Voice of Preaching the Gospel

vopg

يعتنق كلُّ مؤمن يعيش في العالم فلسفةً خاصة تتحكّم في حياته وتصرفاته،

وعلى أساس الفلسفة التي يؤمن بها ويطبّقها في حياته العملية تتلوّن تصرّفاته الشخصية وتتحدّد نهايته على هذه الأرض.
يجدر بنا أن نعرف مفهوم كلمة "الفلسفة" فالفلسفة تعني في مفهومها الصحيح محبة الحكمة، والحكمة معناها تطبيق المعرفة. ويتحدّث يعقوب الذي كان أسقفًا لأورشليم إلى الذين آمنوا بالمسيح ربًا ومخلّصًا من الأسباط الاثني عشر، وكان هؤلاء يتعرّضون في ذلك الوقت لضغوط قاسية، واضطهادات شديدة حتى أنهم جرّبوا أن يتركوا طريق الحق ويعودوا إلى العالم يسايرونه في تصرّفاته، ويعتنقون فلسفته. لكن يعقوب كتب لهؤلاء محذّرًا ومشجّعًا في ذات الوقت؛ محذّرًا من العودة إلى العالم، ومشجّعًا للاستمرار في طريق الرب. وشرح يعقوب لهؤلاء المؤمنين المجرّبين والمضطهدين أن هناك فلسفتين: فلسفة أرضية وفلسفة سماوية ونصحهم باعتناق وتطبيق الفلسفة السماوية في حياتهم.
الفلسفة الأرضية: كتب يعقوب للمؤمنين في الشتات: "مَنْ هُوَ حَكِيمٌ وَعَالِمٌ بَيْنَكُمْ، فَلْيُرِ أَعْمَالَهُ بِالتَّصَرُّفِ الْحَسَنِ فِي وَدَاعَةِ الْحِكْمَةِ. وَلكِنْ إِنْ كَانَ لَكُمْ غَيْرَةٌ مُرَّةٌ وَتَحَزُّبٌ فِي قُلُوبِكُمْ، فَلاَ تَفْتَخِرُوا وَتَكْذِبُوا عَلَى الْحَقِّ. لَيْسَتْ هذِهِ الْحِكْمَةُ نَازِلَةً مِنْ فَوْقُ، بَلْ هِيَ أَرْضِيَّةٌ نَفْسَانِيَّةٌ شَيْطَانِيَّةٌ." (يعقوب 13:3-15)
وصف يعقوب الفلسفة العالمية بأنها ليست نازلة من فوق. معنى ذلك أنها ليست نازلة من عند الله أبي الأنوار الذي قال عنه: "كُلُّ عَطِيَّةٍ صَالِحَةٍ وَكُلُّ مَوْهِبَةٍ تَامَّةٍ هِيَ مِنْ فَوْقُ، نَازِلَةٌ مِنْ عِنْدِ أَبِي الأَنْوَارِ، الَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ تَغْيِيرٌ وَلاَ ظِلُّ دَوَرَانٍ." (يعقوب 17:1)
إنها فلسفة أرضية، نفسانية وشيطانية.

1- إنها فلسفة أرضية مادية
كل فلسفة أرضية هي في ذات الوقت مادية، يعيش صاحبها للمنظور ويهمل أو ينكر غير المنظور. يعيش للأرض لا للسماء. والفلسفة التي تسيطر على الناس في عصرنا الحاضر هي الفلسفة الوجودية في أحطّ مستوياتها، وصاحبها يقول: "أنا موجود وسأفعل كل ما يجعلني أشعر باللذّة بصرف النظر عن وجود الله أو عن وصاياه." إن أصحاب هذه الفلسفة يقولون إن الله ليس بموجود، وإن كان موجودًا فهو لا يجب أن يسيطر أو يتحكّم في تصرّفات الإنسان، ويقولون إن الكتاب المقدس مجرّد قطعة لأثاث البيت وليس الدستور النهائي للإيمان والأعمال.
ومع الفلسفة الوجودية تعمل الفلسفة الإنسانية فتنادي الناس أن يفعلوا فقط ما هو إنساني ولا يعطوا أهمية للوصايا الإلهية.
والفلسفتان تضغطان بعنف على الناس في هذا العصر، من خلال كل وسائل الإعلام والتلفزيون، والمطبوعات. وهي تجعل الخطية سهلة، فلا ضير على زوج يخون زوجته، ولا ضير على زوجة تخون زوجها ولا حرج حتى في تبادل الزوجات، إنها فلسفة أرضية.

2- إنها فلسفة نفسانية
أي تعيش حول دائرة الذات وتجعل الإنسان وليس الله مركز الكون. ولكي نفهم معنى كلمة نفسانية بأكثر وضوح نقول: إنه هناك ثلاث درجات للحياة:
- الحياة النباتية، أي حياة الأشجار والزروع – وهي حياة تنمو ولكنها لا تحسّ. فالشجرة لا تتألّم حين تقطعها، والزهرة لا تئنّ حين تقطفها.
- الحياة الحيوانية، كالكلب الحيّ الذي يتألّم إذا ضربته، ولكن الكلب لا يستطيع أن يحلّ مسألة حسابية أو يلعب قطعة موسيقية.
- الحياة البشرية، والإنسان وحده هو الذي خلقه الله على صورته، إذ خلقه بعقل يتميّز بإمكانيات رائعة: يحفظ اللوغاريتمات، ويحلّ المعضلات الرياضية، ويشرح جسم الإنسان ويعرف خباياه، وخلقه بنفس تحب وتكره وتريد، وخلقه بروح يمكن أن تتصل به وتتعبّد له وتتأمّل كلمته.
الفلسفة النفسانية لا تبالي بالله، ولا تعبأ بوصاياه. إنها تدور حول الذات وتجعل الإنسان مركز الحياة، وهذه الفلسفة هي شائعة في عصرنا لأننا نعيش في الأيام الأخيرة كما يقول الكتاب: "وَلكِنِ اعْلَمْ هذَا أَنَّهُ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ سَتَأْتِي أَزْمِنَةٌ صَعْبَةٌ، لأَنَّ النَّاسَ يَكُونُونَ مُحِبِّينَ لأَنْفُسِهِمْ، مُحِبِّينَ لِلْمَالِ، مُتَعَظِّمِينَ، مُسْتَكْبِرِينَ، مُجَدِّفِينَ، غَيْرَ طَائِعِينَ لِوَالِدِيهِمْ، غَيْرَ شَاكِرِينَ، دَنِسِينَ، بِلاَ حُنُوٍّ، بِلاَ رِضًى، ثَالِبِينَ، عَدِيمِي النَّزَاهَةِ، شَرِسِينَ، غَيْرَ مُحِبِّينَ لِلصَّلاَحِ، خَائِنِينَ، مُقْتَحِمِينَ، مُتَصَلِّفِينَ، مُحِبِّينَ لِلَّذَّاتِ دُونَ مَحَبَّةٍ ِللهِ، لَهُمْ صُورَةُ التَّقْوَى، وَلكِنَّهُمْ مُنْكِرُونَ قُوَّتَهَا. فَأَعْرِضْ عَنْ هؤُلاَءِ." (2تيموثاوس 1:3-5)

3- هي فلسفة شيطانية
وهذا هو وصفها الثالث الذي ذكره يعقوب. والشيطان أسلوبه التعظّم والحسد. لقد تعظّم على الله، وحسد الإنسان.
تعظّم على الله إذ قال في قلبه: "وَأَنْتَ قُلْتَ فِي قَلْبِكَ: أَصْعَدُ إِلَى السَّمَاوَاتِ. أَرْفَعُ كُرْسِيِّي فَوْقَ كَوَاكِبِ اللهِ، وَأَجْلِسُ عَلَى جَبَلِ الاجْتِمَاعِ فِي أَقَاصِي الشَّمَالِ. أَصْعَدُ فَوْقَ مُرْتَفَعَاتِ السَّحَابِ. أَصِيرُ مِثْلَ الْعَلِيِّ." (إشعياء 13:14-14) وحسد الإنسان فتحايل على حواء وأغواها حتى سقطت وأسقطت زوجها معها. ومن يعتنق هذه الفلسفة الأرضية يعيش بغير اتزان نفسي، وتمتلئ حياته بالمرارة، ويصبح عاملاً على الانشقاق والتحزّب. ويقول يعقوب عن نهاية أصحاب هذه الفلسفة: "لأَنَّهُ حَيْثُ الْغَيْرَةُ وَالتَّحَزُّبُ، هُنَاكَ التَّشْوِيشُ وَكُلُّ أَمْرٍ رَدِيءٍ." (يعقوب 16:3)

الفلسفة السماوية
ينتقل يعقوب إلى الحديث عن الفلسفة السماوية فيقول: "وَأَمَّا الْحِكْمَةُ الَّتِي مِنْ فَوْقُ فَهِيَ أَوّلاً طَاهِرَةٌ، ثُمَّ مُسَالِمَةٌ، مُتَرَفِّقَةٌ، مُذْعِنَةٌ، مَمْلُوَّةٌ رَحْمَةً وَأَثْمَارًا صَالِحَةً، عَدِيمَةُ الرَّيْبِ وَالرِّيَاءِ." (يعقوب 17:3)
هذه الفلسفة هي من "فوق" فهي ليست من ابتداع الإنسان أو استحسانه بل هي نازلة من عند أبي الأنوار وهي قطعًا لخير المؤمنين.
وتتميّز هذه الفلسفة السماويّة بسبع مميزات فهي طاهرة، مسالمة، مترفّقة، مذعنة، مملوّة رحمة وأثمارًا صالحة، عديمة الريب والرياء. وهذه الفلسفة تُعطى من الله لمن يطلبها بإيمان. "وَإِنّمَا إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ تُعْوِزُهُ حِكْمَةٌ، فَلْيَطْلُبْ مِنَ اللهِ الَّذِي يُعْطِي الْجَمِيعَ بِسَخَاءٍٍ وَلاَ يُعَيِِّّّّّّرُ، فَسَيُعْطَى لَهُ. وَلكِنْ لِيَطْلُبْ بِإِيمَانٍ غَيْرَ مُرْتَابٍ الْبَتَّّةَ، لأَنَّ الْمُرْتَابَ يُشْبِهُ مَوْجًًا مِنَ الْبَحْرِ تَخْبِطُهُ الرِّيحُ وَتَدْفَعُهُ. فَلاَ يَظُنَّ ذلِكَ الإِنْسَانُ أَنَّهُ يَنَالُ شَيْئًا مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ." (يعقوب 5:1-7)
هذه الفلسفة طاهرة: فهي لا تنادي بإباحة العلاقات الجنسية في غير دائرة الزواج القانوني، ولا تقبل الشذوذ الجنسي، ولا ترضى بالنجاسة في أي صورة من صورها. إنها طاهرة، وطهارتها نابعة من طاعة الحق، وعمل الروح القدس. "طهِّروا نفوسكمْ في طاعةِ الْحقِّ بالرُّوح للْمحبَّةِ الأخويَّة الْعديمة الرِّياء، فأَحِبُّوا بعْضُكمْ بعْضًا مِنْ قلبٍ طَاهرٍ بشدَّة." (1بطرس 22:1)
إنها الديانة الطاهرة النقيّة عند الله الآب (يعقوب 27:1). إنها طهارة الفكر والرأي (يعقوب 8:4). إنها نابعة من عمل روح الله في قلب المؤمن. وهذه الفلسفة مسالمة، والسلام له طريقان، طريق السلام بين الله والإنسان (رومية 1:5) وطريق السلام بين الإنسان والإنسان (رومية 18:12). الطريق الأول عمودي يربط السماء بالأرض، والطريق الثاني أفقي يربط الإنسان بالإنسان.
والفلسفة السماوية مسالمة: فلو طّبقناها في حياتنا العائلية لانتهت المنازعات الزوجية، ولو طبّقناها في حياتنا الشخصية الاجتماعية لانتهت المكايد الذاتية، ولو طبّقناها في حياة الكنيسة لانتهت الانشقاقات الكنسية.
قال جورج ماكدونالد، وهو الرجل الذي أثر بقوة في حياة الفيلسوف الإنجليزي سي إس لويس: "لقد نجحت الانشقاقات الكنسية في إخفاء المسيح عن عيون الكثيرين، أكثر كثيرًا من كل التعاليم الإلحادية."
إن الفلسفة الأرضية هي السرّ الكامن وراء كل نزاع أو انشقاق. بينما الفلسفة السماوية هي فلسفة السلام، ذلك لأن الذي أوجدها هو الرب يسوع المسيح الذي اسمه "رئيس السلام" والذي هو صانع السلام.
والفلسفة السماوية مذعنة بمعنى أنها تخضع للحق الإلهي حين تراه، كما تخضع للآخرين بغير عناد سخيف.
والفلسفة السماوية مملوءة رحمة وأثمارًا صالحة، لأن المسيح هو مؤسسها وهو الذي يعطي القوة لتنفيذها (فيلبي 11:1). وهي عديمة الريب – أي إنها موحدة القلب ولسان حالها يقول: "وحِّد قلبي لخوف اسمك." (مزمور 11:86) وهي أيضًا عديمة الرياء، فهي تخلو من التظاهر الكاذب، وتعيش الحياة الواضحة البسيطة.
هاتان هما فلسفتا الحياة... والفلسفة السماوية التي تزرع السلام في كل دوائر الحياة.
وفي حياة لوط وإبراهيم نجد مثالاً واضحًا للفلسفتين. فلوط اعتنق الفلسفة الأرضية، فلم يستشر الرب لاختيار مكان الحياة، بل اختار لنفسه وكان أنانيًا في اختياره، وتدهور من يوم إلى يوم فسكن في مدن الدائرة، ثم نقل خيامه إلى سدوم، ثم جلس في باب سدوم (تكوين 10:13-13 و1:19) وكانت نهايته أنه فقد كل ممتلكاته، وصارت زوجته عمود ملح، وانحطّت أخلاق بناته... لقد كان لوط مؤمنًا ولكنه تأثّر بالفلسفة الأرضية وتصرّف بمبادئها وحصل على نتائجها.
أما إبراهيم فانتظر الرب ليختار له، وكان رجل السلام، ورجل الاهتمام بالآخرين، وانتهى بأن امتلك أرض كنعان وصار نسله الذي هو المسيح بركة لكل أمم الأرض.
نجد أيضًا في المزمور الأول فلسفتين ونهايتين، فلسفة أرضية تسلك في مشورة الأشرار وتجلس في مجلس المستهزئين، وفلسفة سماوية صاحبها يتأمّل كلمة الله نهارًا وليلاً، ويعيش بنورها "فيكون كشجرة مغْروسةٍ عنْد مجاري المياه، الَّتي تعْطي ثمرها في أوانه، وورقها لا يذبل. وكلُّ ما يصنعه ينجح." (مزمور 3:1)
فبأيِّ فلسفة تعيش يا أخي المؤمن؟ وبأيّ فلسفة تعيشين يا أختي المؤمنة.

المجموعة: آب (أغسطس) 2024

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

303 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
11546616