Voice of Preaching the Gospel

vopg

"وقف موسى في باب المحلة، وقال: [من للرب فإليّ]. فاجتمع إليه جميع بني لاوي." (خروج 26:32)
يرسم لنا الأصحاح 32 من سفر الخروج صورة مجسّمة لفشل الإنسان، فقبل هذا التاريخ نادى جميع الشعب معًا وقالوا:

"كل ما تكلّم به الرب نفعل." (خروج 8:19) أما في هذا الفصل فنحن نرى الشعب وقد زاغ قلبه عن الله، "وَلَمَّا رَأَى الشَّعْبُ أَنَّ مُوسَى أَبْطَأَ فِي النُّزُولِ مِنَ الْجَبَلِ، اجْتَمَعَ الشَّعْبُ عَلَى هَارُونَ وَقَالُوا لَهُ: «قُمِ اصْنَعْ لَنَا آلِهَةً تَسِيرُ أَمَامَنَا، لأَنَّ هذَا مُوسَى الرَّجُلَ الَّذِي أَصْعَدَنَا مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، لاَ نَعْلَمُ مَاذَا أَصَابَهُ...»
فأخذ هارون أقراط الذهب التي في آذانهم وصوّر هذا الذهب بالإزميل وصنعه عجلًا مسبوكًا. فقالوا: "هذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر." ويجدر بنا أن نقف لحظةً متأملين في هذا المنظر، فهذا الشعب الخارج من مصر ركّز عينيه على [موسى] بدلاً من أن يركزها على "الله". فلما غاب موسى عن عيونهم اهتزّ كيانهم الروحي، فديانتنا ينبغي أن تتركز على الرب وحده. "ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمّله يسوع."
وهناك شيء آخر هو أن العادات التي خرج بها هذا الشعب من مصر لم تبرح مخيّلتهم، فقد عاش هؤلاء الناس في أرض الأوثان، ورأوا المصريين يسجدون "للعجل أبيس"، وصنع لهم هرون عجلًا مشابهًا ليشبع تفكيرهم الذي لوّثته الوثنية بشرورها. لكننا نرى الرب يغضب من هذا التصرّف، ويقول لموسى: "اذهب انزِلْ. لأنه قد فسد شعبك الذي أصعدتَه من أرض مصر. زاغوا سريعًا عن الطريق الذي أوصيتهم به. صنعوا لهم عجلًا مسبوكًا، وسجدوا له وذبحوا له..." ونزل موسى ليرسل نداءه الخالد: "[منْ للربِّ فإليّ.] فاجتمع إليه جميع بني لاوي." وأرجو أن أركّز رسالتي بنعمة إلهي في كلمتين:

أولاً: ظروف إرسال هذا النداء

1- ظرف الارتداد عن الله
إن الظرف الذي أرسل فيه موسى هذا النداء يشبه من وجوهٍ كثيرة الظروف التي نعيش فيها، فهذا الشعب الذي اختبر عناية الله، ورأى قدرة الله العجيبة في إنقاذه، يرتدّ عن الله ويفسد، ويبتعد عن الطريق الذي أوصاه الرب أن يسير فيه.
وكنيسة العصر الحاضر ينطبق عليها هذا الوصف المخيف، ففي الكنيسة الأولى كان الرب سيدًا للكنيسة، وهو يتحدّث إلى ملاك كنيسة أفسس قائلًا: "هذَا يَقُولُهُ الْمُمْسِكُ السَّبْعَةَ الْكَوَاكِبَ فِي يَمِينِهِ، الْمَاشِي فِي وَسَطِ السَّبْعِ الْمَنَايِرِ الذَّهَبِيَّةِ..." فالرب كان مركز الدائرة في حياة هذه الكنيسة، وخدامه كانوا طوع أوامره، يمسكهم بيمينه، ويقودهم بروحه، لكنه يتحدّث إلى كنيسة الأيام الأخيرة، كنيسة الفتور والمظاهر، المسمّاة "لاودكية" قائلًا: "واكتب إلى ملاك كنيسة اللاودكيين: [... أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ، أَنَّكَ لَسْتَ بَارِدًا وَلاَ حَارًّا. لَيْتَكَ كُنْتَ بَارِدًا أَوْ حَارًّا! هكَذَا لأَنَّكَ فَاتِرٌ، وَلَسْتَ بَارِدًا وَلاَ حَارًّا، أَنَا مُزْمِعٌ أَنْ أَتَقَيَّأَكَ مِنْ فَمِي... هنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي."
وما أكبر الفرق بين المَنظرَين، بين ذلك المنظر الرائع الجليل في كنيسة أفسس المحبوبة المشتهاة، حيث نرى الرب ماشيًا وسط المناير الذهبية، وبين منظر الرب في كنيسة لاودكية، حيث نراه واقفًا على الباب... قد طردته الكنيسة الفاترة، التي اكتفت بغناها المادي، وهي عارية وعمياء وشقية!! فوقف على الباب من الخارج، وبدأ تعامله مع الأفراد "إن سمع أحدٌ صوتي وفتح الباب أدخل إليه وأتعشّى معه وهو معي." ويا لها من مأساة كبرى أن نرى الكنيسة خالية من وجود الرب في وسطها، لأنها طردته بشرِّها.
وفي وسط هذا الارتداد، وما أحوجنا أن نسمع من جديد نداء التكريس الذي هتف به موسى "مَنْ للربّ فإليّ"، وأن نطيع هذا النداء.

2- ظرف التعبّد لآلهة أخرى
ليس من المعقول أن يعيش الإنسان بلا إله، فالمرء إما أن يتعبّد للإله الحيّ الحقيقي، أو يصنع لنفسه آلهةً غريبة يسجد أمامها، ويقدّم لها ذبائحه وقرابينه؛ وقد زاغ إسرائيل عن الله فكان لا بدّ أن يصنع إلهًا يعتمد عليه ويرتكن إليه.
يحدثنا رجل الله الجليل ف. ب. ماير أنه تلقّى دعوة من إحدى الجمعيات في لندن ليرى "معرض الآلهة"، ويقول ماير: "ظننت أنني سأرى إيزيس، وأوزوريس، والزهرة، وعشتاروث، لكنني دهشت عندما ذهبت فرأيت أنه بعد أن رُفع الستار عن المسرح ظهر واحد شكله كالطاووس وعلى صدره العبارة [إله الكبرياء]، ثم ظهر آخر شكله كالسيجارة وعلى صدره العبارة [إله التدخين]، وآخر [إله الجسد]، وآخر [إله الملذّات]، وآخر [إله المال]، وآخر [إله الانتقام والحقد]". قال ماير: "وكنت أسمع همسات الجمهور عندما يصعد إله من هؤلاء وكلّ واحد يقول: [هذا إلهي]".
فمن هو الإله الذي تتعبّد له، وتسجد له، وتقدّم له ذبائحك؟! هل تتعبّد للخمر، والتدخين وتسجد في هيكل النجاسة والملذّات، وتعيش لذّاتك؟ أم تتعبّد لله الحقيقي؟ قال دانيآل للملك بيلشاصر: "وأنت يا بيلشاصر... تعظّمت على رب السماء، فأحضروا قدّامك آنية بيته، وأنت وعظماؤك وزوجاتك وسراريك شربتم بها الخمر، وسبّحت آلهة الفضة والذهب والنحاس والحديد والخشب والحجر التي لا تبصر ولا تسمع ولا تعرف. أما الله الذي بيده نسمتك، وله كل طرقك فلم تمجّده." (دانيآل 21:5-23) إن الناس اليوم يتعبّدون لآلهة أخرى، إن الله قد صار لهم إلهًا غريبًا، أما قلبهم فصار هيكلًا لآلهة متعدّدة، ولهذا عمّ الشقاء الحياة العائلية والاجتماعية وتدهورت الحياة الروحية... ونحن في حاجة أن نسمع اليوم نداء موسى: "من للرب فإليّ."
3- ظرف عري الشعب
نقرأ في أصحاح موضوعنا هذه الكلمات: "ولما رأى موسى الشعب أنه مُعرّى لأن هارون كان قد عرّاه للهزء بين مقاوميه، وقف موسى في باب المحلّة، وقال: [من للرب فإليّ.]" والتعبّد لآلهة غير الله، يعرّي الإنسان عن كل ما هو حقّ، وكل ما هو جليل، وكل ما هو طاهر، وكل ما هو مسرّ، يعرّيه عن شرفه، وعن طهارته، وعن سعادته، وعن تضحيته ويجعله إنسانًا بهيميًّا يعيش لذاته وشهواته.
إن الخطية خاطئة جدًا، وعندما ينحدر الإنسان من أورشليم متجهًا إلى أريحا... عندما يترك مسكن الله متّجهًا صوب ملذّات العالم، فإن لصوص الخطية سوف يهاجمونه ويكون أوّلُ عملٍ لهم هو أن "يعرّوه ويجرّحوه".
ألسنا نرى هذا العري في كنائسنا اليوم؟ هذا العري عن الحياة الفضلى، والديانة العملية. إننا نرنّم، ونهلّل، ونصفّق بأيدينا، ونرفع أصواتنا في صلوات مفتعلة وحياتنا الحقيقية عارية عن الرب.
وكيف تذهب نساؤنا إلى بيت الله؟ ألسن هناك شبه عاريات، ومع ذلك فليس من ينادي مع موسى "من للرب فإليَّ" وليس من يصرخ مع إشعياء: "أيها الرب إلهنا قد استولى علينا سادة سواك."


ثانياً: ثمن تلبية هذا النداء
ليس من السهل أن نلبي نداء التكريس، لأننا إن أردنا هذا فلا بدّ أن ندفع الثمن كله، فمن منّا مستعد أن يدفع هذا الثمن؟! وما هو الثمن؟

1- الوقوف صراحة إلى جوار الله
نادى موسى: "من للرب فإليّ"، وكان معنى هذا أنه يقسم الشعب إلى قسمين: قسمٌ للرب، وقسمٌ للعجل الذهبي؛ قسمٌ يتعبّد للإله الحي، وقسمٌ يسجد للإله الذهبي! وكان على كل قسم أن يقف موقفًا صريحًا مع الله أو مع العجل الذهبي! "فاجتمع إليه جميع بني لاوي." وهذا هو الموقف الذي ينبغي أن نقفه اليوم... إن التردّد بين العالم والمسيح، بين ملذّاتنا وصلواتنا، وبين الله والشيطان... شيء مخجل، مائع، ومخيف! وقديمًا صرّح إيليا للشعب قائلًا: "حتى متى تعرّجون بين الفرقتين؟ إن كان الرب هو الله فاتبعوه، وإن كان البعل فاتبعوه." (1ملوك 21:18)
وقال بولس للكورنثيين: "اخرجوا من وسطهم واعتزلوا، يقول الرب. ولا تمسّوا نجسًا فأقبلكم، وأكون لكم أبًا، وأنتم تكونوا لي بنين وبنات، يقول الرب، القادر على كل شيء." (2كورنثوس 17:6) فهل تعزم اليوم على الوقوف صراحة إلى جوار الرب، وتقول من قلبك: وداعًا أيها العالم، وداعًا أيتها الملذّات، وداعًا أيتها الملاهي، وداعًا يا كأس الخمر، ويا سيجارتي التي حطّمتِ إرادتي. وداعًا أيها الكذب، والشتيمة والنميمة. إن النداء يدوي اليوم "من للرب فإليّ."

2- الحرب السافرة ضدّ الخطية
هذا هو الشرط الثاني لإطاعة هذا النداء. فعندما اجتمع بنو لاوي لموسى قال لهم: "ضعوا كل واحد سيفه على فخذه..." والسيف رمزٌ للحرب.
سألني أحدهم مرة: هل إذا أعطيت قلبي للمسيح، وسلّمت مفاتيح حياتي له، تكفّ حربي النفسية، والروحية. قلت له: "كلَّا يا صاحبي، بل تبدأ الحرب الحقيقية. "فإن مصارعتنا ليست مع دمٍ ولحمٍ، بل مع الرؤساء، مع السلاطين، مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر، مع أجناد الشر الروحية في السماويات." (أفسس 12:6) فهل صممت على الدخول في هذه الحرب؟ إنها حرب مع قوات الظلام، وحرب مع العالم، وحرب مع الأشرار. لكن لا تخف بل اسمع الوعد: "أنتم من الله أيها الأولاد، وقد غلبتموهم لأن الذي فيكم أعظم من الذي في العالم." إن انتصارك مؤكّد بسيف الروح الذي هو كلمة الله.

3- الموت عن العواطف الذاتية
هذا هو الثمن الأكبر الذي تدفعه لو أردت أن تلبّي نداء الرب: "الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات." لقد قال موسى لبني لاوي: "املأوا أيديكم اليوم للرب، حتى كل واحد بابنه وبأخيه، فيعطيكم اليوم بركة." وليس من السهل أن يقتل الواحد ابنه، أو ينفصل عن أخيه لأجل الرب، ما لم يصلب أولاً عواطفَه الذاتية، ويحبّ الرب من كل قلبه.
أقف خاشعًا أمام "حنة" المرأة المكرّسة التي أعطاها الرب صموئيل بالصلاة، لكنها جاءت به إلى الهيكل في سنّ الفطام وقالت: "وأنا أيضًا قد أعرته للرب. جميع أيام حياته هو عارية للرب." فهل تعطي عواطفك للرب؟ فتموت عن كلِّ حبٍّ غير شريف، وعن كلِّ إحساسٍ غير نظيف، ويكون الرب وحده ملكًا على قلبك؟ إنك عندئذٍ تستطيع أن تردّد مع بولس: "مع المسيح صُلبت، فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيّ. فما أحياه الآن في الجسد، فإنما أحياه في الإيمان، إيمان ابن الله، الذي أحبني وأسلم نفسه لأجلي."
فيا ربي ومخلصي، إنني سمعت نداء الساعة - نداء التكريس - وأعلن اليوم أنني لك، وأرفع لك صلاتي مع داود "أنا لك يا رب فخلّصني."

المجموعة: تشرين الأول (أكتوبر) 2022

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

341 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10624271