Voice of Preaching the Gospel

vopg

كلمةُ الربِّ غنيّةٌ وعميقةٌ في معانيها وهي باقيةٌ إلى الأبد. يصفُها الربُّ يسوع ويقول: "السماءُ والأرضُ تزولانِ،

ولكنَّ كلامي لا يزول." (لوقا 33:21) تأمَّلنا مسبقًا في كلمات الرب من خلالِ موعظته الشهيرة على الجبل، وبالتحديد في الأعداد الخمسة الأولى. وعلِمْنا أنَّ معنى كلمة (طوبى) هو مبارك، أو ما أسعَدَ. والآن نتابعُ في الأعداد التالية إذ يقول الربّ يسوع: "طوبى للجياعِ والعطاش إلى البرِّ، لأنَّهم يُشبَعون. طوبى للرُّحماء، لأنَّهم يُرحَمون. طوبى للأنقياءِ القلب، لأنَّهم يعاينونَ الله. طوبى لصانعي السّلام، لأنَّهم أبناءَ الله يُدعَوْن." (متى 6:5-9)

4- "طوبى للجياع والعطاش إلى البِرِّ، لأنهم يُشبَعون": فمَن هم هؤلاء؟ إنّهم الأشخاص الذين يتوقون إلى البرِّ الداخلي وليس الخارجي. قال الرب يسوع: "أنا هو خبز الحياة. مَن يُقبِلْ إليّ فلا يجوعْ، ومَن يؤمنْ بي فلا يعطشْ أبدًا." (يوحنا 35:6) لأنَّه يشبعُهم من روحه القدوس. ويقول إشعياء: "أيّها العطاش جميعًا هلمُّوا إلى المياه، والذي ليس له فضّةٌ تعالَوْا اشتروا وَكُلوا... استمعوا لي استماعًا وكُلوا الطيِّبَ، وَلْتتلذَّذْ بالدَّسمِ أنفسُكم... اسمعوا فتحيا أنفسُكم." (1:55-3) كان شخصٌ واحد يموت في العالم من الجوع في كل 11 دقيقة، أمَّا اليوم وبسبب الحروب القائمة في أوكرانيا وغزّة فلقد فاقَ هذا العددَ بكثير. لكن هناك يا أخي مجاعةٌ أكبر للأمور الروحية.

5- طوبى للرُّحماء لأنَّهم يُرحَمُون: لا يمكِنُك أن تختبرَ رحمةَ الله المخلِّصة ومحبَّتَه وغفرانَه لكَ دون أن تشاركَ ذلك مع الآخرين. ألمْ يَقُلِ الرب يسوع: "مَن آمن بي، كما قال الكتاب، تجري من بطنه أنهارُ ماءٍ حيٍّ"؟ (يوحنا 38:7) هذه الأنهار هي روحُ الرحمة وروحُ الوداعة. ينبغي علينا استخدامُها وإلَّا يتحوّل النهر فينا إلى مستنقع. يقول الكتاب: "احمَدوا الربَّ لأنَّه صالح، لأنَّ إلى الأبد رحمته." (مزمور 1:136) وأيضًا: "الربُّ رحيمٌ ورؤوفٌ، طويلُ الروح وكثيرُ الرحمة... لأنَّه مثلُ ارتفاع السماوات فوقَ الأرض قوِيَتْ رحمتُه على خائفيه." (مزمور 103: 8 و11) وكما هو معروف أنَّ هناك ثلاثةَ أديان في الشرق الأوسط، وكلُّها تتحدَّث عن الله الرحوم، والكلُّ يبغي رحمةَ الله أن تنزِل عليه. لكنَّنا وللأسف نحنُ بدورِنا لا نرحَمُ الآخَر. يقول الرب: "فكونوا رحماءَ كما أنَّ أباكم أيضًا رحيمٌ." (لوقا 36:6) ويذكّرنا بولس في رسالته إلى تيطس: "لا بأعمالٍ في برٍّ عَمِلْناها نحن، بل بمقتضى رحمتِه خلَّصنا بغُسلِ الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس." (5:3) وكمؤمنين علينا ألَّا نعيشَ لأنفسنا، بل نشارك هذه الرَّحمة التي نلناها من الرب مع الآخرين. "الله الذي هو غنيٌّ في الرحمة، من أجل محبّته الكثيرة التي أحبَّنا بها، ونحن أمواتٌ بالخطايا أحْيانَا مع المسيح - بالنعمة أنتم مخلَّصون." (أفسس 4:2-5)
لننتبهْ أيضًا ألَّا تكون لدينا رحمة دون شفقة أو رأفة. هل تذكرون يونان النبيّ؟ فهو لم يستمعْ لصوت الرب، بل هرَب غربًا إلى ترشيش لأنَّه لم يُرِدْ أن يُخبر أهل نينوى عن الله الرَّحيم، وكيف أدَّى به عصيانُه هذا إلى بطن الحوت. كان يونان متعصّبًا وأنانيًّا وعنصريًّا أيضًا. وحين أطاع أخيرًا وذهب إلى نينوى، حصلتْ نهضةٌ روحية عظيمة أدَّت إلى توبة الملِك والشعب. طبعًا لم يُعجِب الأمرُ يونان فعاتبَ الربَّ وقال: "لذلك بادرتُ إلى الهرَب... لأني علمتُ أنّك إلهٌ رؤوفٌ ورحيم." (2:4) نعم، يتوقّع الناس رحمةَ الله عليهم أمّا هم فلا يمارسون ذلك مع الآخرين. لنرفض التحيُّز الدينيّ والعنصريّ. ألم يسأل المسيحُ في مثَلِ السامري الصالح: "[فأيَّ هؤلاء الثلاثة تَرَى صار قريبًا للّذي وقَع بين اللّصوص؟] فقال (الناموسي): [الذي صنعَ معه الرحمة.] فقال له يسوع: [اذهبْ أنت أيضًا واصنَعْ هكذا.]" (لوقا 36:10-37)
يُحكى عن مايكل شانون الطبيب النسائيّ أن جاءتْه في إحدى الليالي حالةٌ خطيرةٌ لمريضةٍ حامل في الشهر السابع مصابةٍ بالنزيف. فاعتنى بها لأكثر من 10 ساعات وسَهِر كلّ الليل محاولًا بذلك توقيف النزيف، واستطاع بعد التعب والجهد أن يُنقذَ الأم والطفلَ المولود. كان هذا عام 1981، وعاش الطفلُ وكَبُر. وحدثَ بعدَ ثلاثين سنةٍ من تلك الحادثة أن تعرَّض هذا الطبيب لحادثِ سيارة مروّع في كاليفورنيا، أدَّى إلى اشتعال النيران داخلَ سيارته وكادَ أن يفقدَ حياته، لولا وصول فريق الإسعاف والإطفاء السريع إلى المكان. إذ عندها اقتحم شابٌ إطفائيٌّ يُدعى (كريس) السيّارة وسَط اللَّهب، وأخرج الطبيب منها. ولم يكن "كريس" هذا سوى ذلك الطفل الذي أنقذَ الطبيب حياته وحياة والدته منذ 30 سنة. نعم، فمَن يزرعِ الرحمةَ يحصُدِ الرحمة أيضًا.

6- طوبى للأنقياء القلب لأنَّهم يعاينون الله: ما أسعدَ أنقياء القلب! لماذا القلب؟ لأنَّه مركز الحياة الجسديّة والنفسيّة والروحيّة. فيه تكمنُ النيّات والأخلاقيَّات والضمائر والأفكار والمشاعر، وهذا هو جوهرُ الإنسان. لذا يقول النبي إرميا: "القلبُ أخدعُ من كلِّ شيءٍ وهو نَجيسٌ، مَن يعرفُه؟" (9:17) ويقول حزقيال عن القلب الجديد ما يلي: "وأعطيكم قلبًا جديدًا، وأجعلُ روحًا جديدة في داخلكم، وأنزِع قلبَ الحجر من لحمِكم وأعطيكم قلبَ لحم." (26:36) لكن للأسف، حين تنظر إلى العالم اليوم تَرى الناس ذوي قلوبٍ حجرية وقد فقدوا الإحساسَ والرَّحمة. ولا يقتصر ذلك على الناس من حولنا، بل تسرّب إلى الكنائس هنا في أميركا، ممَّا جعل البعضَ منّا يتساءل: أين الرحمةُ في قلوبكم؟ ترى ما هي الديانة التي تتكلّمون عنها حين تدعَمون الحربَ والقتل؟! كم نحن بحاجة إلى أن نطلبَ من الله أن يمنحنا قلبًا جديدًا، قلبًا حساسًا يشعر مع الآخرين. حين تدخلُ "البكتيريا" إلى القلب يتضخَّم ويصبح قاسيًا. فانتبه أخي، أختي، هذا ما تفعله الخطية تمامًا في الداخل. الناس الذين يريدون العنف والانتقام صاروا قساةً أمَّا قلب المؤمن فهو نقيّ لذا حافظْ على نقائهِ بعيدًا عن كلِّ تلوُّثٍ خارجيّ.
هنالك نماذجُ بشريّة تُحتذى، كمثَل مازن جولاني الفلسطينيّ الذي قتُل برصاص المستوطنين اليهود في فلسطين. لكنَّ لطفي والده كان لديه إيمان بالرب، إذ وافق على التبرّع بقلب ابنه الشاب حين سُئِل، وزراعته في جسد رجلٍ يهوديّ. وصرَّح دافيد والد الشاب المتلقّي القلب: لا يمكن أن نكرَه بعدَ اليوم إذ ينبضُ قلبُ فلسطينيٍّ في ابني، فنجَّاه من الموت المحتَّم. هذا ما يعلِّمنا إياه الربُّ يسوع: "أحبُّوا أعداءكم." وبالروح نستطيع أيضًا أن نُميتَ أعمال الجسد: "لأنَّه من الداخل، من قلوب الناس، تخرُج الأفكار الشريرة: زنىً، فِسقٌ، قتلٌ، سرقة، طمع، خبث، مَكر، عهارة، عين شريرة..." (مرقس 21:7-22) لذا علينا أن ننتبهَ أيضًا لعيوننا ماذا تَرى وإلى ماذا تنظر.

7- طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناءَ الله يُدْعَون: لم يُعرَفْ منذُ بداية التاريخ السلام الذي تكلَّم عنه الرب. ومنذ سقوط الإنسان صارت لديه طبيعةٌ عدائية شهوانية وأنانية. لذا فهو يعيش بعداءٍ مع الآخر. يقول أغسطينوس: "جعلْتَنا لأجل ذاتك ونفوسُنا دائمًا تائهةٌ هائمةٌ على وجهها إلى أن تجد راحتها فيك." نعم، لأنَّها فاقدة للسلام. يقول الرسول بولس: "لأنَّه هو سلامُنا، الذي جعل الاثنين واحدًا، ونقضَ حائطَ السياج المتوسّط أي العداوة... لكي يخلُقَ الاثنين في نفسه إنسانًا واحدًا جديدًا، صانعًا سلامًا، ويصالحَ الاثنين في جسدٍ واحد مع الله بالصليب، قاتلًا العداوةَ به. فجاء وبشَّركم بسلامٍ، أنتمُ البعيدين والقريبين." (أفسس 14:2-17) فبولس الذي أراد قتل المسيحيين الأوائل صارَ واحدًا في المسيح مع لوقا البشير الأمميّ. ولم يَعُدْ هناك فرقٌ. كتب "كوينسي رايت" عالِمُ السياسة الأمريكي في أطروحته عن العصور المظلمة بين عام 1480 و1941. ذكَر فيها عددَ الحروب التي قامت في تلك الحُقْبة الزمنيّة. وكانت إنكلترا على رأس هذه القائمة إذ بلغ عددُ الحروب التي شنَّتها 78 حربًا. وفرنسا 71، وإسبانيا 64، وروسيا 61 حربًا. أما أميركا - فلم تكن قد تكوَّنتْ بادئَ ذي بدء - لذا فعددُ الحروب التي انخرطتْ فيها كانت 13 حربًا. ولكنها قامت بشنِّ 110 حمَلةٍ عدائية على الهنود الحُمْر. أيضًا منذ زمن إبراهيم حتى أيَّامنا هذه لم يَعرفِ العالمُ فترةَ سلامٍ حقيقيّ، بل سلامٍ قمعيٍّ كأيّام القياصرة. ولا وجودَ لسلام ٍعادلٍ ودائم. لأنَّ فاقد الشيء لا يعطيه. ومهما وصلَ الإنسان وتطوَّر وعقدَ مؤتمراتٍ للسلام فإنَّه لم يحقِّق شيئًا. يقول إشعياء النبي: "طريقُ السلام لم يعرفوه، وليس في مسالكِهم عدلٌ." (8:59) وحدَهُ الربُّ يسوع المسيح يدعو ويقول: "سلامًا أتركُ لكم. سلامي أعطيكم. ليسَ كما يعطي العالم أعطيكم أنا." (يوحنا 27:14) هنا لا يتكلَّم عن سلامٍ مادّيٍّ مؤقَّت بل عن سلامٍ أبديٍّ لأنَّه هناكَ على الصليب تمَّم هذا السلامَ، وهو مبنيٌّ على أساس ذبيحةِ نفسِه من أجلنا. فاطلب رئيس السلام يسوع المسيح واجعله يتربّع على عرش قلبك واصنع السلام في بيتِك، وفي كنيستِك، وفي مجتمعِك، وفي بلدك وعندها تحظَى بالطُّوبى.

المجموعة: نيسان (إبريل) 2024

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

137 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
11578450