Voice of Preaching the Gospel

vopg

"لماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك، وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها؟" (متى 3:7)
السؤال الذي وجّهه المسيح للجموع في العظة على الجبل يصوّر صورة اجتماعية هزلية لإنسانٍ في عينه "خشبة" يركّز اهتمامه على القذى

(أو ذرة تراب) الذي في عين أخيه. بهذه الصورة الكاريكاتورية الساخرة صوّر الرب سخافة خطية البحث عن القذى في حياة الآخرين. مع أن السيد وهو ينتهر الذين يبحثون عن القذى لا يمنعنا من تقييم الناس الذين نتعامل معهم لكي نفهم دواخلهم ونواياهم.
وقد قال السيد في تعليمه: "لا تعطوا القدس للكلاب، ولا تطرحوا درركم قدّام الخنازير." من هنا نرى المؤمن ملزمًا أن يعرف من هم الخنازير الذين لا تطرح الدرر أمامهم، ومن هم غير الخنازير. أما الخطية التي ينتهرها المسيح ويوبّخها فهي خطية البحث عن القذى. إنها خطية "صيد" خطايا الناس والبحث عن الشر في حياتهم. إنها خطية السلبية الهادمة والقاتلة.
لماذا ينظر الإنسان القذى الذي في عين أخيه؟ لست أظن لأن القذى كبير وواضح لا تخطئه العين، وليس لأن القذى يصرخ لدرجة تدعو إلى الالتفات. وان كان الإنسان يستطيع أن يرى ذرة من الغبار في شعاع الشمس لكنه يستطيع أن يتعامى عن رؤية خشبة كبيرة رغم أنها ملفتة للنظر. أما أن يرى ذرة دقيقة من الغبار لا تميّزها العين بسهولة فمعنى ذلك أنه باحث شغوف بالبحث عن القذى. ولماذا نبحث عن القذى في عيون الناس؟ هل هي الرغبة في اصطياد الخطأ بسبب الانتظار الكامن في نفوسنا بأننا سنجد خطأ ما؟ وكأنها لهذه النية لا نريد أن نعطي أحدًا شهادة نظيفة بخلوّه من الأمراض والضعفات الشخصية.
كان الشيطان في تجربة أيوب من هذا النوع. فعندما كان الرب يشيد بحياة عبده البار أيوب أطلق الشيطان ضحكة ساخرة وقال: "هل مجانًا يتَّقى أيوب الله؟" وكان الشيطان يريد أن يثبت أن أيوب ليس تقيًّا لأنه لا يوجد شيء اسمه "صلاح". وكل ما يمكن أن يُقال عن أيوب أنه إنسان معقول في تصرفاته الخارجية أمام الناس. أما الباعث الداخلي الدفين في حياته فهو كريه وعفن الرائحة. وهكذا كان الشيطان صاحب عينٍ ثاقبة ترى القذى المختفي الذي لا وجود له. وكانت الرغبة في اصطياد الخطأ هي العلامة المميّزة للفريسيّة القديمة. فقد أرسل اليهود إلى يسوع قومًا منهم "لكي يصطادوه بكلمة". إننا نجد القذى لأننا ننظر وفي نفوسنا انتظار القذى.
وقد نبحث عن القذى في حياة الآخرين كمحاولة لإسكات ضمائرنا. إننا نريد أن نعالج ضمائرنا المريضة. نشعر بخطايانا وسقطاتنا وإذا هي تنغّص علينا معيشتنا فنبحث عن طريقة للراحة ولكن في سقطات الآخرين. وهنا يُغري الإنسان نفسه بالقول: "لست وحدي الذي يخطئ!" إنه يشعر أن كثرة عدد الذين يخطئون يخفّف وقع خطيئته على نفسه وبذلك يحاول إسكات ضميره. وهذه نظرية خاطئة من جذورها. فإن كنت تموت من مرض معين فلن يفيدك شيئًا أن تعرف أن كثيرين يموتون بنفس المرض. لذلك أحذّر كل مريض روحيًّا كي لا يفتش عن الراحة بالنظر والتركيز على الآخرين. عالج نفسك ولا تحاول أن تقنع نفسك أو تسكت ضميرك بأن خطاياهم كخطايانا إن لم تكن أعظم منها.
ونحن معرضون لاكتشاف القذى في حياة الآخرين لأننا نريد أن نرتفع على حساب غيرنا. هناك اعتقاد راسخ أنه كلما هدمنا بناء الآخرين ارتفع بناء نفوسنا. عندما نتحدّث عن ضعفات غيرنا نفعل ذلك حتى يعرف الذين يسمعوننا أننا أفضل منهم – طبعًا بعد القيام بالمقارنة اللازمة. إنني لا أستطيع أن أتصور إنسانًا يهدم منزل جاره لكي يبنى منزله. إننا لا نبني نفوسنا إطلاقًا إن كنا نهدم غيرنا. وكل شخص يبحث عن القذى في عين أخيه يريد أن يهدمه حتى يرتفع على حسابه.
والإنسان أيضًا ينظر إلى القذى في عين أخيه بسبب الحسد البغيض. وبين قائمة طويلة للخطايا يبرز الحسد بصفة خاصة. والحسد يختلف عن الغيرة ففي مرات كثيرة يختلط علينا الأمر بين الحسد والغيرة. إن الغيرة شيء طبيعي في حياة الإنسان. إنها عاطفة صحيحة وسليمة قال عنها الرسول: "حسنة هي الغيرة في الحسنى كل حين."
أما الحسد هو الابن الشرعي والحقيقي للكراهية ولذلك قال بولس: "المحبة لا تحسد." وتاريخ الحسد – الابن الشرعي للكراهية – طويل وقبيح. فقد قتل قايين هابيل بسبب الحسد. ورفض الابن الأكبر في قصة الابن الضال أن يدخل الوليمة بسبب الحسد. وأسلم رؤساء الكهنة يسوع للموت حسدًا.
وهل يرى الناس بشاعة البحث عن القذى؟ ولا يوجد أبشع من كشف النقاب عن ذلك الباعث الشرير الذي يعمل في البشر لكشف قذى الناس. ولا شك أن هناك ما يُسمّى بالنقد الإيجابي البنّاء – فقد قال الكتاب: "أمينة هي جروح المحب." إن الصديق المحبّ يستطيع أن ينتقد صديقه لكي يعالج الأمور التي تعيبه. ولكن هذه الآية الكريمة لا تجعلنا نصمت على كل نقدٍ وتجريحٍ يوجَّه إلينا. إن من يبحث عن الضعفات لا يعمل بدافعٍ من باعثٍ طيب بل شرير. إنه بالخشبة التي في عينه يزعم أنه يريد مساعدة غيره ولكن: "أيها الطبيب أشفِ نفسك." ما أبشع ذلك الباعث الأناني الشرير الذي يدفعنا لتجريح الغير!
سجّل لنا البشير قصة مريم التي كسرت قارورة الطيب الكثير الثمن عند قدمي يسوع. وقال الرب إن عملها لا يمكن أن يُنسى على مدى السنين! فقد ملأ ذلك الطيب رائحة المكان وامتدّت رائحته عبر السنين مدة عشرين قرنًا من الزمان. أما يهوذا الإسخريوطي صاحب العين المفتوحة على القذى والذي عمل بباعثٍ شرير فلم ير جمالًا في عملها بل قال: "لماذا لم يبعْ هذا الطيب بثلاثمئة دينار ويعطَ للفقراء؟" وعندما نقف لأول وهلة أمام يهوذا الغيور نجد أنها كلمات معقولة تنمّ عن طيبة. ولكن ما الذي جعله يقدّم هذا النقد؟ إنه لم ينتقد ذلك العمل بسبب مريم، ولا الفقراء، ولا بسبب المعلم نفسه، ولكن بسبب أنانيته وحبه للمال؛ فقد كان الصندوق معه وهذا يكشف لنا عن الباعث الشرير في داخل الناقدين الحاقدين. وتنشأ بشاعة البحث عن القذى من ضرر مزدوج يصيب المنتقِد والمنتقَد عليه - إن الباحثين عن القذى في حياة الناس يخلقون ضررًا للذين ينتقدونهم والمنتقَد يُجرح جرحًا بالغًا بسبب هذا النقد الجارح. وتهبط عزيمة المنتقد فلا يتشجع، والشيء العجيب أن الباحث عن القذى يختبئ وراء كلمات جميلة يغطّي بها جريمته وموقفه. وإن كان الباحث عن القذى يظن أنه يؤدّي خدمة لفائدة الطرف الآخر فإن باب الفائدة سيُقفل إلى الأبد، ولن يفتح. إنك تسيء إلى غيرك بنقدك.
وهناك أيضًا ضرر على الناقد نفسه. قد تجرح غيرك أيها الباحث عن القذى ولكنك تطعن نفسك بخنجر. أيها الناقد غيرك أنت شخص لا يعتمد عليه لأنك لا تفتّش عن الحقيقة. إن من يبحث عن الحق يجد الحق، ومن يبحث عن الشر يجد الشر، ومن يكشف الشرّ ويثبِّت عينيه عليه سيفقد الخير إلى الأبد. وعندما تنظر لكي تدين الناس لا تجد شيئًا آخر لكى تمدح عليه.
أننا نمجد المسيح ونعبده ونرى فيه كل كمالات الله ولكن الذين كانوا حول المسيح لم يجدوا فيه شيئًا جميلًا. فقالوا: "ببعلزبول رئيس الشياطين بخرج الشياطين." إن من يفتش عن الرديء يصاب بنوع من العمى ضدّ كل ما هو طيب. ان الباحث عن القذى لا يمكن أن يرتكن إلى الحق الذي يقدّمه لأنه متحيّز دائمًا للشرّ. حدِّثني ما الذي تبحث عنه في حياة الناس وأنا أقول لك ماذا تجد. إن بحثت عن الشر والقذى في حياة الغير فلن تجد غيره.
ذهبت طفلة لزيارة مدينة لندن ولما عادت من سياحتها مع والديها سألها الجيران عما رأت في لندن – ولم تقل الطفلة شيئًا، لكنها قصت لصديقاتها كيف رأت فأرًا كبيرًا في الفندق الذي نزلت فيه، ولكنها فشلت في رؤية أيّ شيء آخر لأن في قلبها اهتمام بالفئران. وعندما نفتح عيوننا على خطايا الآخرين تُصاب عيوننا بالعمى على خطايانا. وكلّما كبرنا وهلَّلنا على خطايا غيرنا صغرنا في خطايانا. وكلما حفرنا في غيرنا عظمنا في نفوسنا. ويوضّح لنا الرب حالة العمى التي يصاب بها الباحث عن القذى في قوله "كيف تقول لأخيك دعني أخرج القذى من عينك وها الخشبة في عينك أنت. والصورة تمثل إنسانا في عينه كتلة خشب ولكنه يذهب إلى أخيه ويقول عنوة يا صديقي يوجد قذى صغير في عينك فدعني أساعدك في إخراج ذلك القذى. إن منظرًا كهذا لا يدعو للضحك بل للدموع لان الذي يعمل ذلك لم يعد يرى نفسه وما فيها من شرور من كثرة ما نظر إلى هفوات وخطايا غيره. يا مرائي أخرج أولًا الخشبة من عينك وحينئذ تبصر جيدًا أن تخرج القذى من عين أخيك.
ويوجد استحالتان في بشاعة البحث عن القذى. الاستحالة الأولى هي استمرار الصداقة. إن الباحث عن القذى يغشّ نفسه في ميدان الصداقة. فإن كنت تريد أن تكسب الأصدقاء وتحتفظ بهم، عليك أن يتوفر فيك شيء هام بدونه لا يمكن أن تستمر صداقتك. هذا الشيء الهام هو تحذير يقول إن الصداقة لن تدوم إن كنت تبحث عن القذى في صديقك وتحاول أن تبيّن العيوب التي فيه. إنك بهذا العمل تذبح صديقك وتقطعه إربًا إربًا كأيّ سفّاح - إن كان لك عدوّ، تستطيع أن تعمل منه صديقًا وحبيبًا عندما تبحث عن الأشياء الفاضلة في حياته وتتحدّث عن امتنانك لهذه الفضائل. وقد قال يسوع لتلاميذه: "بالكيل الذي به تكيلون يُكال لكم ويُزاد." ولا يقف الأمر عند استحالة الصداقة وهدمها بل يصل بالمرء إلى الاستحالة الثانية وهي استحالة التوبة.
إن المنتقد شخص أناني فخور بنفسه أنه يقدر أن يرى من ثقب إبرة ما يعجز الآخرون عن رؤيته من باب كبير. وهذا الطراز من البشر هو أبعدهم عن ملكوت الله.
ذهب الفريسي للصلاة، وفي صلاته اندمج في عملية تشريح ونقد لغيره. وتعرّض لواحدٍ من العشارين "ولا مثل هذا العشار"، ونسي في غمرة المقارنة والنقد أن يطلب الرحمة لنفسه ولخطاياه. ولو أن اللص الذي صلب عن يمين يسوع صرف وقته في انتقاد يسوع المصلوب بجواره لما تاب ودخل الفردوس. أما اللص الذي صرف وقته في تعيير يسوع فكان صورة للباحث عن القذى ولذلك لا عجب إن هلك إلى الأبد! إن الإنسان لا يجد الله عن طريق الاعتراف بخطايا الآخرين. ولكننا نجده عندما نعترف بخطايانا" الشخصية" لأنه "إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم." وإن كان البحث عن القذى قبيح بهذه الصورة فما هو طريق الشفاء؟! ولن يبدأ طريق الشفاء إلا بعد إدراك حقارة هذه العادة التي لا تناسب أولاد الله. عادة قبيحة بل خطية مميته وهي سلاح سام يجرح نفوسنا والذين لنا ومسيحنا. هذا فضلًا عن أن هذا السلوك لا يليق بأبناء الإيمان ولن يأتي الشفاء أيضًا إلا بعد الرجوع والتوبة عن هذا الضعف المشين. والتوبة معناها التغيير الجذري في الحياة والعقل وطريقة التفكير فلا نسعى في طريق نقد الآخرين بل نسير في الاتجاه الآخر فنعمل للتشجيع والتعضيد والثناء. وبعد كل جهد للبحث عن الجوانب الطيبة التي يجب أن تُمدح - ومن يفتش عن الأفضل لا بد أن يجده "لأن من يطلب يجد." وفي نور كلمة الله الكاشفة لضعفاتنا جميعًا يليق بنا أن نردد معا كلمات النبي: "لتكن أقوال فمي وفكر قلبي مرضية أمامك يا رب صخرتي ووليّي."

المجموعة: شباط (فبراير) 2022

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

90 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10675144