"هم يبنون والرب يهدم." (ملاخي 4:1)
يبدأ هذا الأصحاح بإعلانٍ من أروع الإعلانات. هذا الإعلان خرج من فم الرب الصادق الأمين،
ومع كل أسف كان ردّ الشعب ردًّا جافًّا إن دلّ على شيء إنما يدلّ على النكران والجحود. فضرب لهم الرب مثلًا واقعيًّا قال فيه: أليس عيسو أخًا ليعقوب، يقول الرب، وأحببت يعقوب وأبغضت عيسو، وجعلت جباله خرابًا وميراثه لذئاب البرية؟"
إنه لا يتحدّث عن عيسو ويعقوب كشخصين ولكن كشعبين وأمتين. بدّل قول أدوم (عيسو) إلى "قد هُدمنا (ولم يقل قد هُدمتُ)، فنعود ونبني الخرب. هكذا قال رب الجنود: هم يبنون وأنا أهدم." ولست أريد أن أتحدّث عن هذا البناء والهدم من ناحية عيسو والرب ولكن من ناحية الشيطان الذي يرمز إليه عيسو. فالشيطان وجنوده يبنون والرب يهدم. ولي معكم ثلاث كلمات:
أولاً: الجدران المبنية
الشيطان يبني جدرانًا بيننا وبين الله. وبيننا وبين وسائط النعمة وبيننا وبين بعضنا البعض.
1- يبني جدارًا بيننا وبين الله
يبني جدارَ التشكيك في وجوده معنا، وفي جوده، وفي وعوده.
يشككنا في وجوده معنا
قال ملاك الرب لجدعون: "الرب معك يا جبار البأس." فقال جدعون: "أسألك يا سيدي، إن كان الرب معنا فلماذا أصابتنا كل هذه؟"
وهذا ما يقوله لنا: لو كان الله معكم، فلماذا تتضايقون وتتألّمون؟ الحقيقة إن الرب معنا وسأذكر آية واحدة من عشرات الآيات: "وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر."
ثم يشككنا في جوده... في جود محبَّته تقول: هل أنت مصدِّق أن الله بيحبّك؟ طيب بيحبَّك على إيه؟
ثم يشككنا في جوده وإحساناته. يقول للمؤمن: شوف، هناك أناس أحسن منك حالاً وأكثر منك مالاً، وأعظم منك جاهًا، وأنت عايش على الفتات.
ويشككنا أيضًا في وعوده. يقول للمؤمن: "ورّيني وعدًا تمّمه الرب معك. الرب تمّم ويتمّم وسيتمّم كلّ مواعيده.
2- يبني جدارًا بيننا وبين وسائط النعمة: الصوم
يقول للمؤمن: أنت لا تقدر أن تتحمّل الصوم! وأيضًا، لديك أدوية تأخذ بعضها قبل الأكل وبعضها بعده. وكيف تستطيع أن تصوم وأنت في العمل الشاق الذي تقوم به.
ثم جدار بيننا وبين الصلاة
إن أكثر شيء نحتاجه هو الصلاة وأقلّ شيء نمارسه هو الصلاة. يقول للمؤمن: إن الصلاة لا تغيّر مشيئة الله، فلا لزوم لها.
أودّ هنا أن أشير إلى اختبارٍ حدث معي وأنا في بداية خدمتي. قال لي الشيطان: "إنتَ بتصلّي في الزيارات، وفي الكنيسة، وقبل الأكل، وقبل النوم، وأول ما تصحى... هذا يكفي..." وقد نفّذت كلامه لمدة أسبوع ووجدت نفسي في ضعف روحي شديد. أشكر الله لأني انتصرت عليه وعدت إلى فرص الشركة والصلاة المخدعيّة.
يضع جدارًا بيننا وبين الكتاب المقدس
يقول: "الكتاب... أنت قرأته كثيرًا... كفاية... وبعدين فيه حاجات صعبة. وأيضًا ماعندكش وقت... ريِّح عينيك شويِّة..."
ويبني جدارًا بيننا وبين حضور الاجتماعات بقوله: "أنت مُنهك وطوال الأسبوع أنت شغّال! خذ اليوم ده راحة في البيت وفيه ناس يهملون حضور الاجتماعات ويزورون بعضهم بعضًا..."
ويبني جدارًا بيننا وبين بعضنا البعض... يضع إسفين بين اثنين أو أكثر!
أذكر مرة جاءني شخص وقال لي: "يا أنا أو يا فلان في الكنيسة!" فقلت له: "وإيه إللّي يمنع أن تكونوا أنتما الاثنين؟" قال: دا أنا لما باشوفه باتجنّن... أنا مش طايق أشوفه.!!!
ثانيًا: الحقيقة المعزية
"هم يبنون وأنا أهدِم..." شكرًا للرب! لأنه يهدم كل الجدران التي يبنيها عدوّ الخير، وسأذكر بعض الأشخاص الذين هدم الرب الجدران التي بناها الشيطان أمامهم.
لقد بنى أمام يوسف جدرانًا قويّة إذ جعل إخوته يبغضونه ولما رأوه من بعيد فكّروا في قتله، ولكن بتدبيرٍ إلهي باعوه؛ وفي بيت فوطيفار بنى جدارًا قويًّا باستخدام زوجة فوطيفار... وتطوّر الأمر إلى دخوله السجن ولكن شكرًا للرب لأنه هدم كل الجدران ورفّعه وجعله رئيس الأرض كما قال عنه إخوته.
وبنى جدارًا قويًّا أمام مردخاي إذ جعل هامان يبغضه لأن مردخاي رفض السجود لهامان... وقاد الشيطان هامان لأن يصنع صليبًا ويصلب عليه مردخاي... في تلك الليلة طار نوم الملك وجِيء أمامه بسفر تذكار أخبار الأيام، فقُرئت أمامه فوُجد مكتوبًا فيه ما أخبر به مردخاي عن بغثان وترش خصيَيّ الملك اللذين طلبا أن يمدّا أيديهما للملك. فسأل الملك: "أية كرامةٍ وعظمةٍ عُملت لمردخاي لأجل هذا؟" فقالا: "لم يُعمل معه شيءٌ." وإذا بهامان داخل ليأخذ موافقة الملك على صلب مردخاي. فسأله الملك: "ماذا يُعمل لرجلٍ يُسرّ الملك بأن يكرمه؟..." فقال: "إِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي يُسَرُّ الْمَلِكُ بِأَنْ يُكْرِمَهُ يَأْتُونَ بِاللِّبَاسِ السُّلْطَانِيِّ الَّذِي يَلْبَسُهُ الْمَلِكُ، وَبِالْفَرَسِ الَّذِي يَرْكَبُهُ الْمَلِكُ، وَبِتَاجِ الْمُلْكِ الَّذِي يُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ، وَيُدْفَعُ اللِّبَاسُ وَالْفَرَسُ لِرَجُلٍ مِنْ رُؤَسَاءِ الْمَلِكِ الأَشْرَافِ، وَيُلْبِسُونَ الرَّجُلَ الَّذِي سُُرََّّ الْمَلِكُ بِأَنْ يُكْرِمَهُ وَيُرَكِّّبُونَهُ عَلَى الْفَرَسِ فِي سَاحَةِ الْمَدِينَةِ، وَيُنَادُونَ قُدَّامَهُ: هكَذَا يُصْنَعُ لِلرَّجُلِ الَّذِي يُسَرُّ الْمَلِكُ بِأَنْ يُكْرِمَهُ." فَقَالَ الْمَلِكُ لِهَامَانَ: "أَسْرِعْ وَخُذِ اللِّبَاسَ وَالْفَرَسَ كَمَا تَكَلَّمْتَ، وَافْعَلْ هكَذَا لِمُرْدَخَايَ الْيَهُودِيِّ الْجَالِسِ فِي بَابِ الْمَلِكِ. لاَ يَسْقُطْ شَيْءٌ مِنْ جَمِيعِ مَا قُلْتَهُ."
وبنى جدارًا أمام الرجال الثلاثة شدرخ وميشخ وعبدنغو بأن جعل الملك يصنع تمثالًا من ذهب ويضعه بجوار آلهته وعندما يسمع الناس عزف الآلات الموسيقية المتعددة أن يأتي كلّ واحد ويسجد لتمثال الذهب. من لا يسجد يُطرح في أتون النار. وعزفت الآلات الموسيقية وسجد الجميع إلا هؤلاء الثلاثة رجال. لما علم الملك بذلك دعاهم وتحدّث إليهم ولكنهم رفضوا السجود لتمثال الذهب وعبادة آلهته. فطُرحوا في أتون النار ولكن الرب نزل ودخل معهم أتون النار وأنقذهم وجعل للنار سلطانًا على قطع الأربطة والقيود ولكن شعرة من رؤوسهم لم تحترق.
بنى الشيطان جدارًا قويًا أمام دانيآل جعل الملك يعمل باقتراح البعض أنه لمدة 30 يومًا لا يطلب أحد من إله أو إنسان غير الملك وإلاّ يُطرح في جب الأسود – ولكن دانيآل لم يبالِ بأمر الملك وطلب وصلّى لإلهه ثلاث مرات في اليوم كما كان يفعل قبل ذلك. أُلقِي دانيآل في جب الأسود ولكن الله أرسل ملاكه وسدّ أفواههم فلم تضرّه... وأُلقي أعداء دانيآل هم وأسرهم فأكلتهم الأسود.
ثالثًا: الواجبات الحتمية
1- ثق: تقول كلمة الله: "لا تطرحوا ثقتكم التي لها مجازاة عظيمة." لما أعلن أليشع في وقت المجاعة الشديدة "غدًا تكون كيلة الدقيق بشاقل وكيلتَي الشعير بشاقل شكّ الجندي الذي كان يستند عليه الملك في هذا الكلام فقال له أليشع: ترى بعينيك ولا تأكل منه. ثِقْ في عظمة إلهك... ثق في محبته إليك وقوته فإنه يقدر أن يهدم كل ما يبنيه عدوّ الخير.
2- أشكر إلهك الذي هدم ويهدم وسيهدم كل جدران يبنيها عدو الخير: تقول كلمة الرب: "اشكروا في كل شيء." "شاكرين الآب الذي أهّلنا..." ليكن عندنا شكر به نخدم الله خدمة مرضية كاملة."
3- افرح: افرح بالرب لأنه يهدم الجدران التي يبنيها عدوّ الخير ضدّك. فلا تكون إلا فرحًا."
"افرحوا لأن فرح الرب هو قوتكم."
