بين سؤال وجواب:
معرفة الله
لماذا يعتقد المسيحيون أن المسيح هو الطريق الوحيد لمعرفة الله؟ أليس هذا تعصّبًا؟
الجواب: أودّ أولاً أن أؤكد أن معرفة الله هي أهم وأسمى هدف للإنسان في الحياة. لأجل ذلك يقول بولس في رسالته إلى فيلبي: "لأعرفه، وقوة قيامته، وشركة آلامه." (فيلبي 10:3) وفي سبيل هذه المعرفة يقول إنه قد خسر كل الأشياء! وفي إنجيل يوحنا نسمع صلاة المسيح إلى الآب "وهذه هي الحياة الأبدية: أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته." (يوحنا 3:17)
ويقول في سفر إشعياء: "لذلك سُبي شعبي لعدم المعرفة." (إشعياء 13:5) ونقرأ في سفر هوشع: "قد هلك شعبي من عدم المعرفة." (هوشع 6:4)
ولكي نعرف لماذا يُعتبَر المسيح الطريق الواحد والوحيد لمعرفة الله، دعونا نرى كيف نعرف الأمور في هذه الحياة: إذا أردنا أن نعرف جمادًا ككتاب مثلاً أو كصورة، ليس علينا إلا أن نطالع هذا الكتاب أو نتطلّع إلى تلك الصورة، فالأمر يتوقّف أولاً وأخيرًا علينا وليس على الجماد. لكن إذا أردنا أن نعرف حيوانًا كالحصان مثلاً، فإننا ينبغي ليس فقط أن نتأمله ولكن أن نتعرّف على طباعه وردود فعله، وهذا يتوقّف بعض الشيء على الحيوان نفسه. وإن أردنا أن نعرف إنسانًا، فإن معرفتنا لهذا الإنسان تعتمد ليس فقط علينا ولكن على هذا الإنسان الذي نريد أن نعرفه لأن الإنسان منّا... يستطيع أن يُخفي في داخله الكثير عن غيره وأن يُظهر غير ما يبطنه. ونحتاج في سبيل معرفتنا لإنسانٍ أن نعايشه فترة طويلة لكي نسبر بعض أغوار هذا الإنسان لأن الكتاب نفسه شهد أن "داخل الإنسان وقلبه عميق." (مزمور 6:64) والرسول بولس يقول: "لأن مَنْ مِن الناس يعرف أمور الإنسان إلا روح الإنسان الذي فيه؟ هكذا أيضًا أمور الله لا يعرفها أحد إلا روح الله." (1كورنثوس 11:2) ويزداد الأمر صعوبة إذا كان هذا الإنسان أعظم منا بكثير، وليكن مثلاً رئيس الدولة، فإن معرفتنا له لا تعتمد علينا بقدر ما تعتمد عليه هو، لأننا لا نستطيع أن نعايشه برغبتنا لكن لا بدّ أنه هو يكشف لنا عن نفسه ويدعونا لمعرفته. لذلك يقول سليمان في سفر الأمثال: "السماء للعلوّ، والأرض للعمق، وقلوب الملوك لا تُفحص." (أمثال 3:25) وبنفس المنطق، إنْ نحن وصلنا إلى محاولة معرفة الله – وهو أعظم منا بما لا يُقاس – فإننا نكتشف أن هذه المعرفة لا تعتمد علينا أبدًا وإنما هي تعتمد بالكامل على الله لكي يُعلن لنا عن ذاته؛ فهو لا يُمكن أن يُعرَف بمجهودنا أو بمحاولاتنا العقلانية، "بل كما هو مكتوب: [ما لم ترَ عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على بال إنسان: ما أعدّه الله للذين يحبونه]. فأعلنه الله لنا نحن بروحه. لأن الروح يفحص كل شيء حتى أعماق الله. لأن مَنْ مِنَ الناس يعرف أمور الإنسان إلا روح الإنسان الذي فيه؟ هكذا أيضًا أمور الله لا يعرفها أحد إلا روح الله." (1كورنثوس 9:2-12) لذلك لا بدّ أن الله يعلن لنا عن ذاته لكي نتعرّف عليه.
معرفة الجماد كانت تعتمد علينا وحدنا، لكن معرفة الله تعتمد على الله وحده. لأجل ذلك نقول إن المسيح هو الطريق الأوحد لمعرفة الله لأن فيه قد أعلن الله عن ذاته بصورة لم يكن من الممكن أن نعرفها في غير المسيح. نعم، قد أعلن عن ذاته في الطبيعة حيث مكتوب: "السماوات تحدِّث بمجدِ الله، والفلك يُخبر بعمل يديه." (مزمور 1:19) لكن هذا الإعلان إعلان ناقص لأن الطبيعة قد أُخضعت للبُطل بسبب الإنسان (رومية 20:8). وفي الطبيعة نرى شيئًا من قدرة الله وعظمته وحكمته، ونرى أيضًا غضبه في الفيضانات والزلازل والبراكين والعواصف والأوبئة. لكن هذا الإعلان محدود جدًا ويحتاج إلى الكثير جدًا من التوضيح للفهم. وقد أعلن لنا الله عن ذاته أيضًا في التاريخ لكنه أيضًا إعلان ناقص لأن تاريخ البشرية هو تاريخ البشرية التي سقطت وتشوّهت بالخطية.
الإعلان الكامل الحقيقي لله عن ذاته هو الكلمة المتجسّد - الرب يسوع المسيح أساسًا وفي الكلمة المكتوبة، أي في الكتاب المقدس. في الرسالة إلى العبرانيين نقرأ: "الله، بعد ما كلّم الآباء بالأنبياء قديمًا، بأنواع وطرق كثيرة، كلّمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه." (عبرانيين 1:1) ومكتوب أيضًا أن "الله كان في المسيح مصالحًا العالم لنفسه." (2كورنثوس 19:5) ففي المسيح رأينا الله وعرفنا الله. رأينا قدرته في معجزاته، رأينا محبته في صليبه، رأينا عظمته في حياته. المسيح هو إعلان كامل لله لأن المسيح هو بهاء مجد الله ورسم جوهره. (عبرانيين 3:1) لذلك نقول بغير تعصّب: إن المسيح وحده هو الطريق لمعرفة الله.
لو تصوّرنا إنسانًا يقف في وسط حقلٍ من القمح وحوله سنابل القمح، إن جاع وأراد أن يأكل لن يجد خبزًا لأنه لا بدّ أن هذه السنابل تُجمع وتُطحن وتُخبز بالنار لتصير خبزًا يستطيع أن يأكله هذا الإنسان، وكذلك كل إنسان منا يحاول أن يعرف الله لن يصل إلى هذه المعرفة إلا إذا أخلى الله نفسه وأخذ صورة عبد وصار في الهيئة كإنسان ودخل في أتون نيران آلام الصليب (فيلبي 7:2-8). "لأن خبز الله هو النازل من السماء الواهب حياة للعالم." (يوحنا 33:6) وهذا هو شخص المسيح – خبز الحياة – الذي به نستطيع أن نعرف الله لأنه الخبز النازل من السماء الذي نستطيع أن نأكله.
ومعرفة الله ليست هي المعرفة عن الله وإن كانت هذه خطوة ضرورية لمعرفة الله، لكنها ليست معرفة عن موضوعات أو لاهوتيات. معرفة الله لا تقوم على النسب. كان بولس يفتخر بنسبه "إن ظن واحد آخر أن يتّكل على الجسد فأنا بالأولى. من جهة الختان مختون في اليوم الثامن، من جنس إسرائيل، من سبط بنيامين، عبراني من العبرانيين." (فيلبي 4:3-5) لكن هذا النسب لم يجعله يعرف الله بل كان لا بد له أن يترك هذا كله لكي يعرف المسيح.
قال بلي جراهام: إن وُلد طفل في كاراج فهذا لا يجعله سيارة. وميلاد إنسان في بيت مسيحي لا يجعله مسيحيًا إن لم يتعرّف على المسيح شخصيًا. ومعرفة الله لا تعتمد على طقوس خارجية. كان بولس مختونًا في اليوم الثامن لكن هذا الختان لم يجعله يعرف الله. ومعرفة الله لا تُبنى على المحاولات الذاتية لكسب رضاه أو لمعرفته. يقول بولس إنه كان من جهة الناموس فريسيًا، ومن جهة الغيرة مضطهد للكنيسة، ومن جهة البرّ الذي في الناموس بلا لوم (فيلبي 6:3-18). لكن هذا كله لم يعطه أن يعرف الله. إن الطريق الوحيد إلى معرفة الله هو عن طريق المسيح وحده الذي يجعلنا نعرف الله معرفة شخصية اختبارية، معرفة حميمة.
هذه المعرفة ثمينة ومكلفة. يقول بولس: "بل إني أحسب كل شيء أيضًا خسارة من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربي الذي من أجله خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح وأوجد فيه." (فيلبي 8:3-9) وهي معرفة تحتاج لشركة طويلة. فبعد أن ذكر بولس ما خسره لكي يعرف المسيح ويربحه ويوجد فيه يقول أيضًا: "لأعرفه وقوة قيامته، وشركة آلامه، متشبّهًا بموته، لعلّي أبلغ إلى قيامة الأموات. ليس أني قد نلت أو صرت كاملاً، ولكني أسعى لعلّي أدرك الذي لأجله أدركني أيضًا المسيح يسوع." (فيلبي 10:3-12)
الحقيقة أن الرب يسوع يعرفنا أولاً وبعد ذلك يعرّفنا بشخصه. يقول المسيح: "خرافي تسمع صوتي وأنا أعرفها فتتبعني. وأنا أعطيها حياة أبدية." (يوحنا 27:10-28)
ومكتوب أيضًا في رسالة غلاطية: "وأما الآن إذ عرفتم الله، بل بالحريّ عُرِفتم من الله." (غلاطية 9:4) فالدعوة إذن إلينا جميعًا أن نعرف الله. ولن نعرف الله إلا إذا تعرّفنا على الله في المسيح يسوع وقبلناه لكي يحيا في قلوبنا. قال المسيح: "أنا هو الباب. إن دخل بي أحد فيخلص ويدخل ويخرج ويجد مرعى." (يوحنا 9:10)
فالمسيح هو الباب الذي ينبغي أن ندخل منه وهو أيضًا الطريق التي ينبغي أن نسلكها. لذلك قال المسيح أيضًا: "أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي." (يوحنا 6:14) فليعطنا الرب نعمة الإقبال إليه لكي نعرفه ولكي نتمتّع بالحياة الأبدية فيه. آمين!