"وجاءَ إلَيهِ الفَرِّيسيُّون والصَّدُّوقِيُّونَ لِيُجَرِّبُوهُ، فسَأَلُوهُ أن يُرِيَهُم آيَةً منَ السَّماء. فأجابَ وقالَ لَهُم:
[إذا كانَ المَساءُ قُلتُم: صَحوٌ لأنَّ السَّماءَ مُحمَرَّةٌ. وفي الصَّباحِ: اليَومَ شِتاءٌ لأنَّ السَّماءَ مُحمَرَّةٌ بِعُبُوسَة. يا مُراؤُون! تَعرِفُونَ أن تُمَيِّزُوا وَجهَ السَّماءِ، وأمَّا علاماتِ الأزمِنَة فلا تَستَطِيعُون! جِيلٌ شِرِّيرٌ فاسِقٌ يَلتَمِسُ آيَةً، ولا تُعطَى لَهُ آيَةٌ إلّاَّ آيَةَ يُونان النَّبِيّ.] ثُمَّ تَرَكَهُم ومَضَى." (متَّى 1:16-4)
"لِذَلِكَ كُونُوا أنتُم أيضًا مُستَعِدِّينَ، لأنَّهُ في ساعَةٍ لا تَظُنُّون يأتي ابنُ الإنسان." (متى 44:24)
المُقَدِّمَة: ما أحوَجَنا في هذا العالَمِ المُضطَرِبِ والزَّمانِ المُتَقَلِّب، إلى تَمييزِ علامَاتِ الأزمِنَة. ولكنَّنا لا نَستَطيعُ إلى ذَلِكَ سَبيلًا بِمُجَرََّّدِ ادِّعائِنا بِالقُدرَةِ على النُّبُوَّة، بل بأن نَرجِعَ إلى ما كَتبَهُ الأنبياءُ في الأسفَارِ المُقدَّسَة، كما يَقُولُ سِفرُ الرُّؤيا 3:1، "طُوبَى للَّذِي يَقرَأُ وللَّذِينَ يَسمَعُونَ أقوَالَ النُّبُوَّةِ، ويَحفَظُونَ ما هُوَ مَكتُوبٌ فِيها، لأَنَّ الوَقتَ قَريب." لقد لَعِبَ الأنبِياءُ دَورًا مِفتاحِيًّا في تارِيخِ شَعبِ اللهِ، على صَعيدِ قِراءَةِ علامَاتِ الأزمِنَة، مِمَّا ساعَدَ الشَّعبَ الذي كَانَ يَسمَعُ نُبُوَّاتِهِم ويعمَلُ بِمُوجَبها، على تَجَنُّبِ الوَيلاتِ القادِمَة وعلى التَّأهُّلِ للبَرَكاتِ المَوعُودة. فلقد تنبَّأَ أشخاصٌ مثل إشَعياء وإرميا وحَزقيال ودانيآل وزَكَرِيَّا ومِيخَا ويُوحَنَّا اللَّاَّهُوتِي، في أَحرَجِ الظُّرُوفِ وأحلَكِ الأوقاتِ التي اجتازَها شَعبُ اللهِ في العَهدِ القَديم والكَنيسَة في العَهدِ الجَديد، للتَّحذيرِ مِن وَيلاتِ الجَرادِ، والجُوعِ، والحَربِ، والسَّبِي، والاضطِهَادِ. وفي الوَقتِ نَفسِهِ دَأَبَ أنبِياءٌ كَذَبَةٌ آخَرُونَ على تَخدِيرِ ضمائِرِ العالَمِ الخاطِئ قائِلينَ لَهُم: "... سَلامٌ، ولا سَلام، يَقولُ السيد الرب." فَمِن عَواقِبِ النُّبُوَّةِ الكاذِبَة:
الاستِهتَارُ بِكَلِمَةِ اللهِ ومواعِيدِها.
الإمعَانُ بالخَطِيَّة وتجاهُل عواقِبِها.
التَّشويش العقائِدِيّ على المُسَلَّماتِ الكِتابِيَّة.
الأمَانُ المُزَيَّف الذي يُخَدِّرُ ضَمائِرَ غَيرَ المُخَلَّصِين.
الفتُور الرُّوحِيّ لدَى المُخَلَّصِينَ.
المُصَادَقَة على تَوَقُّعَاتِ وتَحذِيراتِ ابنِ اللهِ عن الأزمِنَةِ الأخيرة.
وإحزَانُ الرُّوح القُدُس وإِغضَابُ الآب.
وَبَّخَ الرَّبُّ يَسُوعُ أهلَ زَمانِهِ مِنَ اليَهُود الذين لَم يُمَيِّزُوا هُوِيَّتَهُ الإلَهِيَّة المَسياوِيَّة ولم يُحسِنُوا قِراءَةَ علاماتِ الأزمِنَةِ: لأنَّهُم كانُوا يَهُودًا ولكن غَير مَسياوِيِّين، مُبصِرِينَ ولكن غَير مُتَبَصِّرين، سامِعينَ ولكن غَير مُنصِتِين، عاقِلينَ ولكن غَير فاهِمين، مُمَيِّزِينَ علامَاتِ السَّماءِ ولكن غَير قادِرينَ على قِراءَةِ الأزمِنَة، طالِبِينَ آيَةً منَ السَّماءِ ولكن رَافِضِينَ لِكَلِمَةِ اللهِ المُتَجَسِّد النَّازِلِ مِنَ السَّماء. واليَوم، يُوَبِّخُ الرَّبُّ يَسُوعُ أهلَ الزَّمانِ الحاضِرِ، لِكَونِهِم أذكِياءَ ولَكن غَير حُكَماء، أتقِياءَ ولكن غَير أقوياء "لَهُم صُورَةُ التَّقوى ولَكِنَّهُم مُنكِرُونَ قُوَّتَها"، غَيُّورِينَ مُتَعَصِّبينَ لِدياناتِهِم ولكن جَاهِلِينَ للهِ "لَهُم غَيرَةٌ ولكن لَيسَ حَسَبَ المَعرِفَة، مُتَدَيِّنِينَ ولكن غَير رُوحَانِيِّين، مُشَكِّكينَ ولكن غَير باحِثِينَ عَنِ الحَقّ، مُتَأَسِّفينَ على الشَّرِّ ولكن غَير تائِبينَ عَنِ الخَطِيَّة، مُصْلِحِينَ ولكن غَير مُتَجَدِّدِين، طَائِفِيِّينَ ولكن غَير مُؤمِنين، مَسِيحِيِّينَ ولكن غَير مُخَلَّصِين، دارِسينَ للمَاضِي بِعِلمِ الآثارِ ولكن مُتَجاهِلِينَ لإعلانِ اللهِ عَن نَفسِهِ في الكِتَابِ المُقدَّس، مُتَطَلِّعينَ لِلمُستَقبَلِ بالتِّكنُولُوجيا والبارابسيكُولوجيا وبالتَّبصيرِ، ولكن جَاهِلِينَ لِقراءَةِ الأزمِنَةِ برُوحِ النُّبُوَّةِ.
ماذا يُرِيدُ الرَّبُّ مِنَّا لِنَكُونَ بَرَكَةً؟
يُرِيدُنا أن نُحسِنَ قِراءَةَ الأزمِنَة:
1- بالتَّشَوُّقِ الرُّوحِيِّ: "أُدعُنِي فأُجِيبَكَ وأُخبِرَكَ بِعَظائِمَ وعوائِصَ لم تَعرِفْها." (إرميا 3:33). فهَل تَتَشَوَّقُ لِفَهمِ النُّبُوَّة؟
2- بِتَخَطِّي الظُّرُوف: تأمَّلُوا في رَدَّةِ فِعلِ حَبَقُّوق على النُّبُوَّاتِ المُخِيفَة التي تَلَقَّاها مِنَ الرَّبّ: "سَمِعتُ فارتَعَدَت أحشَائِي. مِن الصَّوتِ رَجَفَتْ شَفَتايَ. دَخَلَ النَّخرُ في عِظَامِي وارتَعَدْتُ في مَكانِي لأَستَرِيحَ في يَومِ الضِّيقِ عِندَ صُعُودِ الشَّعبِ الذي يَزحَمُنا. فَمَعَ أنَّهُ لا يُزهِرُ التِّين ولا يَكُونُ حَملٌ في الكُرُوم، يَكذِبُ عَمَلُ الزَّيتُونَةِ والحُقُولُ لا تَصنَعُ طَعامًا، يَنقَطِعُ الغَنَمُ مِنَ الحَظِيرَةِ ولا بَقَرَ في المَذَاوِد. فإنِّي أبتَهِجُ بالرَّبِّ وأَفرَحُ بإلَهِ خلاصِي." (حَبَقُّوق 16:3-18)
3- بِدَرسِ النُّبُوَّات: قالَ الرَّبُّ يَسُوع: "ها أنا آتِي سَريعًا. طُوبَى لِمَن يَحفَظُ أقوالَ نُبُوَّةِ هذا الكِتاب." (رُؤيا 7:22)
4- بِطَرحِ الخُرَافَات: "لأنَّنا لم نَتبَعْ خُرَافَاتٍ مُصَنَّعَةً إذ عَرَّفناكُم بِقُوَّةِ رَبِّنا يسُوع المَسيح ومَجيئِهِ بل قد كُنَّا مُعَايِنِينَ عَظمَتَهُ." (2بُطرُس 16:1)
5- بالمُقارَنَةِ والتَّفضيل: فاضِلْ بَينَ المُستَقبَلِ القَاتِم الذي يَعِدُ بِهِ العالَمُ الشِّرِّير، وبينَ أُورشَليم السَّماوِيَّة التي يَعِدُ بها يسُوع.
6- بالتَّطَهُّرِ بالرَّجاء: يَقُولُ الكِتابُ: "كُلُّ مَن عِندَهُ هذا الرَّجَاء بِهِ يُطَهِّرُ نَفسَهُ كما هُوَ [يَسُوع] طَاهِر."
7- بِطاعَةِ ومَحَبَّةِ الرَّبِّ الذي نَنتَظِرُهُ: قالَ يسُوع، "الذي يصنَعُ وَصاياي فهُوَ الذي يُحِبُّني. والذي يُحِبُّني... أُظهِرُ لَهُ ذاتِي."
مَطلُوبٌ مِنَّا أن نتحلَّى بالمَواقِفِ التَّالِيَة
1- أن نقتَنِعَ بما أعطاهُ اللهُ في الإعلان: مُعظَمُ النَّاسِ المُتَدَيِّنِينَ، إذا شَعَرُوا بالحاجَةِ للاقتراب مِنَ اللهِ وإلى مَعرِفَتِهِ، يتجاهَلُونَ ما أعلَنَهُ اللهُ عَن نَفسِهِ في الأسفارِ المُقدَّسَةِ وفي شَخصِ المَسيح، ويَختَلِقُونَ دِيانَةً مِن صُنعِهِم مُحاوِلينَ أن يَشُقُّوا طَريقًا خاصًّا بِهِم إلى السَّماء، أو أن يَطلُبُوا مُعجِزَةً لِتَبديدِ شُكُوكِهِم، مُتَجَاهِلينَ مُعجِزَةَ سِرِّ التَّقوَى، الله الذي ظَهَرَ في الجَسَد، وكانَ واقِفًا أمامَهُم. لأُولَئِكَ ولأَمثَالِهِم يَقُولُ المَسيحُ اليَومَ: "جِيلٌ شِرِّيرٌ وفاسِقٌ، يَلتَمِسُ آيَةً ولا تُعطَى لَهُ آيَةٌ إلاَّ آيَةُ يُونان النَّبِيّ." إنَّها آيَةُ المَوتِ والقِيامَة، مَوت ابنِ اللهِ بدَلاً عن كُلِّ ابنِ آدمَ وقيامَتهِ بدلاً عن كُلِّ مَن ماتَ مَعَهُ. الغَنِيُّ في قِصَّتِهِ معَ لِعازار، حتَّى بَعدَ مَوتِهِ، طَلَبَ آيَةً لِتَبشيرِ إخوَتِهِ الأحياء، فكانَ جَوابُ إبراهِيم: "عِندَهُم مُوسَى والأنبِياء."
2- أن نتيَقَّنَ أنَّ اللهَ يُمسِكُ بِزِمامِ السِّيادَةِ والسُّلطان: يَعيشُ النَّاسُ في كُلِّ زَمَانٍ ومكانٍ في ذِهنِيَّةِ الإفلاتِ منَ العِقاب، ظانِّينَ أنَّ السَّيطَرَةَ أفلَتَتْ مِن يَدِ الله. لِهَؤُلاء ولِجَميعِ الذين لا يَقرَأُونَ الأزمِنَةَ بِمَخافَةِ الله، يَقُولُ الرَّبُّ: "افرَحْ أيُّها الشَّابُّ بِحَداثَتِكَ، ولِيَسُرَّكَ قَلبُكَ في أيَّامِ شَابِكَ، واسلُكْ في طُرُقِ قَلبِكَ وبِمَرأَى عَينَيك، واعلَمْ أنَّهُ على هذه الأُمُور كُلِّها يَأتِي بِكَ اللهُ إلى الدَّينُونَة... لأنَّ اللهَ يُحضِرُ كُلَّ عَمَلٍ إلى الدَّينُونَةِ على كُلِّ خَفِيٍّ إن كانَ خَيرًا أو شَرًّا."
3- أن نَنتَظِرَ ونُمَيِّزَ ظُهُورَ عَلامَةِ ابنِ الإنسان: "وفِيما هُوَ جالِسٌ على جَبَلِ الزَّيتُون تقدَّمَ إلَيهِ تلامِيذُهُ على انفِرادٍ قائِلينَ قُلْ لنا متَى يَكُونُ هذا وما هِيَ علامَةُ مَجيئِكَ وانقِضَاءُ الدَّهر؟ ... ولِلوَقتِ بعدَ ضِيقِ تِلكَ الأيَّامِ تُظلِمُ الشَّمسُ والقَمَرُ لا يُعطِي ضَوءَهُ والنُّجُومُ تَسقُطُ مِنَ السَّماءِ وقُوَّاتُ السَّماواتِ تَتَزَعزَع. وحِينئِذٍ تَظهَرُ علامَةُ ابنِ الإنسانِ في السَّماء. وحِينَئِذٍ تَنُوحُ جَميعُ قَبائِلِ الأرضِ ويُبصِرُونَ ابنَ الإنسانِ آتِيًا على سَحابِ السَّماءِ بِقُوَّةٍ ومَجدٍ كَثير." (متَّى 3:24، 29-30). يُحَذِّرُ بُطرُس قائِلاً في 2بُطرُس 3:3-4، و9 "عالِمِينَ هذا أوَّلاً أنَّهُ سيأتِي في آخِرِ الأيَّامِ قَومٌ مُستَهزِئُونَ سالِكِينَ بِحَسَبِ شهواتِ أنفُسِهِم. وقائِلينَ أينَ هُوَ مَوعِدُ مَجيئِهِ لأنَّهُ مِن حِين رَقدَ الآباءُ كُلُّ شَيءٍ باقٍ هكذا مِن بَدءِ الخَليقَة... لا يتَبَاطَأُ الرَّبُّ عَن وَعدِهِ كما يَحسِبُ قَومٌ التَّباطُؤَ لَكِنَّهُ يتأنَّى علَينا وهُوَ لا يَشاءُ أن يَهلِكَ أُناسٌ بَل أن يُقبِلَ الجَميعُ إلى التَّوبَة."
الخاتِمَة: صلاتُنا هي أن يُسَارِعَ كُلُّ قارِئ قَبلَ فَواتِ الأوان، إلى الاستعداد لِمَجيءِ الرَّبِّ يسُوع، وذَلِكَ بِقُبُولِهِ بالتَّوبَةِ والإيمانِ والتَّجدِيد بالرُّوحِ القُدُس، مثل العَذارى الحَكيمات اللَّواتِي كُنَّ مُستَعِدَّاتٍ فملأْنَ مصابِيحَهُنَّ زَيتًا، أمَّا الجاهِلاتُ فلا. "وفيما هُنَّ ذاهِباتٌ لِيبَتَعنَ جاءَ العَريسُ والمُستَعِدَّاتُ دَخَلنَ مَعَهُ إلى العُرسِ وأُغلِقَ الباب." (متَّى 10:25).
