن يحدث!
ليت كل ضال يرجع إلى الرب ويتمّم قول الكتاب: "ليترك الشرير طريقه ورجل الإثم أفكاره وليَتُبْ إلى الرب فيرحمه وإلى إلهنا لأنه يُكثر الغفران."
أكرم أباك وأمك لكي تطول أيامك على الأرض.