Voice of Preaching the Gospel

vopg

واحسرتاه! سرَقوا الطفولةَ لا بل قُلْ قتلوها. ليستِ الطفولة فحسبْ بل قضَوا على أجيال ٍثلاثة!

فأماتوا الجَدّ وأتبعوهُ بالأب، ومن ثمَّ بالابن الطفل! أليستْ هذه ثلاثةَ أجيال؟ فاستشرى الألمُ والحزنُ في النفوس ولم يتوقَّفْ حتى الآن! استوقفَتْني مؤخّرًا صورةٌ أخرى (وما أكثرَها من صور) على صفحة التواصل الاجتماعي لكنَّها لم تكن صورةً لشخص ما معذّب في الحرب، بل صورة لكلماتٍ رَسمتْها ريشةٌ باللون الأحمر القاني كنايةً عن الدم المهدورِ تقولُ: "ماذا لو كان طفلُكَ تحتَ الرَّدم؟ هل فكَّرتَ في هذا مرةً؟"
صورٌ ومشاهدُ ورسوماتٌ لا تُعدُّ ولا تُحصى، كلُّها تحزُّ في النفس هذه التي تُعرَضُ علينا في صبيحة ِكلِّ يوم إمَّا على صفَحات التواصل أو على شاشاتِ التلفاز وهي تعكسُ واقعَ عالمٍ مأساويٍ من جرّاء الحروبِ والقتل والدّمار والويلات. وفي بعض الأحيان وددتُ لو أغمضُ عينيَّ لأعودَ وأفتحَهما بعد بُرْهةٍ علَّني كنتُ في حلم لا بل قلْ في كابوسٍ مُرعِب لمشاهدِ الموتى والجوعى والمفقودين تحت الرُّكام وفوقَ أرضِ الأنام.
وأتساءل هل حقًا نحن نعيشُ في عالم القرن الحادي والعشرين؟ عالم "التقدّم والازدهار" الذي تتكلّمُ عنه الدولُ العريقة؟ أم أنَّنا ما فَتِئْنا نعيشُ في القرن الماضي مع ما جلبَهُ آنئذٍ من حرب أولى وثانية وحروبٍ أهلية هنا وهناك على سطح هذه الكُرة؟ لقد ظننتُ لوهلةٍ أنَّنا تخطَّينا مرحلةَ التقاتل بينَ الشعوب والدول، وأضحينا شعوبًا راقية تبحث عن حلولٍ للتخفيف من آثارِ الانحباسِ الحراري للحفاظ على البيئة ونقاوتها من أجل صحةِ أبناء وبنات سكانِ الأرض! لَكَم كنتُ مخطئةً فعلًا. فأيّام والدي وما قبلَه جَدّي بدتْ أفضلَ حالًا عمَّا نشهدُه الآن من صراعات وتقتيلٍ وتنكيلٍ بالبشر كبارًا وصغارًا، أطفالًا ونساءً، حوامل وعجَزة لا فرق. ترى، لماذا هذا الطُّغيان والاستبداد وهذه الإبادة الجماعية؟ نحن الذين نعترض على المناخ المتغيرّ وهيجانِه الفجائي ونلوم "الطبيعةَ الأم" التي لا ترحم! نلومها على ما تداهمُنا به من أعاصيرَ وعواصفَ ورياحٍ وأمطار تنزعُ الأشجار وتهدِم البيوت وتقضي على الناس والعباد! بينما يرتكبُ الإنسانُ أبشعَ منها بكثير؟! ثبتَ لي وبعدَ هذه الحروب والصراعاتِ الحاصلة في شرقنا أنَّ "الطبيعةَ الأم" ترحمُ الإنسانَ أكثرَ جدًا ممَّا يرحمُ الإنسانُ أخاهُ في الإنسانية! وللأسف يدفعُ الأطفالُ والناسُ الأبرياء ثمنَ صراعاتِ البشرِ الكبار ومغالاتِهم في الاستبداد وحبِّ التسلُّط. وتنسكبُ دماؤهم كما انسكبتْ دماءُ هابيل على الأرض. لكن يأتي صوتُ الله ليذكّر كلَّ طاغٍ قائلًا: "ماذا فعلتَ؟ صوتُ دمِ أخيكَ صارخٌ إليَّ من الأرض." (تكوين 10:4)
والآن أعودُ لأسأل ماذا لو كان طفلُكَ تحتَ الرَّدم؟ كيف سيكوُن موقفُك من هذه الحرب؟ هناكَ موقفان يمكن للإنسان أن يتَّخذهما: إما أن يُشفِقَ على الناس البريئة والسكان الآمنين دونَ أن يتخطّى حدّ الشفقة أو الشعور معهم. وهو ما يسمّى بـ Sympathy. أو أن يتعاطف الشخص مع الأبرياء ويهبَّ لعمل شيء ما تجاهَهم - خاصة الأطفال الذين قضى منهم أكثرُ من 20 ألف طفل وأكثرُ من ذلك تحت الركام - ويسمى بـ Empathy. الموقف الأول يتأتَّى من شخص الأنا الذي فينا. كأنْ نقول للشخص المتألم في أغلب الأوقات ماذا عليه أن يفعل. أما الثاني فهو ينبع من القلب لأننا عندها نشعر بألم المتألم ونشترك معه بمعاناته وربما نُشركُه نحن أيضًا باختباراتنا ومعاناتنا. وعندما نفعل نقترب من الناس أكثر فنفرح معهم ونحزن لحزنهم وهذا ما يتطلَّب منا أيضًا القيام بعملٍ ما تجاههم. Mental Health First Aid - عن الانترنيت وهو بالضبط ما كتب عنه الرسول بولس: "مباركٌ الله أبو ربِّنا يسوعَ المسيح، أبو الرأفة وإلهُ كلِّ تعزية، الذي يعزّينا في كلِّ ضيقتنا، حتى نستطيعَ أن نعزي الذين هم في كلِّ ضيقة بالتعزية التي نتعزَّى نحن بها من الله." (2كورنثوس 3:1-4)
أما المشهدُ الأكثرُ غرابةً والذي انزعجَتْ منه نفسي هو هذا الذي نشرتْهُ إحدى وسائل الإعلام واسمُها Ynet في إسرائيل في أوائل السنة الحالية. إذ كان صورةً لشخصية سياسية أمريكية وهو يقومُ بتوقيع اسمه بخطٍ عريض على إحدى القنابل التي كانت ستُطلَقُ من المدفعيَّة باتجاه جنوب لبنان! وما لبِثَتْ أن حذتْ حذوَه شخصيةٌ أخرى حين ظهرَت صورتُها مؤخرًا إلى جانب الصواريخ وهي توقّع أيضًا عليها وتقول: "تخلَّصوا منهم"! يا لها من مواقفَ مشرّفة لأناسٍ يدَّعون بالمسيحية وها هم يشجعون على القتل وسفكِ الدِّماء وكأنَّهم لم يقرأوا قطُّ ما علّمه الربُّ يسوع للجموع حينَ قال: "طوبى لصانعي السلام لأنَّهم أبناءُ الله يُدعَون." (متى 8:5) فالمؤمن ينبغي أن يصلّي من أجل السلام وتوقُّفِ الحرب ويسعى من أجلِ تحقيقِ ذلك.
وعلى النقيض من تلك المشاهد لا نرى إلا النَّذرَ اليسيرَ من المؤمنين العرب يعبّرون عن استيائِهم ممَّا يحصل في غزة. لهذا نجدُ الكثيرين يصمتون دون أن يحرِّكوا ساكنًا. ويتبعون سياسةَ عدم الاكتراث التي هي أخطرُ من التعبير نفسه. والبعضُ الآخَر يتسلَّح بالحُجَّة الواهيةِ طبعًا بأنَّ المؤمن لا ينبغي أن يتدخَّل بالسياسة مع أنَّك تراهُم من أكثر المنخرطين في السياسة الأمريكية وكأنَّ كلَّ ما يحصل من موتٍ وآلامٍ للبشر في الشرق لا يحرِّك فيهم ساكنًا! حتى بدوا وكأنَّهم يعيشون على سطح مجرّة أخرى غيرِ الأرض! وهنا أقول إذا كان الإنسان العادي والطالب الجامعي استفاقَ حول العالم وثارَ على الظلم والقتل مُبديًا تعاطفَه، فكم ينبغي أن يكون موقفُنا كمؤمنين من جهة إخوتنا في الإنسانية؟ ألم يقلِ الرسول: "فرَحًا مع الفرحين وبكاءً مع الباكين"؟ (رومية 15:12) ألمْ يَطلبِ الرسول يعقوب من المؤمن أن يُري بأعمالِه إيمانَه؟ "إنْ كانَ أخٌ وأخت عريانَيْن ومعتازَيْن للقوت اليومي، فقال لهما أحدُكم: [امضِيا بسلام، استدفِئا واشبَعا] ولكن لم تعطوهُما حاجاتِ الجسد، فما المنفعة؟" (15:2-16) فكيف يمكننا أن نعزِل أنفسَنا عمَّا يحدث؟ حريٌّ بنا أن نطبّق كلمةَ الله في حياتنا ونتبعَ خُطى السيد له المجد الذي عندما رأى الجموع يقول البشير عنه: "تحنَّن عليهم، إذ كانوا منزعجين ومنطرحين كغنمٍ لا راعيَ لها." (متى 36:9)
ريكاردو كرَم الإعلامي اللبناني المعروف كتبَ في بدايةِ حربِ غزة هذه القصيدة أدانَ فيها صمتَ العالم وغنَّتْها جوقةُ أطفال لبنان - قالوا: "شوفوا أطفال غزة وهي تبكي، أطفال غزة تموتُ من الحرب. والعالم واقف يتطلَّع، لكنْ لا يريد أن يسمع. وإذا سمعَ لا يريد أن يحكي. فعدالةُ العالم ليس عندها قلب." وختمها طفلٌ بلسانِ الأطفال هناك: "متى أستطيعُ أن أحلُم بعالمٍ بدون خوفٍ؟ أنا طفلٌ خُلِقتُ لأحيا وليس لكي أموت!"
أما المشهد الأخير والذي أعتزُّ به بحق هو حين تكلَّم راعي الكنيسة الأمريكية (القس ماثيو جون) التي نحضُر فيها أنا وزوجي يوم الأحد صباحًا، وطلبَ الصلاةَ وبكلِّ جُرأةٍ من أجل غزة والناس التي تُزهق أرواحُها بسبب الحرب. وقال بما معناه: "إنَّ عملَ الرَّحمة والصلاة والافتقاد Empathy هي من ثمار الإيمان وهذا ما يعلِّمنا إيَّاه الكتاب أن نشعرَ مع الضعيف ونساعدَ المقهور. فدعونا نتابع الصلاة من أجل المرسَلِ لدينا هناك ومؤسسِ الكنيسة المعمدانية الذي نقوم بدعمِه لأكثرَ من 20 سنة. نصلي حتى تكون الكنيسة نورًا في وسَط هذا الظلام الحالك وملجأً يحتضنُ كلَّ محتاج." وحثَّ الحاضرين على جمع التبرُّعات لسدِّ الاحتياجات المتفاقمة. وفي آخر الأسبوعين المخصَّصَيْن لذلك جمعتِ الكنيسة (36 ألف دولار) وأرسلتْها إلى العائلات والناس المحيطة بها. وفي الأسابيع اللاحقة قامت المسؤولة عن الإرساليات بالاتصال معه عبرَ الموبايل أثناء الخدمة الصباحية وصلَّت من أجله ومن أجل كلِّ الحزانى والمتألمين ومن أجل السلام وانتهاء الحرب. (Lake Ave Church) قال الرب يسوع للناموسي في ختام مثَله عن السامري الصالح: "فأيُّ هؤلاءِ الثلاثة تَرى صار قريبًا للَّذي وقَع بينَ اللصوص؟ فقال: [الذي صنَع معه الرَّحمة.] فقال له يسوع: "اذهبْ أنتَ أيضًا واصنع هكذا.]" (لوقا 36:10-37) فيا حبَّذا لو أنَّنا نفوهُ بكلماتِ النعمةْ ونقومُ بعمَلِ الرَّحمة.

المجموعة: آب (أغسطس) 2024

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

419 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
11577216