أصبحت كلمة "السلام" الآن في عالم الخيال. لقد اندثر معناها في رؤوس الصواريخ وأفواه المدافع التي تنشر الموت والخراب في كل مكان، وصار كل شخص يذكر هذه الكلمة إلّا وقلبه يتقطّع من الحزن والأسى...
ففي الوقت الذي يحتفل العالم بميلاد رئيس السلام نبحث عن السلام فلا نجد له أثرًا. فبين نغمات الميلاد نرى ونسمع أصوات الطائرات والصواريخ، ونرى أشلاء الآلاف، وهدم المباني وغير ذلك. وفي وسط أفراح الميلاد نرى الدموع تسيل مدرارًا والدماء تُسفك أنهارًا... دولٌ وأحزاب تحارب بعضها بعضًا... الإنسان يظلم أخاه الإنسان... القويّ يريد أن يأكل الضعيف... الغني لا يستمع إلى تأوّهات الفقير... لقد اختفت كلمة "السلام" من قاموس حياة البشر ظنًّا أن السلام هو لغة الضعيف. بينما العالم لا يعرف إلا منطق القوة والعنف كوسيلة لحلّ النزاعات، ولا يمكن لعالمنا أن يعرف طريق السلام إلا بالعودة لتعاليم رئيس السلام، والتشبّه به في كل ما قاله وفعله، لأنه هو وحده رئيس السلام الذي تنبّأ عنه إشعياء النبي قبل مولده فقال: "لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْنًا، وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيبًا، مُشِيرًا، إِلهًا قَدِيرًا، أَبًا أَبَدِيًّا، رَئِيسَ السَّلاَمِ." (6:9) وقال بولس: "لأنه هو سلامنا... صَانِعًا سَلاَمًا، وَيُصَالِحَ الاثْنَيْنِ فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ مَعَ اللهِ بِالصَّلِيبِ، قَاتِلاً الْعَدَاوَةَ بِهِ." (أفسس 14:2)
عند مولده منذ أكثر من عشرين قرنًا، بينما كانت الأرض سابحة في أنهار من الدموع والدماء، وغارقة في بحار من العداء والبغضاء، ظهر بغتة لجماعة من الرعاة ملاك من السماء يحمل بُشرى الميلاد، وظهرت جوقة من الملائكة ينشدون ترنيمة الميلاد "المجد لله في الأعالي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ." (لوقا 14:2)
لقد كان السلام هو الركيزة الأساسية في حياة الرب يسوع وتعاليمه. فهو لم يؤلّف جيشًا، ولم يدرّب جنديًّا ولم يعلّم أتباعه أن يحملوا السلاح، لكنّه طوّب صانعي السلام بقوله: "طوبى لصانعي السلام، لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ اللهِ يُدْعَوْنَ."
عندما هجم عليه الأعداء في بستان جثسيماني تقدّم بطرس للدفاع عنه واستلّ سيفه وقطع أذن ملخس عبد رئيس الكهنة. ثم وقف يسوع واعترض على هذه الوسيلة قائلًا لبطرس: "رُدّ سيفكَ إلى مكانه. لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ السَّيْفَ بِالسَّيْفِ يَهْلِكُونَ!" (متى 52:26) بل إن المسيح صنع أكثر من هذا، إذ أمسك بأذنه وردّها إلى مكانها وشفاه... خفّف آلامه، ومسح دماءه وانتصرت المحبة على الكراهية، وانتصر السلام على الخصام.
أخي وأختي، لقد جاء المسيح ليصنع سلامًا بين الله والإنسان، وبين الإنسان ونفسه، وبين الإنسان وأخيه الإنسان... هل تريد أن تقبله؟ وهل تحيا في سلام مع الله ومع نفسك والآخرين؟