حملت الجرائد في كل أقطار العالم خبرًا عن زلزال مروع في المكسيك أحدث خسائر فادحة في أربع مدن ومنطقة ريفية واسعة، وساد الفزع والدمار دائرة قطرها 50 ميلاً...
هذه الناحية السوداء في ذلك الخبر، ولا نتصوّر إلا البؤس والخراب والتشريد، لكنني في ثنايا الخبر قرأت هذه العبارة: "وأُرسلت طائرات الرحمة إلى المنطقة المنكوبة وفيها الأطباء والممرضات والعقاقير الطبية والمواد الغذائية." فحمدت الله الذي في الغضب يذكر الرحمة، ويرسل لنا "طائرات الرحمة". وقد أردت بنعمة الله أن أحدثكم عن ثلاث طائرات يرسلها الله بنعمته إلينا عندما تتزعزع أسس حياتنا الخاطئة بالتبكيت، أو تتزعزع أسس حياتنا المستقرة بالضيقات والآلام.
1- طائرة الغفران والتطهير
تأتينا هذه الطائرة على شكل ملاك، حدّثنا عنها إشعياء قائلاً: "فطار إليّ واحدٌ من السرافيم وبيده جمرة قد أخذها بملقط من على المذبح، ومسّ بها فمي وقال: [إن هذه قد مسّت شفتيك، فانتُزع إثمك، وكُفِّر عن خطيّتك.]"
ولقد جاءت هذه الطائرة التي حملت الغفران والتطهير لإشعياء، في سنة وفاة عزّيّا الملك، في تلك الظروف التي مات فيها عزّيّا ويئِس إشعياء من وجود ملك يعيد النهضة لإسرائيل المرتدّ ويُصلح الأحوال، دخل الرجل إلى هيكل الله ليتعزّى، وإذا به يرى الرب في هيكل قدسه، ويسمع تسبيحات السرافيم المحيطين به، ويدرك مقدار قداسة الله ونجاسة قلبه الإنساني الخداع، فيصرخ إشعياء قائلاً: "ويل لي! إني هلكت، لأني إنسان نجس الشفتين، وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين، لأنّ عينيَّ قد رأتا الملك ربَّ الجنود." (إشعياء 5:6) وهنا وسط إحساسه بنجاسته وبالتالي بتعاسته، يرسل الله إليه "طائرة رحمة" في شكل ملاك وبيده جمرة قد أخذها بملقط من على المذبح، هذه الجمرة التي أحرقت الذبيحة واختلطت بها، هي جمرة تشير إلى دم الصليب وإلى ذبيحة المسيح، وقد عملت هذه الجمرة عملين: انتزعت إثم إشعياء وكفّرت عن خطيته، فأصبح رجلاً سعيدًا تنطبق عليه كلمات مزمور 1:32 "طوبى للذي غُفر إثمه وسُترت خطيته."
وهنا نجد أمرًا جليلاً جدًا هو، أنه ما من شخص يأتي إلى الله شاعرًا بنجسة قلبه، معترفًا بشرِّه في محضره إلا ويسرع إليه الله طائرًا ليريحه من ثقل خطاياه، ما أسرع والد الابن الضال إليه وارتمى على عنقه وقبّله... فهل تأتي اليوم تائبًا معترفًا أمام الله؟
2- طائرة المعونة الإلهية
يتكلم موسى في حديثه مع إسرائيل بهذه الكلمات الحلوة العذبة: "ليس مثل الله يا يشورون. يركب السماء في معونتك، والغمام في عظمته." (تثنية 26:33) ولقد أثبت العلم أن سرعة الغمام سرعة هائلة جبّارة، وها هو موسى يؤكد لنا أن الله يطير إلينا راكبًا السماء والغمام لأجل معونتنا!
وفي العهد القديم نرى أليشع وهو يخبر ملك إسرائيل بكل تحركات ملك آرام العسكرية، حتى يغتاظ ملك آرام لأجل فشل مشروعاته فيصرخ في اضطرابه قائلاً لعبيده: "أما تخبرونني من منّا هو لملك إسرائيل؟" ويخبره عبيده بأن أليشع النبي يخبر ملك إسرائيل بما يتكلم هو به في مخدع مضجعه، فأرسل إلى هناك خيلاً ومركبات وجيشًا ثقيلاً للقبض على أليشع في دوثان، وخرج خادم أليشع وإذا به يرى الجيش المحيط بالمدينة فيدخل صارخًا في خوف قائلاً: "آه يا سيدي! كيف نعمل؟" وهنا يهدّئه أليشع قائلاً: "لا تخف، لأن الذين معنا أكثر من الذين معهم." وصلّى أليشع وقال: "يا رب، افتح عينيه فيبصر." ففتح الرب عينيّ الغلام لأجل معونة عبده، وأرسل له طائرة المعونة الإلهية لإنقاذه... فهل عيوننا مفتوحة لنرى "طائرات الرحمة" التي تحيط بنا؟
لقد رنّم داود قديمًا فقال: "إنما خير ورحمة يتبعانني كل أيام حياتي." وهذا هو سرّ قوتنا في هذا العالم المضطرب إن إلهنا سيرسل لنا معونته في الوقت المناسب.
3- طائرة الألم
وعن هذه الطائرة يتكلم موسى في سفر التثنية قائلاً: "كما يحرّك النسر عشّه وعلى فراخه يرفّ، ويبسط جناحيه ويأخذها ويحملها على مناكبه، هكذا الرب وحده اقتاده وليس معه إله أجنبي."
هذه الطائرة التي صوّرها موسى في شكل نسر، هي طائرة رحمة تأتي إلينا في صورة مؤلمة، فالنسر عندما يجد فراخه وقد استكانت لهدوء العش على قمم الجبل، وسُرّت بالطعام الذي يأتيها هو به، يبدأ في عملية خشنة بحسب الظاهر، فينقضّ فجأة على العش فيحرّكه، وتبدأ الفراخ الصغيرة تتساقط في الجوّ فتضطرّ إلى تحريك أجنحتها... لكن التعب يأخذ منها وعندئذ يأتي النسر الكبير فيبسط جناحيه ويأخذها ويحملها على مناكبه... أجل تأتي طائرة الرحمة الرافعة فترفع هذه الصغار قبل أن تصطدم بالأرض.
فهل حدث أن الله حرّك عشّ حياتك؟ هل حدث أن تهدّمت بعض آمالك؟ هل حدث أن تحطم البناء الذي بُنيت عليه أسس مستقبلك؟ لا تيأس، ألم تحسّ بوجود طائرة الرحمة التي تحملك لكي لا يصطدم بحجر رجلك؟ هذا هو الله الذي يأتينا في رجمته ليهزّ أعمدة برامجنا الإنسانية لنسير ووفق برامجه هو، فنتعلم الجهاد، والطيران والتحليق في أجواء الحياة العليا الرفيعة.
لقد كان إيليا عند نهر كريث ينتظر طائرات الرحمة، لكنها كانت طائرات سوداء في صورة غربان، ولكنها في سوادها حملت إليه الخبز واللحم، الغذاء الكامل للحياة...
فاذكر يا أخي أن الله قريب، وأنه في الغضب يذكر الرحمة، وأنه عندما تصادفك زلازل الحياة فطائرات الرحمة سوف تسرع إلى معونتك.