تتمة من العدد السابق
ب- السرقة والطمع: هاتان هما شهوة العيون وشهوة المال اللتان تدمّران حياة الناس.
ترى ما الذي يجرُّ العالم الآن؟ أليس الشهوةُ والطمع؟ لهذا يقول بولس: "فأميتوا أعضاءكم التي على الأرض: الزنا، النجاسة، الهوى، الشهوة الردية، الطمع الذي هو عبادة الأوثان."
يقولُ التاريخ بأنَّه كان لدى الإسكندر المكدونيّ خادمٌ فقير لكنَّه كان سعيدًا ومكتفيًا. فسأل الإسكندر أرسطو مستشاره: لماذا يبدو خادمي سعيدًا كلّ الوقت على الرغم من فقره، بينما أنا قلقٌ ومضطربٌ طوال الوقت؟ أجابه لأنَّه لم يمرّ بتجربة (99) دينارًا. سأله ماذا تقصد؟ قال: "ضع على باب بيته كيسًا فيه 100 دينار، واكتب على الكيس 100 دينار مكافأة من الإسكندر. لكنْ بدلَ المئة دينار ضع في داخله 99 دينارًا." فعل ما نصحه به أرسطو. وفعلًا حين رأى الخادم الكيس سُرَّ جدًا فأخذه وعدَّ الدنانير فإذا هي 99 بدلًا من 100. فقال في نفسه لا بدَّ أنَّه قد فُقِد دينارٌ واحدًا. وراح يبحث عنه في كل مكان في بيته، وأيقظ عائلته ليبحثوا معه، لكنْ دون جدوى. عندها تحوَّل فرحُه إلى حزن، ونسي أن يشكر الملك على كرمه، بل كلُّ ما قاله له فيما بعد هو: "ضاع أحد الدنانير." تُرى هل تركض أنت أيضًا وراء الدينار المفقود؟ فحياة كثيرين تدمّرت بفعل الطمع مثل أخآب الملك، ويهوذا الإسخريوطي السارق، وحنانيا وسفّيرة، وديماس الذي أحبَّ العالم الحاضر الشرير، وترك معلّمه بولس. هذه كلُّها نماذج بشرية تأثَّرت بالطمع. واليوم نراها للأسف ظاهرة في حياة المؤمنين. طلب منك الربّ أن تعطي عُشر ما أعطاك، لكنَّك سلبْتَه إذ يقول: "فإنكم سلبتموني." ولهذا يشدّد بولس في كولوسي كما ذكرنا ويقول: "فأميتوا أعضاءكم التي على الأرض: الزنا، النجاسة، الهوى، الشهوة الرديّة، الطمع الذي هو عبادة الأوثان." (5:3)
ج- حياة الذات: شيءٌ آخر يُدخل السموم إلى القلب وهو حياة الذات. وهو كالجلطة التي توقف مجرى الدم في الجسم. وهذا ما تجده كثيرًا هنا في المجتمع الغربي بشكل واضح. كما أنَّ حياة "الأنا" هي في جوهر هذه الطبيعة القديمة "إذ الجميع يطلبون ما هو لأنفسهم، لا ما هو ليسوع المسيح". وهذا بالطبع ما يدمّر حياتك. لكنَّ الله منحك هذه الحياة لكي توزّع بركات على الآخرين، فلا تعشْ لنفسك. يقول الرسول يعقوب: "اقتربوا إلى الله فيقترب إليكم. نقّوا أيديكم أيها الخطاة، وطهّروا قلوبكم يا ذوي الرّأيَيْن." (يعقوب 8:4) ترى ما هما هذان الرأيان؟ رأيٌ للرب ورأيٌ لك، كما يقول المثل: يومٌ لكَ ويومٌ لربّك. يقول: نقِّ نفسك من هذه الأمور التي تنجّس حياتك، ودَع "إنسان القلب الخفيّ في العديمة الفساد، زينة الروح الوديع الهادئ..." يزيّن حياتك. (1بطرس 4:3)
ثانيًا، القلب المتَّسِع المحب هو الحلّ لضيقه
قلْ للرب: علّمني أن أحبَّ مثلك! أحب كل الناس دون تمييز. قال أحدهم: "مقياس المحبة هو محبة الناس دون مقياس." فليس هناك أجمل من محبة الرب الفائقة المعرفة، إذ وهو على الصليب وبينما الناس يجدّفون عليه قال: "يا أبتاه، اغفر لهم، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون" (لوقا 34:23)، حتى إنَّ اللصّ الذي عن يمينه - وكان يجدِّف هو الآخر- لمسَت كلماتُ المسيح قلبَه فطلب منه قائلًا: "اذكرني يا ربّ (اعترَفَ به ربًّا) متى جئتَ في ملكوتك." (ع 42) أما كان ينبغي أن يردَّ عليه بالقول: كنتَ تجدِّف عليّ منذ دقائق! وهذا عدلٌ بالطبع. لكنه لم يفعل. فلتتّسع قلوبكم أنتم أيضًا وتحبّ لأنَّ محبّة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المُعطى لنا." (رومية 5:5) دَعِ القلب يصبح مرنًا أي Elastic لأنّه حين يتعرَّض لجلطة ما يصير قاسيًا أي Less Compliance كما تغدو عضلة القلب ضيّقة ومتصلّبة. ولهذا يقول حزقيال: "وأعطيكم قلبًا جديدًا... وأنزِع قلبَ الحجر من لحمكم وأعطيكم قلب لحم." (26:36) وأيضًا في العبرانيين: "اليوم، إن سمعتم صوته فلا تقسّوا قلوبكم." (15:3) لهذا يقول بولس: "كونوا أنتم أيضًا متّسعين." (2كورنثوس 13:6) وللأسف وبالرغم من تقدّم التكنولوجيا فإننا نجد الناس ينهشون بعضهم بعضًا. فأين هي المحبة؟ أليست هي تكميل الناموس كما قال المسيح للناموسي؟ "وتحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك ومن كل فكرك ومن كل قدرتك. هذه هي الوصية الأولى. وثانية مثلها هي: تحب قريبك كنفسك." (مرقس 29:12-31) فسأله مَن هو قريبي؟ فقدَّم له المسيح مثلَ السامري الصالح. أي عليك أن تحب حتى عدوّك التقليدي وإن جاع أطعمْه. هذه هي المحبة الحقيقية التي يجب أن تمنحها للآخرين.
الكل يعرف (المغنية صباح) في لبنان، غنَّت مرة في قلعة بعلبك فوَصفَتْها بـ "قلعة كبيرة وقلبها كبير بيساع الدِّني كلها!" بالطبع كانت تبالغ في كلامها. لكنَّ المؤمن الحقيقي عليه أن يكون حقًا ذا قلب كبير ويسع الدنيا كلّها. هناك نماذج عديدة في الكتاب المقدس مثل الجارية المسبية التي على الرغم من أنها صارت خادمة في بلد غريب إلّا أنَّها كانت ذا قلب متّسع حتى إنها أخبرت سيدتها زوجة نعمان السريانيّ الأبرص القائد الكبير، عن رجل الله الذي يقدر أن يشفيه من برصه. فمن أين القلب المتّسع؟ أليس من نعمة المسيح التي لا حدود لها؟ لاحظ معي الفرق بينها وبين يونان النبي الذي لم يرضَ أن يذهب إلى نينوى ليخبر أهلها بأن يتوبوا قبل أن تأتي عليهم دينونة الله وتنقلب المدينة. لكنّه وبعد أن حاصره الله في بطن الحوت عاد وأطاع الله، واستخدمَه حينذاك لكي يتوبَ الملك والشعب عن شرّهم ويعودوا إلى الله الحيّ. ربما البعض منكم يعرف القس الياس الصليبي الذي كان بالحق بطلًا في الإيمان وخادمًا للكنيسة في طرابلس. وفي أيام الحرب وضعت فئة متعصّبة قنبلة في بيته لكنَّها انفجرت بينما هو خارج المنزل. والرب حافظ عليه. وحين عاد ليرى الدمار أتى إليه جاره محمد وقال له قلبنا مكسور لما حصل، تعال وعش معي في بيتي ولا تترك المدينة. أجابه القس: إذا عشت معك في بيتك يا جاري فسأكون خطرًا عليك. قال له: لا، على العكس ستكون بركة لبيتنا، وأنتَ حماية لنا. نعم، أولاد الرب بمحبتهم للرب وقلبهم الواسع ينالون أيضًا بركات من عنده.
بركات القلب النقي والمحب
أولًا، يتمتّع المؤمن ذو القلب النقي والمتّسع والمحب بحضور الرب المستديم في حياته. يقول النبي إشعياء: "لا تخف لأني معك. لا تتلفّت لأني إلهك. قد أيَّدتك وأعنتك وعضدتك بيمين برّي. لأني أنا الرب إلهك الممسك بيمينك، القائل لك: لا تخف، أنا أعينك." (10:41 و13)
وكذا بحماية وعناية الرب له: يقول المزمور 91: "لأنه تعلّق بي أنجّيه. أرفّعه لأنه عرف اسمي. يدعوني فأستجيب له، معه أنا في الضيق، أنقذه وأمجّده. من طول الأيام أُشبعه وأُريه خلاصي." (14-16) من يحميك؟ الرئيس؟ كلّا، ليس سوى الرب! فأنت في فكره وقلبه وأنت عضو في جسده.
وبحنانه وحبّه اللامتناهي: يقول النبي إرميا: "تراءى لي الرب من بعيد. [ومحبة أبدية أحببتكِ، من أجل ذلك أدمتُ لكِ الرحمة.]" (3:31) نعم، هذا هو الإنسان الذي يد الله معه تحميه وتحرسه.
ثالثًا: القلب الملتهب
يخبرنا لوقا الطبيب عن مرافقة الرب يسوع المسيح المُقام من الأموات لاثنين من تابعيه كانا في طريقهما إلى عمواس وهما ماشيان عابسان. وعندما أخبراه ماذا حصل بيسوع، قال لهما: "[أيها الغبيّان والبطيئا القلوب في الإيمان بجميع ما تكلَّم به الأنبياء! أما كان ينبغي أن المسيح يتألّم بهذا ويدخل إلى مجده؟] ثم ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسِّر لهما الأمور المختصّة به في جميع الكتب." لمست كلمة الله قلوبهم وعند كسر الخبز انفتحت أعينهما وعرفاه ثم اختفى عنهما. لكن ماذا قالا بعضهما لبعض: "ألم يكن قلبنا ملتهبًا فينا إذ كان يكلّمنا في الطريق ويوضِح لنا الكتب؟" (25:24-27 و32) نعم، وصفهما المسيح بالغباء وبطء القلب، والآن يقولان ألم يكن قلبنا ملتهبًا فينا؟ أجل، فنسبة الفتور بين المؤمنين تزداد هذه الأيام. حتى صرنا من بطيئي القلوب. فأين الناس الذين يقدّمون حياتهم للرب؟ أين الناس الذين يقولون "فرحت بالقائلين لي إلى بيت الرب نذهب"؟! أين نحن اليوم من بولس في سِفر الأعمال الذي قال: "ولكنني لست أحتسب لشيء، ولا نفسي ثمينة عندي، حتى أتمّم بفرحٍ سعيي والخدمة التي أخذتها من الرب يسوع، لأشهد ببشارة نعمة الله." (أعمال 24:20) أجل، نريد أناسًا ملتهبين محبّين كيما نهبُّ جميعًا لنعمل بالرسالة التي منحنا إياها الرب. تمامًا كما قال المرنّم: "رسالةً أعطيتني يا سيدي، كي أخبرَ الملا عن الحب العجيب." وهذا الإنسان الملتهب الذي ملأت محبة الله قلبه لا يحتفظ بعمل دم المسيح لنفسه، بل يشارك به الآخرين كما يفعل القلب السليم.
هكذا نحن، إننا بحاجة إلى رجال ونساء بحسب قلب الله ذوي قلوب نقيّة ومتّسعة وملتهبة، تمامًا كما كتب الأخ شادي حنا: "ضعْ في قلبي حبًا واصنع منه لحنًا يجذب القريب والبعيد، ضع في فمي قولًا، واصنع منه شعرًا يأسر الألباب والقلوب. فيا رب الحصاد أرسل للحصاد جيشًا يعمل في كرمك، يترك المشاغلَ يحمل المشاعلَ يعلنُ اقترابَ مُلكِك." نعم، نحتاج هذه الأيام إلى مَن يريد أن يخدم النفوس ويعمل في حقل الرب وهكذا يجذب البعيد والقريب ويشهد عن فضل حبه العجيب.