Voice of Preaching the Gospel

vopg

تساؤلٌ تردَّد كثيرًا خلال حياة المسيح على الأرض، والإنجيل سجّل الوقائع كما وردت، وعَرِفَ بطبيعةِ من تساءلوا... فالبعض تساءلوا استنكارًا لحقيقةٍ مُرعبة مثُلتْ أمامهم واضحة في نور الشمس فأَقلقتهم

لأنها على غير ما رغبوا، وفي انزعاجهم لم يعطوا أنفسهم فرصة للبحث والتعرّف على الحقيقة، بل عبَّروا عن استيائهم وتساءلوا باستنكار: "من هو هذا؟" وبعضٌ تساءلوا يُغالبهم الخوف على مصالحٍ ومكتسباتٍ قد تتعرّض للضياع لو صدُق ما أُشيع عن المسيح من مجد وجلال، فتساءلوا بارتياب: "من هو هذا؟"
وآخرون تساءلوا باندهاشٍ وإعجابٍ بعد أن لاحظوا في المسيح ما يفوق القدرة على الاستيعاب، فقالوا: "من هو هذا؟"
هذه حالات ومواقف لأناسٍ يعيشون اليوم أمثالٌ منهم بيننا، ونلتقي بهم ونناقشهم ونشرح لهم ونوضّح الأمور... وبعضهم يُصرّ بعنادٍ لتبقى الغشاوة على العينين لتمنع الرؤيا وتبقى الحقيقة مُبهمة، ومع ذلك والشكر لله فبين هؤلاء من يتقبّل الحقيقة بابتهاج ويشهدون عن اختبار نقلهم من الظلمة إلى النور، وبعضٌ من هؤلاء دفع ضريبةً غاليةً، لكنهم ربحوا الأبدية!
التقى المسيح يومًا بجماعةٍ من اليهود في بيت أحدهم، وخلال اللقاء دخلت على المجلس امرأة وبيدها قارورة طيبٍ غالية الثمن فسكبته على رجليه ومسحتهما بشعر رأسها وهي تبكي ندمًا على ماضٍ خاطئٍ مرّت به، فما كان منه إلا أن قال لها بدون مقدّمة: "مغفورةٌ لكِ خطاياكِ." (لوقا 48:7)
هنا صُعق الحاضرون من اليهود وتساءلوا مستنكرين: "من هذا الذي يغفر خطايا أيضًا؟" أليس ذلك من اختصاصِ اللهِ وحده؟!
ويتكرّر المشهد، لكن هذه المرّة مع إنسانٍ وثنيٍّ صاحب شأنٍ عالٍ، هو هيرودس ملك البلاد، فقد سمع هيرودس الكثير عن المسيح، ومعجزاته العظيمة وارتابَ... فقال: "يوحنا أنا قطعت رأسه. فمن هو هذا الذي أسمع عنه مِثْلَ هذا؟" أي، أنت قطعتَ رأسَه وقامَ من الأموات!... فازداد الرجل ارتيابًا وداخله خوفٌ ووقع في حيرة وتساءل: "فمن هو هذا الذي أسمع عنه مثل هذا؟" واستمرّت حيرة الرجل إلى أنِ انتهت أيامه، وفاته التعرّف على حقيقة من هو المسيح وخسر الأبدية رغم سهولة الوصول إليها، إذ أن المسيح (كإنسان) كان يُعتبر في عُرف النظامِ كواحِدٍ من رعاياه (لوقا 7:9-9).
ومن العجيب أن التساؤلَ نفسه ردَّدته جماعة من تلاميذه، وكانوا قد أبحروا يومًا في سفينةٍ في بحيرة طبرية والمسيح معهم، فأثناء العبور اضطجع هو في مؤخرة السفينة مُتعبًا ونام، فنزل نَوْءُ ريحٍ عاصفةٍ على البحيرة وأخذت الأمواج تضرب السفينة بعنفٍ، فسارعوا إليه وأيقظوه قائلين: "يا معلِّم، إننا نهلك!" (لوقا 24:8) فقام وانتهر الريحَ وتموُّجَ الماءِ، فهدأت العاصفة في الحال وكأنّ شيئًا لم يكن! فتعجّب هؤلاء وتهامسوا فيما بينهم مُنذهلين وقالوا: "من هو هذا؟ فإنه يأمرُ الرِّياحَ أيضًا والماءَ فتطيعُه!"
كثيرون بيننا اليوم يسمعون عن المسيح، ويقرأون عنه ويلمحون فيه الكثير من الأسرار المُذهلة فيحاول البعض أن يُفسِّر المشهد على مزاجِه هو ليُهوِّن مما ترمي إليها، إمعانًا في عدم قبول الحقيقة كما هي، ويبقى في أعماق النفس خزينٌ خفيٌّ من تساؤلاتٍ مُحيِّرة حول من ترى يكون المسيح؟!
والبعض يتوقّف عند مجرّد التساؤل بصمٍّ في داخله... وتبقى الحيرة تراوح مكانها، ويمرّ الوقت، وتنطوي الصفحة، ويفوت قطار الزمن، وينتقل هذا وذاك إلى عالم الأبدية في جهل لأعظم حقيقة يتوقَّفُ عليها المصيرُ الأبديّ!
وبدورنا نتساءل: بمَنْ يمكنْ أن يُقارَن المسيح في ميلادِه، وفي طُهرِ حياتِه... وفي نقاءِ سيرتِه... وفي أقوالِه... وفي معجزاتِه التي تصل لمستوى خلقِ الشيءِ من عدمٍ، كما فعل مع الرجلِ المولودِ أعمى فخلق له البصر؟!
مَنْ غيره دحَرَ الموتَ بقوةٍ ذاتيّةٍ كان قد أعلن عنها قبل أن يُصلب لفدائنا؟! وبقيامته أثْبَتَ صِدْقَ ما نادى به وعلَّمَ!
ومَنْ غيره صعد إلى السماء، لا في خيال أتباعه أو في أحلامهم، بل في مشهدٍ حيٍّ على مرأى منهم في وضح النهار؟! وهو صادقٌ فيما وعد، وسيأتي عن قريب! ومن غيره ترك في نفوس أتباعه روح التسامح والرحمة والحب والحنان والمُثُل الإنسانية كما هو.
ومن غيره نشر تعاليمه فعمّت العالم أجمع دون أن يحمل سيفًا، أو يُشكّل جيشًا من غُزاة، ولا شحن أتباعه بالخطب الحماسيّة لمقارعة أعدائهم، بل قال: "أحبّوا... اغفروا... أحسنوا... لا تقاوموا الشر بالشر! أحبّوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مُبغضيكم.
"أنتم ملح الأرض"، حافظوا على ملوحته، "أنتم نور العالم"، فالعالم من دونكم في ظلام... لا تضعوا السراج تحت المكيال لئلا ينطفئ... فليضئ نوركم قدّام الناس لكي يهتدوا به ويدركوا الحقيقة ويرونني فيكم ويعرفونني من خلالكم!
بقي أن نقول إن هوية المسيح ومصداقيّته يشهد لها سلوك شعبه المنتمين له بحقّ من أي طائفة كانوا (أقول: المنتمين بحقّ) فهؤلاء عندما تجد فيهم السماحة، والصدق، والأمانة، وطيب المعشر، وحسن الجوار، اعلمْ أن هوية مسيحهم التي ينادون بها، هي عين الصواب، لأن مسيحًا مُزيّفًا، أو إنجيلًا مُحرّفًا لا يصنع في أتباعه مثل هذا المستوى من التحضُّر، والطيب، والخلق الحميد، فالشجرة تُعرفُ من ثمارها، وهل يُجتنى من الشوك عنبًا أو من الحسك تينًا؟
ولِنقُلها صراحةً إن الباحث الجاد لن يصل إلى حقيقة من تُرى يكون المسيح، إلا بالاقتراب منه شخصيًّا، والتعرّف عليه عن كثب، والتحاور معه مباشرة بلا وسيط... فلو فعل، يُنتزع البُرقعُ عن العينين، وتسقط قشورٌ حجبت الرؤيا، فتتكشّف الحقيقة واضحةً جليّةً، ويتدفّق في القلب موجٌ هائل من البهجة والسلام الذي لا مثيل له.
المسيح نفسه دعا للحوار والتقارب إذ قال: "تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم." وقال: "هنذا واقف على الباب وأقرع، إن سمع أحد صوتي وفتح الباب، أدخل إليه، وأتعشى معه وهو معي." (متى 28:11؛ رؤيا 20:3)

المجموعة: شباط (فبراير) 2022

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

140 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10631945