تحضرني قصة تلك الفلّاحة التي كانت تحمل على رأسها قفصًا مملوءًا بالطيور والفراخ وتسير به متعبة لتبيعه في السوق، فرأها سائق سيارة نصف نقل، فشفق عليها وأركبها في سيارته.
وبعد بضعة أمتار رآها وهي تحمل على رأسها القفص، فقال لها: لماذا ما زلت تحملين القفص على رأسك؟ فأجابته ببساطة: يا ابني، كتر خيرك! أنا مش عايزة أثقّل على سيارتك، كفاية أنا وبلاش القفص؟
يريدنا الله أن نضع أحمالنا عليه، ونفوسنا والقفص وكل ما لنا ليخفّف عنا الأحمال.
ضع حملك في مركبته، واترك الدفة في يده، وألقِ عليه كل حملٍ لك لأنه قال: "تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيليّ الأحمال، وأنا أريحكم." ويقول أيضًا: "مبارك الرب، يومًا فيومًا يُحَمِّلنا إله خلاصنا." (مزمور 19:68)
والكلمة "يُحَمِّلنا "الواردة في هذه الآية، جاءت في الأصل بمعانٍ ثلاث حسب الترجمات المختلفة:
1- يُحمِّلنا، أي يحمِّلنا بخيراتٍ loadeth us with benefits وعطايا، ويزوّدنا بالبركات
2- يحمل أحمالنا bears our burdens يخفِّف الحمل عنا.
3- يرفعنا ويحملنا Who bears us up
استخلصنا موضوعنا من هذه المعاني: ألقِ على الرب أحمالك واتركها عليه! لماذا؟
أولًا: ألقِ حملك على الرب لأنه الغني، الذي يسدّد جميع احتياجاتك ويُحَمِّلك بالعطايا ويمنحك الخيرات
يقول: "أَوْصِ الأَغْنِيَاءَ فِي الدَّهْرِ الْحَاضِرِ أَنْ لاَ يَسْتَكْبِرُوا، وَلاَ يُلْقُوا رَجَاءَهُمْ عَلَى غَيْرِ يَقِينِيَّةِ الْغِنَى، بَلْ عَلَى اللهِ الْحَيِّ الَّذِي يَمْنَحُنَا كُلَّ شَيْءٍ بِغِنًى لِلتَّمَتُّعِ." (1تيموثاوس 17:6) لاحظ العبارة "الله الحيّ الذي يمنحنا كل شيءٍ بغنًى للتمتّع." الله الغني يعدنا عندما نلقي أحمالنا عليه ونثق فيه أنه يمنحنا كل شيء وبغنًى للتمتّع. وتأكيدًا لذلك يقول: "الذي لم يشفق على ابنه، بل بذله لأجلنا أجمعين، كيف لا يهبنا أيضًا معه كل شيء؟" (رومية 32:8)
ويقول داود: "مسحت بالدهن رأسي. كأسي ريَّا. إنَّما خيرٌ ورحمةٌ يتبعانني كل أيام حياتي..." (مزمور 5:23-6) وهنا يصف خيرات الله الغني الفائضة عليه في كل حياته، ويصوّرها هنا تصويرًا بديعًا بكثرة فيضانها، تزحف إليه وتتبعه لتغطّي كل احتياجاته... تجرى وراءه وتبحث عنه... بينما هو لا يجرى وراءها ولا يبحث عنها... ويذكر اختباره قائلًا: "أَيْضًا كُنْتُ فَتىً وَقَدْ شِخْتُ، وَلَمْ أَرَ صِدِّيقًا تُخُلِّيَ عَنْهُ، وَلاَ ذُرِّيَّةً لَهُ تَلْتَمِسُ خُبْزًا. الْيَوْمَ كُلَّهُ يَتَرَأَّفُ وَيُقْرِضُ، وَنَسْلُهُ لِلْبَرَكَةِ." (مزمور 25:37-26)
ويتغنَّى شاكرًا فيقول: "بَارِكِي يَا نَفْسِي الرَّبَّ وَكُلُّ مَا فِي بَاطِنِي لِيُبَارِكِ اسْمَهُ الْقُدُّوسَ. بَارِكِي يَا نَفْسِي الرَّبَّ وَلاَ تَنْسَيْ كُلَّ حَسَنَاتِهِ."
ويقول يعقوب: "صَغِيرٌ أَنَا عَنْ جَمِيعِ أَلْطَافِكَ وَجَمِيعِ الأَمَانَةِ الَّتِي صَنَعْتَ إِلَى عَبْدِكَ. فَإِنِّي بِعَصَايَ عَبَرْتُ هَذَا الأُرْدُنَّ وَالْآنَ قَدْ صِرْتُ جَيْشَيْنِ." (تكوين 10:32)
لقد باركه الرب بركات زمنية كثيرة حتى أصبح جيشين. باركه في زواجه، وأولاده، وعبيده، ومقتنياته...
باركه بركات روحية عديدة، وغير اسمه في مخاضة يبّوق من يعقوب إلى إسرائيل أمير الله وحوله إلى إنسان آخر.
يعطينا الرب ما نحتاج إليه بسخاء... عنده مخازن مملوءة بالبركات والخيرات، لا تنقص بل فائضة دائمًا كل يوم، وإحساناته جديدة كل صباح، لأنه يومًا فيومًا يحمّلنا بالخيرات.
لم يعطنا الرب بركات زمنية فقط بل بركات روحية أعظم: يغفر خطايانا، ويضمن مستقبلنا الأبدي، ويمتّعنا بالسلام والسعادة، يحررنا من الخوف، ويعطينا راحة الضمير...
روى "تشارلز دوك" - أحد رواد الفضاء في رحلة أبولو 16 عام 1973 - هذا الاختبار: "قبل الرحلة لم يكن لي صلة بالرب يسوع، بل كنت بعيدًا كل البعد عنه. وبعد الرحلة ونجاحها تمتّعت بشهرة عظيمة خاصة بعد لقائي بالرئيس ريتشارد نيكسون، وأصبحت رجلًا ثريًّا أتمتّع بصحة جيدة كرجل فضاء. لكنني كنت أعيش في قلق وعدم راحة... ولما حاولت زوجتي الانتحار تساءلت: أين السعادة؟ دخلت الكنيسة لأول مرة في حياتي، واستمعت إلى الترانيم والى عظة حول الآية "أتيت لتكون لهم حياة ويكون لهم أفضل"، وأيقنت أن السعادة الحقيقية هي في شخص الرب يسوع. وبعد أن قبلت المسيح في حياتي، أصبحت أقرب إلى الله وأنا على الأرض منه وأنا فوق في الفضاء.
ألقِ حملَك على الرب يسوع، لأنه يعتني بنا ويعطينا ويزودنا ويباركنا بكل ما نحتاج إليه روحيًا وماديًّا لأنه هو الله الغني الذي يملأ كل احتياج "بحسب غناه في المجد." (فيلبي 19:4)
ثانيًا: ألقِ حملك على الله لأنه هو القادر أن يحملها جميعًا فيريحك.
"الله لنا ملجأٌ وقوّة. عونًا في الضيقات وُجِدَ شديدًا." (مزمور 1:46) إن دعوة الرب يسوع هي لكل واحد منا: "تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيليّ الأحمال، وأنا أريحكم." (متى 28:11) لقد حمل عنّا ثقل الخطية وهي أثقل الأحمال! "الذي حمل هوَ نفسُه خطايانا في جسده على الخشبة، لكي نموت عن الخطايا فنحيا للبر. الذي بجلدتِه شُفيتُم." (1بطرس 24:2)
فهل يعجز أن يحمل أحمالنا الأخرى؟ إنه القويّ القدير الذي يحمل ثقل أحزاننا، وأمراضنا، وهمومنا، وتجاربنا، ومشاكلنا، واضطهاداتنا، ومتاعبنا، وأثقل أحمالنا وأتعابنا. "لكن أحزاننا حملها، وأوجاعنا تحمّلها." (إشعياء 4:53)
جاء في عظة ألقاها الصادهو سندر سنغ، الهندي الأصل أن رجلًا قَبِلَ المسيح في نيبال، فأخذوه إلى أعلى الجبل وطرحوه إلى أسفل. لم يمت الرجل ولكن كُسِرت ذراعه وأُصيب بجروحٍ ورضوضٍ في كل أجزاء جسمه. وكان يحسّ بظمأٍ قاتل فتساءل بألمٍ وذهول: هل نسيتني يا يسوع؟ وعلى الفور سمع صوتًا يقول له: "ها أنا معك!" وسمع خرير مياه جارية، ثم شعر أنه يشرب ماءً من راحةِ شخصٍ مرةً واثنتين وثلاث. وفى المرة الثالثة استفاق قليلًا وتطلّع إلى اليد التي تسقيه فرأى فيها آثار المسامير. أَلقِ حملك عليه فيريحك.
ثالثًا: ألقِ حملك على الله لأنه هو الآب المحب الذي يحملك ويرفعك
يقول في إشعياء 11:40
"كَرَاعٍ يَرْعَى قَطِيعَهُ. بِذِرَاعِهِ يَجْمَعُ الْحُمْلاَنَ وَفِي حِضْنِهِ يَحْمِلُهَا وَيَقُودُ الْمُرْضِعَاتِ." ويذكر داود اختباره فيقول:
"انتظارًا انتظرت الرب، فمالَ إليّ وسمع صراخي، وأصعدني من جُبّ الهلاك، من طينِ الحمأة، وأقام على صخرةٍ رجليّ. ثبَّتَ خطواتي، وجعل في فمي ترنيمة جديدةً، تسبيحةً لإلهنا. كثيرون يرَوْن ويخافون ويتوكّلون على الرب." (مزمور 1:40-3)
إنه يقول لكلِّ واحدٍ منّا: إنني أحبّك فلا أسمح لك بالفشل. أنا أقوّيك، وأعزيك، وفي ضعفك لا أتركك. في سقوطك أنا أقيمك وأغفر لك. في أمراضك الروحية أنا أعالجك وأيضًا استخدمك. يقول في خروج 4:19 "أنتم رأيتم ما صنعت بالمصريين. وأنا حملتكم على أجنحة النسور وجئت بكم إليّ." ويقول أيضًا في تثنية 27:33 "الإله القديم ملجأٌ، والأذرع الأبدية من تحت." ويقول عن الرب يسوع في متى 20:12 "قصبة مرضوضة لا يقصف، وفتيلة مدخّنة لا يطفئ، حتى يُخرج الحقَّ إلى النصرة."
إنه الله الآب المحب يحتضنا ولا يدعنا نفشل بل يرفعنا من طين الحمأة.
وفى الختام تؤكد لنا كلمة الله أن:
1– الله الغني يستطيع أن يسدّد كل احتياجك ويعطيك أكثر مما تطلب أو تفتكر.
2– الله القدير القوي يستطيع أن يحمل جميع أحمالك ويريحك من أثقالها.
3– الله الآب المحب يستطيع أن يرفعك من ضعفك ويقويك ويستخدمك.
فقط أعطِه قلبك، وسلّمه دفّة حياتك وكل طريقك، واتّكل عليه وهو الذي يُجري.