لقد حدثت مجاعات وأزمات كثيرة في تاريخ العالم، لكنها كانت في أماكن محدودة؛ على سبيل المثال، في أيام إبراهيم وإسحق وفي مصر في أيام يوسف،
وفي السامرة أيام أليشع، إلخ..." (تكوين 12 و26 و41 و2ملوك 6)
لكن الأزمة الاقتصادية التي يمرّ بها العالم في هذه الأيام أزمة غير مسبوقة في تاريخ البشرية، لأنها على مستوى العالم أجمع، وقد أثّرت على انخفاض الاقتصاد العالمي، والتضخّم، وتعويم العملات المحليّة في بلدان العالم، ورفع الأسعار مما دفع الكثير من شعوب العالم إلى التظاهر في الشوارع مطالبين برفع الأجور وتحسين الحالة المعيشية. لذلك يعيش الناس في حالة اضطراب وقلق وعدم استقرار وخوف من المستقبل.
فما هو موقف المؤمن من هذه الأزمة الخانقة؟
ولكن قبل أن أجيب عن هذا السؤال أذكر قصة جاءت في كلمة الرب في 1ملوك 18 عن رجل الله التقيّ عوبديا، وكيل أخآب الملك الذي خبّأ مئة نبيٍّ من أنبياء الله في مغارتين، وزوّدهم بخبز وماء من بطش إيزابل الشريرة التي كانت تقتل أنبياء الله. تؤكد لنا هذه القصة بأن الله لا ينسى أولاده في وقت الأزمات ومهما كان نوعها، بل يرسل لهم من يعولهم ويحفظهم ويحميهم بواسطة ملاك أو إنسان أو حتى غراب. قال داود:
"كنت فتىً وقد شِخت، ولم أرَ صِدِّيقًا قد تُخُلِّيَ عنه، ولا ذُرِّيةً له تلتمس خبزًا."
فما هو موقف المؤمنين في مثل هذه الأزمات؟
وهنا أذكر بعض المشجّعات التي تُطمئن كلَّ مؤمن في هذا الزمن الصعب:
1– لا تقلقوا لأن الرب يهتم بأصغر خلائقه فكم بالحري أولاده. نقرأ في لوقا 22:12–31 "وَقَالَ لِتَلاَمِيذِهِ: «مِنْ أَجْلِ هَذَا أَقُولُ لَكُمْ: لاَ تَهْتَمُّوا لِحَيَاتِكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَلاَ لِلْجَسَدِ بِمَا تَلْبَسُونَ. اَلْحَيَاةُ أَفْضَلُ مِنَ الطَّعَامِ وَالْجَسَدُ أَفْضَلُ مِنَ اللِّبَاسِ. تَأَمَّلُوا الْغِرْبَانَ: أَنَّهَا لاَ تَزْرَعُ وَلاَ تَحْصُدُ وَلَيْسَ لَهَا مَخْدَعٌ وَلاَ مَخْزَنٌ وَاللهُ يُقِيتُهَا. كَمْ أَنْتُمْ بِالْحَرِيِّ أَفْضَلُ مِنَ الطُّيُورِ! وَمَنْ مِنْكُمْ إِذَا اهْتَمَّ يَقْدِرُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى قَامَتِهِ ذِرَاعًا وَاحِدَةً؟ فَإِنْ كُنْتُمْ لاَ تَقْدِرُونَ وَلاَ عَلَى الأَصْغَرِ فَلِمَاذَا تَهْتَمُّونَ بِالْبَوَاقِي؟ تَأَمَّلُوا الزَّنَابِقَ كَيْفَ تَنْمُو! لاَ تَتْعَبُ وَلاَ تَغْزِلُ وَلَكِنْ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ وَلاَ سُلَيْمَانُ فِي كُلِّ مَجْدِهِ كَانَ يَلْبَسُ كَوَاحِدَةٍ مِنْهَا. فَإِنْ كَانَ الْعُشْبُ الَّذِي يُوجَدُ الْيَوْمَ فِي الْحَقْلِ وَيُطْرَحُ غَدًا فِي التَّنُّورِ يُلْبِسُهُ اللهُ هَكَذَا فَكَمْ بِالْحَرِيِّ يُلْبِسُكُمْ أَنْتُمْ يَا قَلِيلِي الإِيمَانِ؟ فَلاَ تَطْلُبُوا أَنْتُمْ مَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَشْرَبُونَ وَلاَ تَقْلَقُوا فَإِنَّ هَذِهِ كُلَّهَا تَطْلُبُهَا أُمَمُ الْعَالَمِ. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَأَبُوكُمْ يَعْلَمُ أَنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَى هَذِهِ. بَلِ اطْلُبُوا مَلَكُوتَ اللهِ وَهَذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ."
نرى في هذا النص ثلاثة تشجيعات لنا من فم الرب: 1- لا تهتمّوا (ع22) 2- لا تقلقوا (ع 29) 3- لا تخافوا (ع 32)
والرب يبرهن هذه التشجيعات من الحياة العملية بقوله: "أنتم أفضل من عصافير كثيرة." لأن كلَّ ابنٍ غالٍ على الرب، فيقول: "ِإذْ صِرْتَ عَزِيزًا فِي عَيْنَيَّ مُكَرَّمًا وَأَنَا قَدْ أَحْبَبْتُكَ." (إشعياء 4:43) ويقول: "مَنْ يُهَيِّئُ لِلْغُرَابِ صَيْدَهُ إِذْ تَنْعَبُ فِرَاخُهُ إِلَى اللهِ وَتَتَرَدَّدُ لِعَدَمِ الْقُوتِ؟" (أيوب 31:48) "الْمُعْطِي لِلْبَهَائِمِ طَعَامَهَا لِفِرَاخِ الْغِرْبَانِ الَّتِي تَصْرُخُ." (مزمور 9:147) الغراب هو الطائر الوحيد الذي لا يهتمّ بأولاده بل يتركها تصرخ من الجوع، ولكن الله قد هيّأ لها طعامها بطريقة عجيبة، إذ ترفع الفراخ عينيها إلى أعلى، وتصرخ وتفتح فمها فيسيل منه لعابًا لزجًا ذات رائحة نفاذة تجذب الحشرات الصغيرة نحو فمه، فيلتقطها ويتغذّى عليها. "ما أعظم أعمالك يا ربَّ! كلّها بحكمة صنعت." فإن كان الله يهتم بالطيور هكذا فكم بالحري بأولاده؟
2– لا تقلقوا لأن الرب يشبع في الجدوب نفس أولاده في زمن القحط... في وقت الاقتصاد المنهار والغلاء الفاحش. "وَيَقُودُكَ الرَّبُّ عَلَى الدَّوَامِ، وَيُشْبِعُ فِي الْجَدُوبِ نَفْسَكَ، وَيُنَشِّطُ عِظَامَكَ فَتَصِيرُ كَجَنَّةٍ رَيَّا وَكَنَبْعِ مِيَاهٍ لاَ تَنْقَطِعُ مِيَاهه." (إشعياء 11:58)
ونقرأ أيضًا: "فَتَذَمَّرَ كُلُّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ فِي الْبَرِّيَّةِ. وَقَالَ لَهُمَا بَنُو إِسْرَائِيلَ: «لَيْتَنَا مُتْنَا بِيَدِ الرَّبِّ فِي أَرْضِ مِصْرَ، إِذْ كُنَّا جَالِسِينَ عِنْدَ قُدُورِ اللَّحْمِ نَأْكُلُ خُبْزًا لِلشَّبَعِ. فَإِنَّكُمَا أَخْرَجْتُمَانَا إِلَى هَذَا الْقَفْرِ لِتُمِيتَا كُلَّ هَذَا الْجُمْهُورِ بِالْجُوعِ.» فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «هَا أَنَا أُمْطِرُ لَكُمْ خُبْزًا مِنَ السَّمَاءِ. فَيَخْرُجُ الشَّعْبُ وَيَلْتَقِطُونَ حَاجَةَ الْيَوْمِ بِيَوْمِهَا. لكي أَمْتَحِنَهُمْ، أَيَسْلُكُونَ فِي نَامُوسِي أَمْ لاَ." (خروج 2:16–5) وأطعمهم الرب المنّ، طعام الملائكة أربعين سنة. فالرب يهتمّ بأمورنا. "ملقين كلّ همّكم عليه، لأنه هو يعتني بكم." فقد قال: "لا أهملك ولا أتركك." لا تقلق فإنه قادر أن يشبع في الجدوب نفسك.
3– لا تقلقوا لأن "بركة الرب هي تغني، ولا يَزيدُ (الرب) معها تعبًا." (أمثال 22:10) البركة ليست في الكمية أو في العدد، وليست فيما عندنا أو فيما نملك، لكن البركة في غنى الرب الذي لنا والذي لا يُستقصى، فالقليل الذي لنا عندما نضعه في يدَي الرب فإنه يُشبع ويكفي ويزيد. "كوَّار الدقيق لا يفرغ، وكوز الزيت لا ينقص." "اتَّقُوا الرَّبَّ يَا قِدِّيسِيهِ، لأَنَّهُ لَيْسَ عَوَزٌ لِمُتَّقِيهِ. الأَشْبَالُ احْتَاجَتْ وَجَاعَتْ وَأَمَّا طَالِبُو الرَّبِّ فَلاَ يُعْوِزُهُمْ شَيْءٌ مِنَ الْخَيْرِ." (مزمور 9:34-10). "إنما خيرٌ ورحمة يتبعانني كلّ أيام حياتي." (مزمور 6:23)
4– لا تقلقوا لأن إلهنا إله المستحيلات وصانع المعجزات
قُبِض على امرأة بسبب إيمانها بالمسيح، وحَكَم عليها القاضي بالسجن دون أن تُعطى طعامًا، وقال لها القاضي بتهكُّمٍ: "خلّي يسوعك يطعمك!" فقالت له: "إن أراد يسوع أن يطعمني من على مائدتك فإنه يفعل ذلك!" فسخر منها القاضي قائلًا: "ارموا هذه العبيطة في السجن لنرى ماذا يفعل لها يسوعها." وسمعت زوجة القاضي قصة إيمانها، فكانت ترسل لها طعامًا كلّ يوم سرًّا من على مائدة القاضي، ثم اتّصلت بها وعرفت المسيح مخلِّصًا لها. إلهنا إله المستحيلات ويصنع المعجزات.
5– لا تقلقوا لأن إلهنا هو إله التعويضات. نقرأ في لاويين 25 عن سنة اليوبيل السنة الخمسين والتي تَسبت فيها الأرض أي لا يكون فيها أي نوع من الزرع، فيسأل الشعب الرب: ماذا نأكل في هذه السنة، فيجيبهم: "وَإِذَا قُلْتُمْ: مَاذَا نَأْكُلُ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ إِنْ لَمْ نَزْرَعْ وَلَمْ نَجْمَعْ غَلَّتَنَا؟ فَإِنِّي آمُرُ بِبَرَكَتِي لَكُمْ فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ، فَتَعْمَلُ غَلَّةً لِثَلاَثِ سِنِينَ. فَتَزْرَعُونَ السَّنَةَ الثَّامِنَةَ وَتَأْكُلُونَ مِنَ الْغَلَّةِ الْعَتِيقَةِ إِلَى السَّنَةِ التَّاسِعَةِ. إِلَى أَنْ تَأْتِيَ غَلَّتُهَا تَأْكُلُونَ عَتِيقًا." (لاويين 20:25-22) وهذا يعنى أنه في السنة السادسة يعطي الرب الأرض أن تثمر ثلاثة أضعاف. فلا تهتموا بالسنة السابعة فإلهنا إله التعويضات.
6– لا تقلقوا لأن الله يعلم ما نحتاج إليه قبل أن نسأله. "فَلاَ تَهْتَمُّوا قَائِلِينَ: مَاذَا نَأْكُلُ؟ أَوْ مَاذَا نَشْرَبُ؟ أَوْ مَاذَا نَلْبَسُ؟ فَإِنَّ هَذِهِ كُلَّهَا تَطْلُبُهَا الأُمَمُ. لأَنَّ أَبَاكُمُ السَّمَاوِيَّ يَعْلَمُ أَنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَى هَذِهِ كُلِّهَا." (متى 31:6) فإن كان الأب الأرضي يعرف احتياجات ابنه من طعامٍ ولباسٍ وعلاجٍ وجميع احتياجاته ويدبّرها له، فكم بالحري أبوكم السماوي فإنه يعرف احتياجاتنا قبل أن نسأله. اطمئن ولا تقلق! وأخيرًا:
7– تأكد أن الله هو المسيطر على الأحداث، ويستطيع أن يغيِّر الأحوال والظروف "فتصير كجنّةٍ ريّا وكنبعِ مياهٍ لا تنقطع مياهه."
في الختام أذكّرك أيها القارئ الكريم بتشجيعات الرب يسوع: لا تهتموا، لا تقلقوا ولا تخافوا. وفي نفس الوقت لا تتذمّر بل اشكُرْ!، ثق في أبيك السماوي، واطلب أولاً ملكوته وبرّه وهذه كلّها تُزاد لكم! وكن أمينًا مجتهدًا في عملك، واعلم أن أباك السماوي مهتمّ بأمورك وبتفاصيل حياتك فلا تقلق.