صرخ داود من جبّ الهلاك، من طين الحمأة... وما أن سمع له الرب حتى أخذ يتغنّى بإحساناته ويعدّدها.
ولكن من بين هذه الإحسانات، استوقفتني بركة بهرتني ببريقها، فوقفت أمامها متأملاً، وجعلت أردّدها مع داود: "ثبّت خطواتي" وإذ بنفسي تمتلئ بفيضٍ من الثقة واليقين، والهدوء والسلام!
نعم، ثبّت خطواتي، لئلا تنزلق قدماي. وما أكثر المزالق التي نتعرّض لها في عالم امتلأ بإغراءات الشرور والشهوات. تأمّل كلمات النبي آساف وهو يواجه هذا الموقف: "أما أنا فكادت تزلّ قدماي. لولا قليل لزلقت خطواتي." ولكن ما أن دخل إلى مقادس الله حتى رأى الحقيقة سافرة كاملة، فثبت في الحقّ وتمسّك به، رغم قوة الإغراء وسلطان الشهوة.
وكذلك ثبت موسى – بقوة الإيمان – أمام إغراءات مصر... وثبت يوسف أيضًا عندما تعرّض للشهوات الشبابية في أقسى ظروفها، حتى أصبح علمًا على العفة والطهارة وضبط النفس. وهذا ما ينبّه إليه الرسول بطرس: "احترسوا من أن تنقادوا بضلال الأردياء فتسقطوا من ثباتكم. ولكن انموا في النعمة وفي معرفة ربنا ومخلصنا يسوع المسيح." إنه صخر الدهور الذي لا يعتريه "تغيير ولا ظلّ دوران." وجده داود فعرف الخطوات الثابتة، ومن ثم انطلق يرنم للرب ويشيد بصنيعه: "من قِبل الرب تتثبّت خطوات الإنسان وفي طريقه يُسرّ."
فالله يعطي الإيمان الذي يجعلنا نخطو بثبات نحو الهدف، دون تراجع أو انحراف أو تردّد غير عابئين بالمفشلات والمقاومات والاضطهادات. لهذا استطاع رجال الإيمان أن يحقّقوا المعجزات. والرب يسوع نفسه – عالمًا برسالته مصمّمًا على تحقيق إرساليته – "ثبَّت وجهه لينطلق إلى أورشليم." ولم يتحوّل عن هدفه، حتى أكمل خلاص الإنسان على صليب الجلجثة.
ولماذا نُزعزع وتتقلقل خطواتنا، وقد وهبنا الله سلامه؟ "لا تتلفّت لأني إلهك." هكذا ينادي الله كل خائف منزعج مضطرب. هو يضمن طريقك، "فلا يدع رجلك تزلّ" مهما كانت المكائد التي تُدَبَّر، والفخاخ التي تُنصب.
ولماذا تتلمّس خطواتك في الظلام، وتقف حائرًا في مفترق الطرق؟ اتبع يسوع فلا تمشي في الظلمة، وتمتّع بقيادة الرب، حسب وعده الثمين: "أعلّمك وأرشدك الطريق التي تسلكها. أنصحك. عيني عليك." فتمضي في طريقك قدمًا بخطوات ثابتة. ألا تشعر باحتياجك إلى هذه البركة – بصورة ملحّة – وأنت تعيش في عصر اهتزّت فيه المبادئ، وتسرّبت إليه الشكوك والمخاوف، واجتاحته تيارات التغيير من كل جانب؟! أليست بركة عظمى أن تستطيع السير بخطوات ثابتة واثقة متمكّنة، في هذا العصر؟! طوباك إذا اخترت هذا عمليًّا، فإنك تتخلّص من كل شك يعذّبك، وكل تردّد يرهقك، وكل قلق ويرعبك.