"فقال (نحميا) لهم: [اذهبوا كلوا السمين، واشربوا الحلو، وابعثوا أنصبة لمن لم يُعدّ له، لأن اليوم إنما هو مقدّسٌ لسيّدنا. ولا تحزنوا، لأن فرح الرب هو قوّتكم.]" (نحميا 10:8)
الديانة الصحيحة هي ديانة الفرح الحقيقي، وإلهنا يَفرح ويُفرِّح! قال كاتب مزمور 104 "يكون مجد الرب إلى الدهر. يفرح الرب بأعماله." (عدد 31) وفي مزمور 4:92 "لأنك فرّحتني يا ربّ بصنائعك. بأعمال يديك أبتهج."
وقال إشعياء: "فرحًا أفرح بالرب. تبتهج نفسي بإلهي، لأنه قد ألبسني ثياب الخلاص. كساني رداء البِرّ، مثل عريسٍ يتزيّن بعمامةٍ، ومثل عروس تتزيّن بِحُلِيِّها." (إشعياء 10:61)
ونرى في العهد الجديد أنه حيثما دخل الإنجيل انتشر الفرح. لما ذهب فيلبس إلى مدينة في السامرة وكان يكرز لهم بالمسيح "كان فرح عظيم في تلك المدينة." (أعمال 8:8)
ولما تكلم فيلبس مع الخصي الحبشي وزير كنداكة ملكة الحبشة عن الرب يسوع وعن موته الفدائي - كما جاء في إشعياء 53 – يقول الروح القدس عنه في أعمال 39:8 أنه "ذهب في طريقه فرحًا." ولا يفوتنا أن نشير إلى ما كتبه الرسول بولس للمؤمنين في فيلبي 4:4 "افرحوا في الرب كل حين، وأقول أيضًا: افرحوا." ليت هذا يصبح حقيقةً أكيدةً وعملّيةً في حياتنا اليومية. والآن سنتأمل في كلام نحميا الذي به افتتحنا هذا المقال.
أولاً، "اذهبوا كلوا السمين، واشربوا الحلو."
وهل هناك مثل كلام الله غذاءً روحيًّا وحلوًا؟!
قال النبي إرميا: "وُجد كلامك فأكلته، فكان كلامك لي للفرح ولبهجة قلبي." (إرميا 16:15)
وقال داود في مزمور 10:19 عن كلام الرب أنه "أحلى من العسل وقطر الشِّهاد." هو الغذاء الروحي لكل مؤمنٍ حقيقيٍّ. يُشبَّه الكتاب المقدّس مائدةً كبيرة جدًّا، فيها طعام للأطفال الصغار لكي ينمو به وفيها الطعام القويّ للبالغين "الذين بسبب التمرّن قد صارت لهم الحواس مدرّبة على التمييز بين الخير والشرّ." (عبرانيين 14:5) فيها ما يعزّي ويفرّح وفيها ما ينصح وينذر. إلهنا عطية عظمى وثمينة نشكر الله عليها في كل حين! أقول بكل أسف إن كثيرين من المؤمنين، أولاد الله بالإيمان بالرب يسوع المسيح، لا يقضون وقتًا كافيًا في دراسة كلام الله، وهذا سبب للضعف الروحي والفتور في محبتنا للرب.
ثانيًا، "ابعثوا أنصبة لمن لم يُعدّ لهم."
كثيرون في عالمنا هذا في الوقت الحاضر، أي القرن الحادي والعشرين، ليس عندهم نسخة من الكتاب المقدس أو أجزاء منه، يجب علينا أن نساهم في انتشاره في كل دول العالم. ولكن ما هو مؤسف أكثر من ذلك أن كثيرين من الذين عندهم الكتاب المقدس لا يقرأون فيه.
يُحكى أن ولدًا صغيرًا قال لأبيه: أنت تقول إن الكتاب المقدس هو كتاب الله. فقال له أبوه:
طبعًا وبكل تأكيد هو كتاب الله.
فأجاب الولد ببراءة وقال: لماذا إذًا لا نعيده إليه حيث أننا لا نستعمله أبدًا؟ قد يبدو هذا مضحكًا لكنه في الحقيقة أمر مؤلم!
"كل الكتاب هو موحىً به من الله، ونافع للتعليم والتوبيخ، للتقويم والتأديب الذي في البرّ، لكي يكون إنسان الله كاملاً، متأهّبًا لكل عملٍ صالح." (2تيموثاوس 16:3-17)
والآن أوجّه كلامي إلى المؤمن الحقيقي: كم من الوقت تقضي في قراءة كلام الله والتأمّل فيه؟ وكم من الوقت تقضيه في مراقبة برامجك المحبّبة لك؟ إن نتيجة إهمال الكتاب المقدس واضحة جدًّا في الضعف الروحي والجهل بالحقائق الثمينة المدوّنة لنا فيه.
إنه واجب على الرعاة والوعّاظ وقادة مدارس الأحد أن يعلّموا المؤمنين ما تعلّموه هم في معاهد دراسة الكتاب وكلّيات اللاهوت؛ وأقصد طبعًا ما يعلّمه لنا الكتاب المقدس لا آراء البشر أيًّا كانوا. قال الرسول بولس لتلميذه تيموثاوس: "وما سمعته مني بشهود كثيرين، أودعه أناسًا أُمناء، يكونون أكفاء أن يعلّموا آخرين أيضًا." (2تيموثاوس 2:2)
"ابعثوا أنصبة لمن لم يُعَدَّ لهم." كلّما ازدادت محبتنا للكتاب المقدس ازداد فرحنا. قال كاتب مزمور 119 "بطريق شهاداتك فرحت كما على كل الغنى... بفرائضك أتلذّذ. لا أنسى كلامك." (عدد 14، 16) وهذا الفرح هو قوّتنا.
ثالثًا: "لأن اليوم هو مقدّس لسيدنا."
كلمة "مقدّس" تعني مخصّص، أي مكرّس. وهذا يجب أن يكون شعار كل مؤمن حقيقي في كل يوم. كثيرًا ما نرنّم ونقول:
"فأنا لست لذاتي ليس لي شيء هنا
كل ما عندي لفادي الخلق وهّاب المُنى."
يقول الرسول بولس للمؤمنين في أفسس أن الله اختارنا في المسيح قبل تأسيس العالم "لنكون قديسين (أي مكرّسين) وبلا لوم قدّامه في المحبة." (أفسس 4:1) يا لها من حقيقة جليلة تقودنا للشكر والسجود له. يجب على المؤمن أن يبدأ اليوم بهذا القرار. فنحن قد اشتُرينا بثمن، وما أغلاه ثمن... دم المسيح ابنه الذي يطهرنا من كل خطية. المؤمن الذي يدرك هذه الحقيقة ويطبِّقها عمليًّا، يصبح فَرِحًا ومُثمرًا لمجد الله.
الخلاصة: إذا كنّا نتغذّى بكلام الله، ونهتمّ بتغذية الآخرين بالتغذية الروحية الحقيقيّة، وندرك أن حياتنا على هذه الأرض يجب أن تكون مخصّصة للرب يوميًّا سنتمتّع بفرحٍ روحيٍّ حقيقي رغم كل الظروف، ونختبر عمليًّا هذه الحقيقة الجليلة – وهي أن فرح الرب هو قُوَّتنا.