"من فضلة القلب يتكلم فمه." (لوقا 45:16)
يصاب المؤمن بخيبة أمل كبيرة كلما لاحظ ضعف شهادته،وما يعتريه من
فتور وهو يخبر عن صنيع الله معه، في خلاصه العظيم وإحسانه المستمر. والأدهى والأمرّ أن بعض المؤمنين قد كفّوا تمامًا عن الحديث، وكأن الله لم يجرِ معه – أصلاً – ما يستحق أن يتكلموا به مع الآخرين.!
ومن السهل أن يتعرّض المؤمن للانحدار إلى هذا الحدّ من الفتور والضعف. فهو محاط بالكثير مما يشغله عن الشهادة، أن ينفّره منها. فمن ناحية، يجد نفسه دائب التفكير في شؤون الحياة التي اتسعت مجالاتها وتشابكت تعقيداتها واستحكمت مشاكلها، حتى أصبح عاجزًا أن ينتزع نفسه منها... ومن الناحية الأخرى، يواجه بالصدّ من عالم معادٍ "وُضع في الشرير" يقابل شهادته باللامبالاة وربما بالسخرية... وقد يواجَه بالاضطهاد ممن يحمل إليهم البشارة والبركة والخير في شخص المسيح.
ويساعد المؤمن أن يتبين حقيقة حالته، إذا ما رآها في ضوء النماذج الطيبة لأولئك الذين قدّموا ويقدّمون شهادتهم بقوة وغيرة، ولا سيما إذا كانوا من الأشخاص العاديين، الذين يتشابهون معه في ظروف الحياة. إذ ذاك يفكر جدّيًا في علاج يعيد لشهادته حيويّتها ونضارتها، وبالتالي ثمرها.
ولا أنوي أن أقدّم هنا دراسة عن العمل الفردي في الكرازة، تتناول الوسائل والأساليب التي تؤدي إلى نجاحه، ولم يكن هذا في نيتي أصلاً، مع إيماني بأهمية هذه الدراسة. فقط أردت أن أشير إلى أن قوة الشهادة وفاعليتها، بالصورة التي يشتهيها المؤمن، لا يمكن تحقيقها إلا إذا جاءت الشهادة – أساسًا – بلا تكلّف أو افتعال، أي فيضًا طبيعيًا من الداخل... "فيض النعمة وعطية البر." حسب عمل الله في القلب بالروح القدس.
ما سرّ القوة والفاعلية في شهادة السامرية عن المسيح؟ الشهادة اجتذبت الكثيرين من أهل بلدتها، حسب رواية البشير يوحنا: "فآمن به من تلك المدينة كثيرون من السامريين بسبب كلام المرأة التي كانت تشهد أنه قال لي كل ما فعلت." لم تقرأ السامرية كتابًا في العمل الفردي، ولم تكن لها فرصة الاستماع لمحاضرات في علم النفس، لتعرف أساليب التأثير على الآخرين. فقط اختبرت اختبارًا حقيقيًا، هزّها من الأعماق، فراحت "تشهد ببشارة نعمة الله: آمنت لذلك تكلّمت."
أما أنت فقد فقدت روعة اختبارك وفترت حياتك الروحية، حتى أصبحت لا تجد ما يستحق أن تقدمه للآخرين. لذلك فليس أمامك – الآن – إلا أن تأتي أمام الله متواضعًا، متضرّعًا مع داود: "ردّ لي بهجة خلاصك وبروح منتدبة أعضدني، فأعلّم الأثمة طرقك والخطاة إليك يرجعون."
إن حاجتك الأساسية هي لمزيد من الملء الداخلي المبارك، إلى أ نتفيض منك "أنهار ماء حي،" تتدفّق نقية صافية عذبة، لا تختلط بعوامل بشرية تضعف قوتها، أو شوائب تفسدها وتفقدها حلاوتها. هذا هو الروح القدس الذي يجعل منا شهودًا... إلى أقصى الأرض." وعندئذ يتم فينا قول السيد: "لأن لستم أنتم المتكلمين بل روح أبيكم الذي يتكلم فيكم." وهو خير الكلام، ونعم الشهادة.
ولكي تقدر أن تشترك مع داود في قوله: "فاض قلبي بكلام صالح." فلا بد أن تختبر ما اختبره هو: "كأسي ريَّا"، أي ممتلئة وفائضة.
أما إذا كنت تظن أن قصور شهادتك راجع إلى قلة الفرص التي تتاح لك، فأرجو أن تتأكد أنك حيث تلتهب غيرة على النفوس، وحين تنسكب محبة الله في قلبك بالروح القدس، سترى فرصًا كثيرة لم تكن تراها من قبل، لأنك ستبحث عنها متطلعًا إليها، متحفّزًا لاقتناصها.
إذًا فالأمر لا يعتمد على جهودك الذاتية – مهما كانت مخلصة – بقدر ما يتطلب من سعى لتدعيم حياتك الروحية. إذ ذاك تأتي شهادتك طبيعية مؤثرة، لأنها فيض قلب يحيا فيه يوسع ويملأه الروح القدس وتسكن فيه كلمة المسيح بغنى "ومن فضلة القلب يتكلم فمه."