هل المؤمن المسيحي مستثنًى من المعاناة والضغوطات في هذه الأيام الصعبة؟ كيف يتصرّف وسط الظروف المعيشية والاقتصادية؟ وهل له من مُنقذ؟
في عظة الجبل، يتحدّث الرب يسوع لسامعيه ولنا عن سلوكيات رعايا ملكوته. واحدة من النصائح الهامة لهم، هي توجيه أنظارهم إلى روعة الثقة والاتكال على الآب السماوي.
تعالوا لنستمتع بحديث السيد الجميل والمُطمْئِن في عظة الجبل.
أولًا: ضرورة الابتعاد عن مرض العصر وهو الهم
في حديث الرب لسامعيه يحذرهم ثلاث مرات من الهم قائلًا: «لاَ تَهْتَمُّوا لِحَيَاتِكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَبِمَا تَشْرَبُونَ وَلاَ لأَجْسَادِكُمْ بِمَا تَلْبَسُونَ.» ومرة ثانية يقول: «فَلاَ تَهْتَمُّوا قَائِلِينَ: مَاذَا نَأْكُلُ أَوْ مَاذَا نَشْرَبُ أَوْ مَاذَا نَلْبَسُ؟» وأخيرًا يقول: «فَلاَ تَهْتَمُّوا لِلْغَدِ لأَنَّ الْغَدَ يَهْتَمُّ بِمَا لِنَفْسِهِ. يَكْفِي اليَوْمَ شَرُّه.» (متى ٢٥:٦، ٣1، ٣4) أي لا نهتم سواء كان بيومنا أو بغدنا.
ثانيًا: لماذا يجب ألا نهتم؟
الله أعطانا الأغلى وهي الحياة، كيف لا يهبنا ما هو زهيد؟ «أَلَيْسَتِ الْحَيَاةُ أَفْضَلَ مِنَ الطَّعَامِ وَالْجَسَدُ أَفْضَلَ مِنَ اللِّبَاس؟» (متى ٢٥:٦)
الله يهتم بخلائقه العجماء أفلا يهتم بمن هم أغلى خلائقه؟ «تَأَمَّلُوا زَنَابِقَ الْحَقْلِ كَيْفَ تَنْمُو! لاَ تَتْعَبُ وَلاَ تَغْزِلُ.» (متى ٢٨:٦) فالطيور نرى فيها تسديد المأكل وهذا ما أكّده السيد بقوله "تأملوا الغربان." والزنابق نرى فيها الملبس "ولا سليمان في كل مجده كان يلبس كواحدة منها."
أحبائي، إننا كمؤمنين بالمسيح أعضاء جسمه ومن لحمه باكورة من خلائقه، أي أفضل خلائقه؛ ألا يهتم بنا؟
الهم لا ينفع:
«وَمَنْ مِنْكُمْ إِذَا اهْتَمَّ يَقْدِرُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى قَامَتِهِ ذِرَاعًا وَاحِدَةً؟» (متى ٢٧:٦) قال أحدهم: إن الهم لا ينزع من الغد مخاوفه، لكنه ينزع من اليوم سلامه وطمأنينته. وما أروع ما قاله الوحي: «أَلْقِ عَلَى الرَّبِّ هَمَّكَ فَهُوَ يَعُولُكَ.» (مزمور ٢٢:٥٥)
الاهتمام عكس الإيمان: «أليس بِالْحَرِيِّ جِدًّا يُلْبِسُكُمْ أَنْتُمْ يَا قَلِيلِي الإِيمَانِ؟» (متى ٣٠:٦)
يجب على المؤمن ألّا ينشغل بالأمور الأرضية: «فَإِنَّ هَذِهِ كُلَّهَا تَطْلُبُهَا الأُمَمُ.» (متى ٣٢:٦) صحيح أننا نأكل ونشرب لكن ليس هذا هو موضوع اهتمامنا، لدينا أشياء أعظم لنفكر فيها كما قال السيد نفسه: «طَعَامِي أَنْ أَعْمَلَ مَشِيئَةَ الَّذِي أَرْسَلَنِي وَأُتَمِّمَ عَمَلَهُ.» (يوحنا ٣٤:٤)
ثالثًا: يقدَّم الرب علاجًا لمرض الهمّ
الطيور والزهور:
"انظروا إلى طيور السماء، وتأملوا زنابق الحقل كيف تنمو."
الطيور: هي الأقل في المملكة الحيوانية، لا تزرع ولا تحصد والآب السماوي يعطيها الطعام. كما أن ثمنها بخس «خَمْسَةُ عَصَافِيرَ تُبَاعُ بِفَلْسَيْنِ»، وحتى المكروه كالغربان أبوكم يهتم بها (لوقا ٦:١٢ و٢٤).
الزهور: هي الأقل في المملكة النباتية، ورغم بساطتها «وَلاَ سُلَيْمَانُ فِي كُلِّ مَجْدِهِ كَانَ يَلْبَسُ كَوَاحِدَةٍ مِنْهَا.» ثم يستطرد الرب مطمئنًا بالقول: «فَإِنْ كَانَ عُشْبُ الْحَقْلِ الَّذِي يُوجَدُ الْيَوْمَ وَيُطْرَحُ غَدًا فِي التَّنُّورِ يُلْبِسُهُ اللَّهُ هَكَذَا، أَفَلَيْسَ بِالْحَرِيِّ جِدًّا يُلْبِسُكُمْ أَنْتُمْ يَا قَلِيلِي الإِيمَانِ؟» (متى ٢٩:٦-٣٠)
أبوكم السماوي: يلفت الرب يسوع الأنظار إلى الآب السماوي السخي في العطاء، فيطمئن قلوبنا بالقول: «وَأَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ يَقُوتُهَا.» وأيضًا «لأَنَّ أَبَاكُمُ السَّمَاوِيَّ يَعْلَمُ أَنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَى هَذِهِ كُلِّهَا.» (متى ٣٢،٢٦:٦)
اطلبوا أولًا ملكوت الله وبره: يختتم الرب حديثه المُطَمئِن بحثِّ مؤمنيه أن يطلبوا ملكوت الله. وهذا يعني طلب سيادة الله وكلامه، وطلب برِّه يعني تجاوبنا نحن مع كلامه والعيشة به. عِش للرب واطلب واهتم أن يكون هو السيّد. ولم يقُل الرب يسوع ثم اهتمّ بعد ذلك بأمورك، لا بل النتيجة أن الآب السماوي نفسه سيهتم بأمورك. لقد ذهب دانيآل إلى عُلّيته لا ليطلب إنقاذه من الأسود، بل صلى وحمد كما كان يفعل، والرب أرسل ملاكه وسدّ أفواه الأسود.
عزيزي، أرجو أن تلاحظ بأن هذه ليست دعوة للتواكل بل للاتكال على الآب السماوي. والرب يسوع نفسه الذي علَّم الاتكال على الآب، هو الذي أمر بطرس أن يذهب للبحر ويصطاد لكي يسدّد ما عليه. يجب على المؤمنين الحقيقيين أن يتمتعوا بهذا الإيمان وهذه الفضيلة، أي الثقة في إلههم والطمأنينة الكاملة أنه يعتني بهم.
يقول المختبِر: «لَمْ أَرَ صِدِّيقًا تُخُلِّيَ عَنْهُ وَلاَ ذُرِّيَّةً لَهُ تَلْتَمِسُ خُبْزًا.» (مزمور ٢٥:٣٧) فهل يا ترى تمتعت بهذا الإيمان الواثق والاتكال الكامل على أبيك السماوي؟
إنه يعلم احتياجنا قبل أن نسأل، بل ويملأ كل احتياجنا بحسب غناه في المجد في المسيح يسوع.