Voice of Preaching the Gospel

vopg

مئتا بحَّارٍ يغادرونَ حاملةَ الطائرات [جورج واشنطن] في [نيوبورت نيوز] في ولاية فرجينيا.

كان هذا عنوانَ خبرٍ جاء في شهر أيار الماضي إذ غادر هؤلاء جميعًا حاملةَ الطائرات الأمريكية [يو. إس. إس. جورج واشنطن] بعدما ارتفعت حالاتُ الانتحارِ بين الطاقَم، بما في ذلك ثلاثةٌ في أقلِّ من أسبوعٍ واحد وفقًا لما أفادت به البحريةُ الأمريكية. وقد انتقل البحَّارة إلى مُنشأةٍ تابعة للبحرية المحلية، إلا أنَّه وعلى مدى الأشهر الاثني عشر الماضية، لـَـقـِي سبعةُ أفراد من الطاقم مصرعَهم، بما في ذلك أربعةُ منتحرين. وهذا ما دفع البحرية إلى فتح تحقيق في الجوِّ المحيط بالقيادة، والثقافة على متن حاملةِ الطائرات. ويذكُر الخبر أيضًا أن قيادةَ السفينة تعمل على تحديد البحَّارة الذين يمكنُ أن يستفيدوا ويرغَبوا في خدمات الدَّعم وبرامج المعنويّات والرفاهية والاستجمام المتوافرة في منشآـت البحرية وفقَ كلامها.
قيل: "إنَّ أصعبَ شعورٍ هو أن تمثِّل دورَ الراحةِ وقلبُك مليءٌ بالوجع، بالألم أو المعاناة". هذا قولٌ صحيح. ولهذا نسمع أخبار انتحار بعض الناس ليس في البحرية الأمريكية فحسب، بل بين العديد من الناس في المجتمع وخاصةً الشباب منهم. كما تسجِّل هوليوود أرقامًا لمنتحرين في الوسط الفنّي العريق وبين الفنانين والممثّلين والمغنّين الذين ومن كثرةِ أوجاعهم النفسية نراهم يلجؤون إلى الكحول والمخدّرات والمسكّنات. وهكذا يقضى البعضُ منهم من جرَّاء ما يتناولونه من جرعاتٍ مفرِطة منها. وآخِرُ المنتحرات كانت المغنّية الشهيرة في الأغاني الريفيَّة Country Music هي Naomi Judd التي وجّهت المسدس إلى رأسها وأنهت حياتها إثرَ معاناة طويلة مع مرض الاكتئاب الحاد المزمن الذي لم ينفع معه أيُّ علاج. وصرَّحت ابنتها المغنية أيضًا في حفلٍ كان قد أُعدَّ خصيصًا لتكريمِ والدتها الشهيرة، صرّحت بعد يوم من وفاتها: "لقد خسرتُ أنا وأختي أمَّنا الجميلة التي قضت من جرَّاء خلَل أو ضعفٍ عقلي Mental Health." وأضافت بأن أمها المنتحِرة كانت قد طلبتْ منها قبيلَ سويعات من الحدَث المروّع أن تبقى عندها في ذلك اليوم فاستجابت لطلبها. إلَّا أنَّ الأم ولفرْط عذابِها الداخلي كما يبدو، استغلّت فرصة وجود ابنتها في المنزل معها - وإن لم تكن في نفس الغرفة - وقامت بإطلاق النار على نفسها. وكانت هذه بمثابة صدمة كبيرة لبناتها الفنانات المحترفات مثلها أيضًا.
أما ما يتردّد على مسامعنا في كل يوم فهو تعرّض الأولاد في المدارس إلى القتل بسبب شابٍ طائشٍ دخل إلى المدرسة - كما حدث في تكساس - وهو مدجَّج بالسلاح ليس الشخصي فحسب، بل بسلاح المعارك في الحروب AR-15، وبدأ بقتلِ الأطفال والأولاد الأبرياء وكذا المعلّمات والمعلّمين. ويتكرّر الحدث نفسه في عدّة أماكن حتى إنه بلغ إلى ساعة كتابة هذا المقال هذه السنة إلى أكثر من 27 حادث اعتداء وقتل في المدارس إذا لم يكن أكثر. هذا عدا عن الحوادث الأخرى التي كانت ضحيّتها إما كنيسة أو مجمع أو مركز تجاري. ومعها سقط العديد من الضحايا الأبرياء. وعند التحقيق مع القاتل - هذا إن لم يقتلْ نفسه أو لم تقتله الشرطة - يتبيَّن أنَّه يعاني من اضطراب في العقل وهو غير متوازن!
وهنا تبدأ المناقشات الحادّة بين مؤيِّد ومعارض لاقتناء السلاح، والقوانين التي تشرّع لأي شخص كان، في عمر الثامنة عشرة وما فوق باقتنائه. ويستمرّ الجدَل ويبقى قائمًا حتى ليَكادُ يُطلَق عليه "الجدل البيزنطي" بمعنى أيّ جدل لا يؤدّي إلى نتيجة. وهنا يدفع الأبرياء أيضًا ثمن خلل عقل المعتدين! لكن بالطبع هذا لا ينفي استمرار وجود أسئلة كثيرة محيِّرة تطرح نفسها هنا وهي مثلًا: لماذا لا يحدثُ هذا في بلاد أخرى؟ أو إذا حصلت فهي ليست بالكثافة الحاصلة هنا! أليس المرضى في العقل موجودين في كل أنحاء الكرة الأرضية؟ ثم، أليس الشرُّ البغيض أيضًا قائم منذ أن قام قايين على أخيه هابيل وقتله! لكنه الآن يزداد مع تطوُّر الوسائل الإعلامية والسوشال ميديا. على كل حال نحن بحاجة إلى أن نذكّر أنفسنا أيضًا أننا لا نعيش في عصر شريعة الغاب كما عاش الناس منذ قرون عديدة، فحملوا السلاح ليدافعوا عن أنفسهم ووجودهم. بل إننا نعيش ضمن نظام الحكومات القائم لحماية الأفراد والعباد، أليس كذلك؟
تقول مصادر American Foundation for Suicide Prevention بأنَّ الانتحارَ يأتي في المرتبة الثانية عشرة من أسباب الموت في أميركا. وأنَّ 46 ألف شخص قد أقدموا على الانتحار في العام 2020. أما عدد الذين حاولوا الانتحار ولم يفلحوا فقد بلغ مليونًا وربع المليون تقريبًا.
ترى هل نسي كلُّ هؤلاء بأنَّ رحلة حياتنا تكادُ تكون مليئةً بالصراعات اليومية والمشاكل العديدة والمعاناة على كلِّ الأصعدة. أو ربما تناسى البعض أنَّ الإنسان يبقى محدودًا بطبيعته وهناك أشياء لا يقدر على مواجهتها بنفسه. لنأخذ مثلًا يهوذا الإسخريوطي أحد تلاميذ الرب يسوع المسيح الذي ومن كثرة ندَمه لأنَّه سلَّم سيده إلى اليهود بثلاثين من الفضة، لم يحتمل تأنيبَ الضمير وعقدةَ الذنب التي سيطرت على كيانه كلِّه. فماذا فعل؟ نراه ينزلق في بالوعة اليأس التي لم ينجُ منها للأسف، لأنَّ اليأسَ فتكَ به. فاتّخذ القرار الحاسم وقتل نفسه. نسي يهوذا الذي رافق المسيح برحلته على هذه الأرض بأنَّ معلمه يحبّه ويريد له الخير حتى ولو انزلق في الشرّ والخطيئة والخيانة. فلم يطلب منه الغفران بل وجد مخرجًا أو حلًّا لنفسه قاده إلى نهايةٍ مأساوية لا رجاءَ فيها ولا أمل بعيدًا عن محضر الله إلى الأبد.
أما بطرس يا صديقي، فيخبرنا الكتاب المقدس بأنه بعد أن حلَف ولعَن وأنكر بأنَّه لا يمتُّ إلى المعلّم بصِلَة وأنَّه لا يعرفه، لكن وبعد أن صاح الديك، تذكّر قول الرب يسوع له بأنَّه قبل أن يصيح الديك لسوف ينكره ثلاث مرّات، مضى وبكى بكاءً مرًّا. لم يستسلم لليأس أو الفشل، اكتأب طبعًا وحزن على فعلته وكذبه المتكرّر، لكنّه عاد وتاب عنها توبة حقيقيّة. نعم، رجع إلى حضن المعلِّم الذي أوكلَه على غنمِه.
وكما نقرأ أيضًا في سفر المزامير، نجد فيه التشكّرات والابتهالات كما ويحتوي على صلوات وتضرّعات وصرخات من الأعماق لأناسٍ عاديِّين وأنبياء وموسيقيِّين. هذه الصلوات هي بمثابة أحاديث لحنايا النفس الداخلية تعبِّر عن الألم والوجع والأنين بسبب ظروفٍ قاهرة متعدّدة منها الفقدان، والحرمان، وعدم الأمان، والشعور بالذنب وطلب الغفران من هذا الخالق الحنّان، المليء بكل صلاح وحبٍّ ورحمة للبشر. خذ مثلًا صلاة لـ [هيمان الأزراحي] الذي كتب المزمور 88 وهو في حالةٍ من اليأس والكآبة البليغة. لكنّه مع ذلك فإنَّ الدعوة إلى الله فيه تبدأ بالتعبير عن الإيمان والثقة إذ يقول: "يا رب إله خلاصي، بالنهار والليل صرخت أمامك، فلتأتِ قدَّامك صلاتي. أملْ أذنَك إلى صراخي، لأنَّه قد شبِعَت من المصائب نفسي، وحياتي إلى الهاوية دنَت. حُسبت مثل المنحدرين إلى الجبّ... عيني ذابتْ من الذلِّ. دعوتك يا رب كل يوم." هذا الموسيقي، نجده يعبِّرُ بكلماتٍ من الأعماق عن حاجته لله الذي يدعوهُ بثقةٍ "إله خلاصي." ويطلبُ منه النَّجاة والإنقاذ ممّا هو فيه من ذلٍّ وقهرٍ حتى أنَّ حياته دنتْ من الهاوية كما وصفها. أما النبي داود فنقرأ عنه كيف تضرَّع إلى الله حين أخطأ إليه وسقط في خطية الزنى، فصرخ طالبًا العفو والغفران عن ذنبه الكبير الذي لم يعدْ يحملُ ثقله في داخله فقال: "ارحمني يا الله حسبَ رحمتِك. حسب كثرةِ رأفتك امحُ معاصيَّ. اغسلْني كثيرًا من إثمي، ومن خطيتي طهِّرني. لأنِّي عارفٌ بمعاصيَّ، وخطيَّتي أمامي دائمًا." (مزمور 51)
أجل، مرَّ الكثيرون من رجال الله القُدماء بلحظات مرارةٍ، وألمٍ، وندمٍ، ويأسٍ، وقنوطٍ في الماضي، لكنَّهم لم يستسلموا إلى هذه المشاعر بل تراءوا أمام الله الإله المحبّ، والحنون، والتجأوا إليه ودوَّنوا أنَّات قلوبهم وآهات نفوسهم في قصائد وجدانيّة معبّرة تمامًا عن حالةٍ يمرُّ بها كلُّ إنسان في كل عصر وآن. حتى يكونوا بالتالي مثالًا لنا لنتبع خطواتهم ونتعلّم منهم ومن اختباراتهم. وختامًا، فإنَّ ما كتبه لويس جونس Lewis E. Jones في العام 1901 في ترنيمته هذه يشهد عن مِرساة نفسه في صخب هذه الحياة واضطرابها فقال:
إنْ حاقَ بي اضطراب في سبُل الحياة،
أو عصفَتْ رياحٌ وطغَتِ المياه،
فإنَّما مِرساتي صخرُ الرجا الوحيد
ربي يسوعُ الفادي عوني الأكيد
أرسيتُ في المسيح ملَاذيَ الوحيد،
أرسيتُ في المسيح، عماديَ الوطيد،
فالموجُ إنْ هاج في صخبِهِ الشديد،
ففي يسوعَ صخري أرسيتُ.
أجل، فهو المخلص الوحيد والملاذ الأمين الذي يأتي بك إلى شاطئ الأمان. فهل تعرَّفت إلى رئيس الكهنة العظيم القادر أن يعينك لأنه مجرَّبٌ في كل شيء مثلَنا؟ عندها تهدأ نفسك ويملأ السلام قلبك ويبزغ الرجاء من جديد في حياتك لأن "المسيح فيكم رجاء المجد." وتصبح الحياة العابرة هذه ذات معنى ومغزى لأنك فيها قرّرت مصيرك الأبدي.

المجموعة: آب (أغسطس) 2022

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

132 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
11576836