Voice of Preaching the Gospel

vopg

ماذا تُراكَ تقول عن سنَتِك الماضية؟ وكيف تقيّمُها؟ ومن أي منظورٍ تنظُر؟ أو ما هو المقياسُ الذي تتَّبِعُه في فعلِ ذلك؟

هل تُراها كانت تحملُ الخيرات والبركات، أم هي سنةٌ عَجفاءُ قاحلةْ؟ هل كانت خيِّرة ونيِّرة، أم على العكس، فيها الكثيرُ من المِحَن والمصاعب والآلام؟
تعرّفتُ في الشهر الماضي وقبل عيد الميلاد على ترنيمة بالإنكليزية معروفةِ اللحن بالنسبة لي، عنوانها "سمعت قرع الأجراس يوم الميلاد"، لكنَّ كلماتها بدَتْ غريبةً بعضَ الشيء وليست كباقي الترانيم الميلادية.
نظَم كلماتها الشاعر "هنري وادسوورث لونغ فيلو" Henry Wadsworth Longfellow في العام 1863 إبّان الحرب الأهلية المستعرة في أميركا آنذاك. وبدَل أن تحملَ تعابيرَ الفرح والبهجة والطَّرب في هذا العيد جاءت بمثابةِ صرخةِ نُواحٍ ورثاء حتى بدتْ لكثيرين وكأنَّها أغنيةٌ مأساوية تعكس صورةَ الحرب لا السلْم، صورةَ الواقع الأليم. إذ يقول فيها الشاعر بادئ ذي بدء:
"وفي يأسي أحنيتُ رأسي،
ليس هناك سلامٌ على الأرض،
هذا ما ارتأيتْ. فالبغضُ سائدٌ
وهو ساخرٌ من أغنية الملائكة:
[وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة.]"!
لكن انتبه صديقي إلى العدد الذي يتبع لأنَّه سرعانَ ما تتحوّلُ هذه الأغنيةُ المأساوية لتأخُذَ منحىً آخر مليئًا بالأمل والرجاء إذ يقول الشاعر بعدها:
وسمعت صوت قرع الأجراس
يرتفع ليملأ الفضاء الفسيح،
إن الله ليس بميّت، ولا هو بنائم،
ولا بدَّ للخطأ أن يندحرَ،
وللحق أن ينتصرَ، وسيعمُّ السلام
وكذا الوئام بين الناس."
أغنية ليست كالباقي لكنَّها انضمَّت إلى أغاني الموسم البهيج لأن فيها رسالةَ الأمل والرجاء من بعد الموت والألم.
نعم يا قارئي، أحببتُ أن أشاركك بها مع أنَّنا تخطَّينا مرحلةَ الميلاد وها نحن في مطلع سنة جديدة الآن، لأن من صميم هذه المرثاة الشعرية تألَّقت كلماتٌ نورانيّةٌ هي كبصيص النور في نهاية النَّفق. وأنَّ السلامَ سيعمُّ ولا بدّ، والأملَ سيعود إلى البزوغ من جديد بالرَّغم من آلام الحرب وويلاتها والتي استوحى منها الشاعر كلماتِه هذه. لهذا عُرِفَت بأغنية الأمل من بعد الألم. وما مثيلاتُ هذه الأغاني والترانيم إلا تعبيرٌ صادق صادر من أعماق الوجدان يحكي عن معاناة الإنسان في زمنٍ صعب وما أكثرَه في هذه الأيام التي نعيشها.
لكن هذا لا يحدث يا قارئي فقط في الترانيم التي تصف الأحداث والواقع أحيانًا، بل تحصل مع الإنسان المؤمن الذي يجتاز في بعض الأحيان في وديانٍ سحيقةٍ لا قرارَ لها. حتى ليغدوَ الحلُّ أو الأمل بعيدًا، بعيدًا عنه. وفي لحظةِ الانتظار والتوقُّع، فجأةً يظهر شعاعٌ من نور علوي يبعثُ فيه الأمل من جديد. وما المزامير والتسابيح والصلوات إلا تعبير عما يجري في داخلنا من أحاسيس ومشاعر متضاربة من آهات وأنّات وكذا تشكّرات وابتهالات. وهذا بالضبط ما اختبرتهُ أنا في سنة 2022 التي إن أردت تقييمها أو تصنيفها وجدتني أقول: كانت من السنين الصعبة والقاسية في حياتي شخصيًا. على الرغم من بركات الرب وحسناته المتجدّدة وعنايته الفائقة وأمانته التي لا تَحول ولا تتغيَّر. لكنَّ المحنة أو التجربة التي اجتزتها بدتْ لي من أصعب ما اجتزتُه في حياتي. إذ شعرتُ حينَها بأنني أعيشُ وحيدة وكأنَّني أمرُّ في نفَق مظلم لا نهايةَ له. وحين قرأت كلمات هذه الترنيمة إذا بالأمل يعود ليشرقَ فيَّ من جديد، والرجاءِ ليدغدغَ أوتار قلبي. عندها نلت مبتغاي، وسمِع الله لصوت دُعاي. لأنَّه إذ ذاك تواصل معي الله بروحه القدوس حين قرأت من بعدها كلماتِ المزمور 42 فانتعش فؤادي للتوّ كما تنتعش الأرض العطشى إلى المطر فتعود لتزهرَ وتثمر من جديد. ألم يقل النبي إشعياء حينهَا: "لأنه كما ينزل المطر والثلج من السماء ولا يرجعان إلى هناك، بل يرويان الأرض ويجعلانها تلد وتنبت وتعطي زرعًا للزارع وخبزًا للآكل، هكذا تكون كلمتي التي تخرج من فمي. لا ترجع إليّ فارغة، بل تعمل ما سُرِرت به وتنجح فيما أرسلتها له." (10:55-11)
ترى بماذا تكلم إليّ المزمور 42 حرفيًا؟ يقول كاتب المزمور من بني قورح (المغنّون في الهيكل آنذاك والذين كانوا يساعدون في الخدمة فيه) قصيدة معبِّرة جدًّا تنمّ عن معاناة حقيقية كان يجتاز فيها فأنشد بعد أن شعر بالوحدة والاكتئاب وداهمته موجةٌ من الأحزان حتى بدا له الله وكأنه صامتٌ لا يتكلّم، قال: "كما يشتاق الإيَّل إلى جداول المياه، هكذا تشتاق نفسي إليك يا الله. عطِشتْ نفسي إلى الله، إلى الإله الحي. متى أجيءُ وأتراءى قدَّام الله؟ صارتْ لي دموعي خبزًا نهارًا وليلًا إذ قيل لي كلَّ يوم: [أين إلهُك؟] ... لماذا أنتِ منحنيةٌ يا نفسي؟ ولماذا تئنِّين فيَّ؟ ارتجي الله، لأني بعد أحمده، لأجل خلاص وجهه." أيضًا هذه الكلمات خرجت من أعماق كاتبها إذ عبَّر فيها عن اشتياقه لله وعطشه إليه وفيه يصرخ إليه طالبًا معونته. لكنَّ الله بدا بعيدًا عنه أو تراءى له صامتًا. وفي لحظةٍ جازَ فيها ابن قورح عبْرَ خطِّ ذاكرته استرجعَ فيها الله بمحبته الثابتة، وعنايته الفائقة، ورحمته الواسعة عبرَ السنين، فنهضَ عندها للحال كالفرَس من كبوتِه وإحباطِه وأدرك أنَّ الله قريبٌ، قريب! ولم يعُدْ مكتئبًا بل وجد العلاج الناجع لحالته حين تذكَّر بركات الله وعاد ينتظر بأمانة أن يعمل الله ويستجيب. وختم مخاطبًا نفسَه: "ترجَّيِ الله، لأنِّي بعدُ أحمده، خلاص وجهي وإلهي."
أجل، يا صديقي فالحياة مليئةٌ بأسباب عديدة وكثيرة تدعونا للرّثاء. وجميعنا من دون شكّ يجتاز في وادي الدموع من حينٍ لآخر، لكن إذا استطعنا بروح الله أن نُخرِج من الجافي حلاوة وختمنا قصائدَنا الحزينة بأملٍ جديد ينفجر في قلوبنا كما فعل هنري الشاعر، عندها نقدر أن نهتف وننشدَ بفرح حتى لو فعلنا ذلك والدموع تملأ مآقينا.
لكلٍّ منا كنزٌ مُخفىً عنه في جُعبة الله النفيسة، ولا نستطيع أن نكتشف هذا الكنزَ أو نحصل عليه إلاَّ إذا اجتزنا في وادي الدموع بما فيه من آلام وحشرجات ومِحَن وأزمات واختبارات وإساءات من هنا أو هناك، لأنَّنا حينذاك ننحني منكسرين أمام عرش الله معترفين بعجزنا وضعفنا وطالبين منه أن يسمع ويستجيب وألاَّ يبقى صامتًا. نعم، يجرِّدنا الله من كل الناس من حولِنا حتى من أقرب المقرّبين إلينا، ليجعلَنا نعتمد عليه وعليه وحده. وحين نفعل، نقترب منه بكل انسحاق وتواضع فيفتح جعبتَه المليئة بالكنوز النفيسة ويعطينا منها استجاباتٍ غيرَ متوقّعة، وكلمات معزّية مشجّعة، وحلولًا لم تخطر على بالنا، هذه كلُّها لآلئ ثمينة نستخرجها من جُعبة الله كسبَّاحٍ ماهر يُخرج من باطن المحيط اللآلئ الحسنة والأحجار الكريمة. وعندما نجني هذه الكنوز تصبح بمثابة بلسمٍ لجراحنا وأطيابٍ لقلوبنا المكْلومة ومرهمٍ يداوي روحنا المنسحقة. ولولا هذه المحَن والتجارب في وادي الدموع لَما كنَّا سنعرف اللهَ حقَّ المعرفة، ولما كنَّا وصلنا إلى معرفةِ الحكمة، والنعمة، والأمانة، والمحبة، والرحمة، والحنان والعطف المذَّخرين فيه.
والآن أختم لأقول بأنَّ كلمات النبي والملك سليمان في سفر الأمثال هي كلماتٌ مسوقة بالروح القدس لنا جميعًا لنتعلم منها في كل يوم ونحاول البحث لنوطِّد علاقتنا بإلهنا ونصل إلى كل ما اذَّخره لنا فيه من حكمة ومعرفة. يقول في أمثال 2: "إن طلبتَها كالفضة، وبحثتَ عنها كالكنوز، فحينئذ تفهمُ مخافة الرب، وتجدُ معرفةَ الله. لأنَّ الرب يعطي حكمةً. من فمه المعرفةُ والفهم. يذخَرُ معونةً للمستقيمين. هو مِجَنٌّ للسالكينَ بالكمال." (أمثال 4:2-6)
ليس هذا فحسب بل لا يسعني إلَّا وأن أهتف مع بولس الرسول الذي شهدَ عن الله: "يا لَعمقِ غنى الله وحكمته وعلْمه! ما أبعدَ أحكامَه عن الفحص وطرقَه عن الاستقصاء! [لأنْ مَن عرَف فكر الرب؟ أو مَن صار له مشيرًا؟ أو مَن سبقَ فأعطاهُ فيُكافأ؟] لأنَّ منه وبه وله كلَّ الأشياء. له المجدُ إلى الأبد. آمين." (رومية 33:11-36)
والسؤال الذي أودُّ طرحَه الآن عليكَ (وعليكِ) هو:
تُرى كم من الكنوز المخفيَّة استطعْتَ (استطعتِ) أن تجني في رحلة حياتك هذه في أرض الدموع؟
وكم كان عددُ حصادك من جُعبة الله الملآنة بكنوزٍ نفيسة في السنة الماضية؟

المجموعة: كانون الثاني (يناير) 2023

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

414 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
11577210