عزيزي القارئ، أُصلّي أن تصِل رسالة الرب لك وأنت في ملء النعمة والبركة محفوظ في سلام المسيح وروح المجد يحِلُّ عليك، وكم أتمنّى من كل قلبي أن أكون أمامكَ لكي أُصافحُكَ قائلًا لك: [المسيح قام!]
وأنت بفرح ونور المسيح مُشرقًا في قلبكَ تُجيبني: [حقًا قام!] واشتاق في عواطف المسيح يسوع أن أطمئن عليك من كل النواحي وخاصةً نُموّك وثباتك وقوّتك في الرب. فرغم أنني لم ألتقِ معك في الوجه، لكنني أتضرّع بفرح باسم القدّوس يسوع ابن الله الكاهن العظيم أن تكون الرسائل التي تصلك مثمرة في حياتك، لذلك أسألك إن كان لديك الوقت الآن أن تفتح الكتاب معًا وتقرأ رسالة فيلبي الأصحاح الثالث، وهدفي هو أن تفرح وتغتني بهذه العبارة "لأعرفه وقوة قيامته" التي لا تساويها كل الجواهر.
كلمة "لأعرفه" تعني معرفة المسيح معرفة شخصيّة اختبارية. والبداية هي معرفته بالمخلّص الوحيد الذي صنع فداءً أبديًا فوق الصليب، وقبوله بالإيمان ربًا ومخلصًا شخصيًّا، التي يسمّيها الكتاب [الولادة من فوق]، وهذه العلاقة الشخصيّة تبدأ بالنموّ، وعمليًّا كلّما كانت لدينا الآذان الصاغية، ونحن في أرض الغربة لنسمع صوته الحلو في رسائل محبّته لنا أي الكتاب المقدس وأيضًا كان لنا القلب المُتّضع والعزم على طاعة أقواله فإننا ننمو في معرفته بدون توقّف. وفي الأصحاح الثالث الذي أمامنا نرى بكل وضوح أن معرفة المسيح لا يمكن أن نقارنها "بالأشياء" التي ربما نفتخر بها، لأنها مجرّد نفاية. والآن أريد أن أناقش أربعة أمور تخصّ معرفة المسيح:
مقياس المعرفة
أيها المُفدى بدم يسوع، يا من أمر الرب بخلاصك وعزّك، لا تقارِنْ نفسك في معرفتك للمسيح يسوع مع أيّ مؤمن لأنه إن كان قويًّا في الإيمان وأنت ضعيف ستشعر بصغر النفس. أو العكس، إذا كنت قويًّا فيصغر المؤمن الضعيف في عينيك. ولا تقارن نفسك مع أي خاطئ لئلّا تصير بارًا في عيني نفسك، ولكن ضع المقياس الكامل يسوع ابن الله مقياس الكمال والنضج الروحي. كما يقول الوحي: "إلى أن ننتهي جميعنا إلى وحدانية الإيمان ومعرفة ابن الله. إلى إنسان كامل. إلى قياس قامة ملء المسيح." (أفسس 13:4) ومن الجدير بالذكر أن الرسول يوحنا وضع المسيح مقياسًا لنا: "بِهذَا نَعْرِفُ أَنَّنَا فِيهِ (وفعلاً ننتمي إلى المسيح): مَنْ قَالَ: إِنَّهُ ثَابِتٌ فِيهِ (في المسيح) يَنْبَغِي أَنَّهُ كَمَا سَلَكَ ذَاكَ (المسيح) هكَذَا يَسْلُكُ هُوَ أَيْضًا." (1يوحنا 5:2-6) والرسول بطرس وضع المسيح مقياسًا لنا (راجع 1بطرس 21:2).
معرفة المسيح والفكر الإيجابي
كُلّما تعّرفنا أكثر على شخص ربنا يسوع المسيح أي (نسمع صوته في الكتاب وهو يسمع صوتنا في الصلاة) فإن الروح القدس يُجري تحديثًا في ملفات أفكارنا، فيرمي بالأفكار الرديئة إلى [الزبالة حيث مكانها]، ويُجدّد ذهننا بطاقة استيعاب أكبر للأفكار الجليلة الطاهرة (راجع فيلبي 8:4) لأن القاعدة الكتابية هي هذه: "السلوك الصحيح في الفكر الصحيح"، وبهذا فإن الروح القدس يُريحنا ذهنيًا بصور حلوة مُبهجة للقلب ومُنعشة للنفس تسمو بها فوق كل الظروف الصعبة. فالرسول بولس رغم أنه كان في السجن إلا أنه كان فرحًا، وقد وردت كلمة "فرح" أو سرور حوالي 16 مرة في رسالة فيلبي. أين هم علماء النفس؟ إن معرفة المسيح يسوع تزيل أي سلبية من النفس، فعندما نقول بيقين الإيمان: المسيح ربي، فاديّ، حياتي، فرحي، كنزي، رجائي، راعيّ، سلامي، فإنّ النفس تتشدّد وترتقي إلى السماويات. فما أروع وما أجمل مُخلّصي وحبّه الأزلي العجيب! لقد أخلى نفسه، أحبّني ومات من أجلي! لذا أريد أن أتـعرّف أكثر على المحبوب "يسوع ربي" وأشتاق لمعرفة من فداني واشتراني بدمه الثمين. أريد أن أعرف ذلك السّر: [أحبّني قبل تأسيس العالم]. كان يعرف أن خطاياي ستُسمّره على الصليب، ولكن مسرّته كانت في خلاصي.
معرفة المسيح والطاعة
نرى في رسالة فيلبي فكر المسيح الذي هو التواضع (فيلبي 2) والتحريض على أن نسلك بهذا الفكر. وكذلك في كل كتب العهد الجديد نرى معرفة المسيح مقترنة بالطاعة لوصاياه، فلا نموّ في معرفة المسيح بدون الطاعة. وعكس الطاعة هو العصيان، بل الأسوأ هو الانضمام إلى معسكر الشيطان، ويا لخطورة الموقف! (أرجوك قارن 1يوحنا 3:2-4 مع يوحنا 44:8، وأيضًا أفسس 8:5 مع 1يوحنا 9:2) فما أصعب هذا الموقف عندما يسمع الكثيرون - ممن كانوا يظنون أنهم مؤمنون بالرب - قول الرب لهم: "إني لم أعرفكم قط! اذهبوا عنّي يا فاعلي الإثم!" إذًا معرفة المسيح والطاعة له لا تنفصلان.
لأعرفه وأفوز به
ما هي أثمن لؤلؤة بيعت في العالم؟ ربما تظن أنها تلك التي قيمتها ملايين الدولارات! كلّا يا عزيزي، إنما ابن الله الذي أحبّنا وأخلى نفسه آخذًا صورة عبد واقتنى بدمه الكنيسة أثمن لؤلؤة. أيها المُفدى بدم الحمل، افرح لأنك جزءًا لا يتجزّأ من لؤلؤة واحدة كثيرة الثمن، محفوظًا بيد المسيح القوية بقدرة مجده. وإن جاز التعبير فإن المسيح فاز بك - أنت لؤلؤة ثمينة!
يرى الرسول بولس نفسه وكل المؤمنين كمثيل المتسابق الذي يسعى نحو الهدف لنوال الجائزة. والعدد 12:3 ورد في بعض الترجمات بهذا المعنى: "أسعى للحصول على الجائزة لأن المسيح يسوع امتلكني لنفسه (فاز بي)."
يرى بولس أنّ أعظم جائزة هي رؤية المسيح في المجد لأننا سنكون مثله! لقد فزنا نحن الأثمة ببرّه عندما آمنّا به ربًّا ومُخلّصًا شخصيًا لحياتنا، وأعطانا برَّه بنعمته، وقريبًا جدًا يوم ندخل السماء سنفوز به أيضًا، أي نفوز بالمجد السني الباهر.
ربي وإلهي، أشكرك لأنك ستحقق هدفي، وهو لقاؤك في المجد. أشكرك لأنك طلبت من الآب: "أيها الآب أريد أنّ هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معي حيث أكون أنا، لينظروا مجدي..." أشكرك يا رب، أننا سنراك ونكون مثلك، وتتغيّر أجسادنا على صورة جسد مجدك، لك الكرامة والمجد."
قوة قيامة المسيح
إن كلمة "قوة" الواردة في عبارة "قوة قيامته" هي نفس الكلمة التي تُشتقّ منها كلمة ديناميت!
لقد دمّرت قوة قيامته قوة الموت، وظفر على العدوّ أي إبليس وجرّد الرياسات والسلاطين. والكلمة تعني أيضًا قوة مُعجزيّة، حقًا إن قيامة المسيح أعظم معجزة أظهرت قدرته الفائقة. وربنا يسوع المنتصر جلس في يمين العظمة "فوق كل رياسة وسلطان وقوة وسيادة، وكل اسمٍ يسمّى ليس في هذا الدهر فقط بل في المستقبل أيضًا." (أفسس 21:1)
وقوة قيامة يسوع وحضوره تُظهِران قوته على استبدال الكآبة بفرح القلب، والخوف بالسلام، والشكّ بيقين الإيمان، واليأس بالرجاء الحي.
لقد نقلنا الله الآب بقوة القيامة من مقام دنيء - أموات في الذنوب والخطايا - إلى مقام مرموق في السماويات "أحيانا مع المسيح... وأقامنا معه، وأجلسنا معه." (انظر أفسس 2)