الاحتياج الأكثر إلحاحًا لكنيسة الوقت الحاضر هو إلى "رجالٍ" لله، بالمعنى الصحيح لكلمة "رجال"،
رجالٍ شجعان أقوياء، رجالٍ قادرون على التصدّي للأوضاع المتردّية وتغييرها. قد تقول إننا نحتاج إلى "نهضة"، ونحتاج معمودية جديدة للروح القدس، وهذا حقّ، ولكن الله لن يرسل نهضة إلى مجموعة من "الفئران" ولن يملأ "أرانب" بالروح القدس! إننا نحتاج أولاً إلى رجال من نفس معدن أنبياء العهد القديم ورسل العهد الجديد بدلاً من خدام اليوم الضعفاء غير القادرين على شيء!
رجل الله... حــرّ
نحن جائعون لرجالٍ يضعون أنفسهم حتى الموت في حربهم لأجل النفوس وهم لن يستطيعوا هذا إلا إذا سبق ووضعوا أنفسهم حتى الموت تجاه مغريات هذا العالم وتحرّروا بالتمام من ضغوطه، مثل هؤلاء الرجال سيكونون أحرارًا من الالتزامات الخارجية التي تؤثر على الخدام الضعفاء وتتحكّم في خدمتهم... التزامهم الوحيد يأتي من داخلهم، أو من فوق.
هذه النوعية من الحرية ضرورية لو أردنا أن يكون عندنا أنبياء على منابرنا مرة أخرى بدلاً من هذه النوعيّة من الخدام التي تردّد كلامًا أجوف لا معنى له، رجال الله الأحرار يخدمون الله والناس بدوافع إلهية أعظم جدًا من أن يفهمها هذا الجمع الضخم من الخدام الذين نراهم اليوم يخدمون بدوافع إنسانية غير نقيّة.
رجل الله الحرّ من ضغوط ومغريات العالم لن يتّخذ قرارًا بدافع الخوف... ولن يسلك طريقًا بهدف الحصول على الراحة والسعادة...
ولن يقبل خدمة لأجل الربح المادي...
ولن يقوم بأعمال دينية خضوعًا للعادة والتقليد...
ولن يسمح أن تحرّكه الشهرة أو إعجاب الجماهير!
معظم ما تعمله الكنيسة اليوم تعمله لأنها تخشى ألّا تعمله! تعمله تحت ضغوط من الناس والمجتمع لا تقوى على مقاومتها، إما خوفًا منهم أو رغبة في رضاهم... ورأي الناس ومشيئتهم يدفع الخدام لعمل أشياء كثيرة...
هؤلاء الخدام، دافعهم للخدمة هو ضغط الرأي العام وليس فكر الله!
لكن رجال الله في كنيسة يوم الخمسين لم يستطلعوا أبدًا رأي الشعب قبل أن ينطلقوا في خدمتهم... كانوا يستمعون أولاً إلى صوت الله ويعرفون إرادته ثم يتحرّكون لإتمامها وهم أحرارٌ تمامًا من تأثير الرأي العام المحيط بهم، دافعهم الوحيد أنهم يعرفون مشيئة ربهم ويعملونها. أحيانًا كان الشعب يرضى بأعمالهم ويقبلها وأحيانًا أخرى كان يرفضها ويقاومها، لكن هذا لم يؤثر إطلاقًا لأن في كل الأحوال كان هدفهم هو تتميم مشيئة سيدهم.
رجل الله... محبّ!
رجل الله الحرّ الذي تعلّم أن يسمع صوت الله ولديه الشجاعة لكي يطيعه لا بدّ أن يختبر محبة الله للنفوس ويشعر بالتثقّل الشديد لأجلهم... هذا هو التثقّل الذي كسر قلوب أنبياء العهد القديم وسكب أنهار الدموع من عيون رسل العهد الجديد.
رجل الله لا يمكن أبدًا أن يكون "طاغية" يسود على شعب الله، إنه ينحني عند أقدام شعبه بحبٍّ ليخدمهم ولا يقبل أبدًا أن ينحني الشعب عند قدميه! الخوف ونقص الثقة الداخلية هما اللذان يقودان بعض خدام اليوم لكي يحاولوا وضع شعوبهم تحت أقدامهم! عندهم بعض المصالح والمكاسب يريدون أن يحمونها، لذلك يطلبون الخضوع من أتباعهم كضمانٍ لأمنهم الشخصيّ.
لكن رجل الله المحبّ لا يفعل هذا أبدًا، ليس لديه غرض شخصي لكي يحميه وليس لديه طموح ذاتي يسعى لتحقيقه. كل دافعه هو محبته للنفوس التي مات المسيح لأجلها، لذلك هو يخدمهم دون أن يطلب لنفسه شيء، وسواء قبلوه أو رفضوه سيظلّ يخدمهم بحبّ وإخلاص، والموت وحده يستطيع أن يوقف صوت شفاعته لأجلهم.
حياة أو موت
نعم، لو أردنا للمسيحية أن تبقى حية فلا بدّ أن يكون عندنا رجال مرة أخرى... رجال حقيقيون لله. ينبغي أن نتخلّص من الضعفاء الذين لا يتجرّؤون أن يرفعوا أصواتهم ضدّ شرور شعوبهم، لا بدّ أن ننسحق في الصلاة ونطلب من ربّ الحصاد أن يرسل لنا رجالاً من نفس معدن الأنبياء والرسل، رجالاً أحرارًا أقوياء محبّين، سيكون الله بجانبهم لأنّهم يحرصون أن يكونوا بجانب الله، سيكونون أدوات في يد الروح القدس، ومن خلال خدمتهم ومحبّتهم ومعاناتهم سيُرسل الله النهضة التي ننتظرها، والتي تأخّرت كثيرًا.