كان "هاورد" أحد الطلّاب في كلية دالاس للاهوت يصغي بكل انتباه إلى أستاذٍ مُملٍّ، وأمامه ورقةٌ يخطّ عليها ملاحظاته.
قال له أحد زملائه، "نكاد ننام في هذه الحصة، فماذا تكتب، وماذا تقتبس؟" أجابه، "عندما يتكلّم هذا الأستاذ، أصغي لما يقوله، وأفكّر كيف يمكنني أنْ أشرح هذا الدرس على نحوٍ أفضل". ودارت الأيام، وصار هاورد هندريكس أفضل معلّم على الإطلاق في علم تفسير الكتاب المقدّس، وقد علّم هذه المادة لربواتٍ من الطلّاب على مدى 50 عامًا بكل نجاحٍ وتفوّق، وكان لي فضل حضور صفّه مع مئات الطلّاب الآخرين في التسعينيّات. سننظر في بعض ما يتعلّق به نجاحنا اعتمادًا على رسالة يوحنّا الرّسول الثالثة.
1- النجاح هو مشيئة إله السماوات
كتب الرسول يوحنّا لغايس، "أَيُّهَا الْحَبِيبُ، فِي كُلِّ شَيْءٍ أَرُومُ أَنْ تَكُونَ نَاجِحًا وَصَحِيحًا، كَمَا أَنَّ نَفْسَكَ نَاجِحَةٌ." يريدنا الله أن نكون ناجحين في كلّ شيء لأنه يحبّنا، وهذه هي رغبة يوحنّا الشيخ لغايس لأنه يحبّه ويخاطبه بصفة "الحبيب" 4 مرات في رسالته القصيرة. هل نعبّر عن ذلك لأولادنا؟ هل نعمل ضجّة كبيرة على نجاح الطفل في المدرسة، ونكتفي بكلمة مديح عندما يحفظ مزمورًا؟ هل نهتمّ كآباء وأمّهات بمواظبة أولادنا على حضور المدرسة ولا نهتمّ بالقدر نفسه بحضورهم اجتماعات الكنيسة؟ يعرف الأولاد ما نراه مهمًا من خلال تصرّفاتنا، فإن قلنا للطفل صباح الأحد، "لا بأس بالنوم والراحة اليوم إذا كان رأسك يؤلمك،" وفي أيام الأسبوع، "لا يجوز التغيّب عن المدرسة، حتى ولو كان رأسك يؤلمك، لأنك لن تنجح"، فهذه رسالة فحواها أنّ النجاح في المدرسة أهمّ من النجاح في الحياة الروحية. كان نجاح يوسف في سفر التكوين على جميع الأصعدة، نجَحَ في حربه ضدّ إغواء الخطيّة في بيت رئيس الشّرطة، ونجح في السّجن وفي قصر فرعون، "كان الربُّ مع يوسف فكان رجلًا ناجحًا" (تكوين 2:39).
2- السلوك بالحق واتّباع التعليمات
وأضاف الشّيخ يوحنّا، "فَرِحْتُ جِدًّا إِذْ حَضَرَ إِخْوَةٌ وَشَهِدُوا بِالْحَقِّ الَّذِي فِيكَ، كَمَا أَنَّكَ تَسْلُكُ بِالْحَقِّ." بعض النّاس مهووسون بكل ما هو صحيّ ومفيد، ونراهم في حياتهم اليوميّة لا يتمتّعون بالصحة لأنه يتغافلون عن اتّباع التعليمات الصحيّة الأساسيّة، وما فائدة المعرفة دون العمل؟ لقد عرف يوحنّا عن طاعة غايس بسبب شهادة الآخرين، وتكرّرت كلمة الشّهادة ومشتقّاتها في هذه الرّسالة 5 مرات، وقال له، "لَيْسَ لِي فَرَحٌ أَعْظَمُ مِنْ هذَا: أَنْ أَسْمَعَ عَنْ أَوْلاَدِي أَنَّهُمْ يَسْلُكُونَ بِالْحَقِّ". التّعليمات في كلمة الله، ويعلّمنا المزمور الأول عمّن يُسرّ بناموس الربّ ويلهج فيه أنّ "كلّ ما يصنَعُهُ يَنْجَحُ". وعد الربّ يشوع أنه سيكون معه ولن يهمله، ولكن المهمّ لضمان النّجاح هو طاعة يشوع لوصايا الله، "لاَ يَبْرَحْ سِفْرُ هذِهِ الشَّرِيعَةِ مِنْ فَمِكَ، بَلْ تَلْهَجُ فِيهِ نَهَارًا وَلَيْلاً، لِكَيْ تَتَحَفَّظَ لِلْعَمَلِ حَسَبَ كُلِّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِيهِ. لأَنَّكَ حِينَئِذٍ تُصْلِحُ طَرِيقَكَ وَحِينَئِذٍ تُفْلِحُ" (يشوع 8:1). كما نقرأ عن عزّيا الملك، "وَفِي أَيَّامِ طَلَبِهِ الرَّبَّ أَنْجَحَهُ اللهُ." (2 أخبار 5:26)
3- التعلّم من نوعَي القدوات
أ. ديوتريفس، قدوة سيّئة. يطلب يوحنّا من غايس، ومنّا جميعًا أن نتحذّر من ديوتريفس الذي "يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ الأَوَّلَ بَيْنَهُمْ"، وكلُّ شيء يبدأ بالفكر، وديوتريفس مصابٌ بالكبرياء وحُبّ الظهور. وبعد الفكر تأتي الكلمات، "هَاذِرًا عَلَيْنَا بِأَقْوَال خَبِيثَةٍ". تصف الكلمة اليونانيّة المقابلة لكلمة "هاذر" ما يحدث للماء عند غليانه، فقاعات فارغة بلا فائدة، وصار الفعل "يهذر" يشير إلى قول الكلام الفارغ غير المُجدي. ثم بعد التفكير السّقيم والكلمات البطّالة، تأتي التصرّفات الرديّة، "إِذَا جِئْتُ فَسَأُذَكِّرُهُ بِأَعْمَالِهِ الَّتِي يَعْمَلُهَا"، فديوتريفس "لاَ يَقْبَلُ الإِخْوَةَ، وَيَمْنَعُ أَيْضًا الَّذِينَ يُرِيدُونَ، وَيَطْرُدُهُمْ مِنَ الْكَنِيسَةِ". ويوحنّا يوصي غايس، ويوصينا بالرّوح القدس، ألّا نتمثّل بالشرّ أو بالشرّير. قال يسوع، "اذْكُروا امرأةَ لوط." ثلاث كلمات تحمل عبرًا كثيرة للتعلّم ممّن هُمْ قدوةٌ سيّئة.
ب. "دِيمِتْرِيُوسُ قدوةٌ حسنة، "مَشْهُودٌ لَهُ مِنَ الْجَمِيعِ وَمِنَ الْحَقِّ نَفْسِهِ، وَنَحْنُ أَيْضًا نَشْهَدُ." ما أحلى أن نكون ديمتريوس، وربّما كان هو حامل الرّسالة إلى غايس. لنفتحْ عيوننا على أمثال ديمتريوس في الكنيسة: الأخت التي تعمل بصمتٍ في افتقاد المساكين، والأخ الذي يعتني بالمبنى، ويُصلِح كلّ معطوبٍ بكل هدوء، والشابّ الذي يهيّئ الأجهزة التقنيّة قبل بدء الاجتماع. دعونا نقتدي بديمتريوس للخير، ونتجنّب سلوك ديوتريفس في الشرّ لنكون ناجحين في كل شيء.
4- اجتهاد رغم التحدّيات
ليس النجاح مجرّد عطية من الله. نقرأ عن نحميا كيف عمل بكلّ اجتهادٍ لبناء أسوار مدينته المنهدمة وقال، "إِنَّ إِلهَ السَّمَاءِ يُعْطِينَا النَّجَاحَ، وَنَحْنُ عَبِيدُهُ نَقُومُ وَنَبْنِي" (نحميا 20:2). لَقِيَ نحميا مقاومةً من الأعداء ولكنّه ثبت وعمل باجتهادٍ مع مَنْ معه. يريد الله النجاح ويعطيه، ولكنّ هذا يتوقّف على اجتهادنا وطاعتنا أيضًا. اجتهَدَ يوسف رغم تحدّياتٍ من إخوته وأصدقائه ورغم الافتراءات والوحدة والظّلم والسّجن. قال كاتب الأمثال، "أَرَأَيْتَ رَجُلاً مُجْتَهِدًا فِي عَمَلِهِ؟ أَمَامَ الْمُلُوكِ يَقِفُ" (أمثال 29:22). حضّرْ ما تعمله، مهما كان بسيطًا، خطّطْ للمستقبل بحكمةٍ، واجتهدْ في ما تفعله، واعملّ كلَّ شيء على أفضل وجه إذا كنت تريد النّجاح.
وفي الختام، توجد عقبةٌ في طريق النجاح وهي الخطيّة. يقول الكتاب:
"مَنْ يَكْتُمُ خَطَايَاهُ لاَ يَنْجَحُ، وَمَنْ يُقِرُّ بِهَا وَيَتْرُكُهَا يُرْحَمُ" (أمثال 13:28).
هل يملك الله على كلّ القلب أم نحجُبُ عنه زوايا معيّنة، ونقولُ كلماتٍ لا ترضيه، ونحتفظُ بعلاقةٍ لا تكرمُهُ؟ يحذّر الكتاب مَنْ يعيش في العصيان، "وَلاَ تَنْجَحُ فِي طُرُقِكَ" (تثنية 29:28). لتكُنْ صلاة كلٍّ منّا ما صلَاة نحميا في 11:1، "يَا سَيِّدُ، لِتَكُنْ أُذْنُكَ مُصْغِيَةً إِلَى صَلاَةِ عَبْدِكَ وَصَلاَةِ عَبِيدِكَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ مَخَافَةَ اسْمِكَ. وَأَعْطِ النَّجَاحَ الْيَوْمَ لِعَبْدِكَ وَامْنَحْهُ رَحْمَةً". آمين