"رأينا نجمَه في المشرق وأتينا لنسجد له." (متى 2:2)
لما وُلد المسيح أرسل الله ملائكة لتبشّر الرعاة الفقراء بميلاد المسيح، وأرسل نجمًا ليُعلن للمجوس الأغنياء عن خبر ميلاده،
لأن المسيح أتى لجميع الطبقات وهو يريد أن يتعرّف به الجميع. فلنتأمّل في نجم الميلاد كما رآه المجوس:
أولاً: حقيقة النجم
لما وصل المجوس إلى هيرودس وقالوا: أين هو المولود ملك اليهود؟ ... جمع هيرودس كلّ رؤساء الكهنة وكتبة الشعب، وسألهم: "أين يولد المسيح؟" فقالوا له: "في بيت لحم اليهوديّة. لأَنَّهُ هكَذَا مَكْتُوبٌ بِالنَّبِيِّ: وَأَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمٍ، أَرْضَ يَهُوذَا لَسْتِ الصُّغْرَى بَيْنَ رُؤَسَاءِ يَهُوذَا، لأَنْ مِنْكِ يَخْرُجُ مُدَبِّرٌ يَرْعَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ." (متى 5:2-6) فنجم الميلاد الذي أضاء في السماء لم يطفئ نور النبوّات التي كانت في التوراة، ولعلّ في هذا درسًا لنا، فكلّ نور جديد يأتينا لا ينبغي أن يغيّر الحقائق القديمة التي عرفناها.
لنتأمّل في حقيقة النجم: يبدو أن ما رآه المجوس لم يكن نجمًا بالمعنى الذي نفهمه لأنّه كان يتقدّم المجوس. كيف كان يتقدّمهم؟ يعتقد البعض أنه كان يضيء حينًا ثم ينطفئ ليضيء بعد مسافة أخرى إلى أن وصلوا إلى أورشليم ثم بيت لحم. ويعتقد البعض الآخر أن ذلك النجم كان له نورٌ قويّ جدًا وكان ثابتًا فوق مدينة بيت لحم، وقد استطاع المجوس وهم في المشرق أن يروه، وقد جذبهم نوره حتى وصلوا إلى أورشليم ثم إلى بيت لحم؛ وإن كان هذا الفكر قد يبدو معقولاً إلّا أنه لا ينطبق مع القول: "وكان النجم يتقدّمهم"، ويعتقد غيرهم أن ما رآه المجوس كان شيئًا مضيئًا كعمود النور الذي قاد شعب الرب قديمًا في البريّة... على أن بعض الآباء الذين عاشوا في العصور الأولى للمسيحية كانوا يؤكدون بأن نور ذلك النجم كان قويًّا جدًّا لدرجة أنه كان يُرى في النهار. إلا أن هذا الاعتقاد يعني أن المجوس استمرّوا في سفرهم ليل نهار، لكن لماذا لا نقول أن المجوس استمرّوا ينامون نهارًا، وحين يظهر النجم في الليل يسيرون وفق إرشاده؟ على أن هذا البحث ليس من الأهميّة بمكان، فدعونا ننتقل إلى الكلمة الثانية.
ثانيًا: رسالة النجم
إن ذلك النجم قاد المجوس إلى يسوع، وكل شخص يقود النفوس للمسيح سيضيء في الأبديّة كالنجوم والكواكب إذ يقول الكتاب: "وَالْفَاهِمُونَ يَضِيئُونَ كَضِيَاءِ الْجَلَدِ، وَالَّذِينَ رَدُّوا كَثِيرِينَ إِلَى الْبِرِّ كَالْكَوَاكِبِ إِلَى أَبَدِ الدُّهُورِ". (دانيال 3:12) فذلك النجم يحمل لنا رسالة مزدوجة:
1- كُنْ ليسوع: لم يذكر الكتاب المقدس شيئًا عن شكل النجم أو قوّة إضاءته أو لون نوره، لكنّه سجّل لنا ما هو أهمّ إذ قال عنه المجوس "رأينا نجمَه"، فالنجم الذي يستخدمه الله هو النجم الذي أضحى مُلكًا للمسيح – نجمه. فالخادم الأمين هو الشخص الذي امتلكه المسيح، فقبل أن نقود الآخرين لأن يُصبحوا مُلكًا للمسيح، علينا أن نكون بجملتنا مُلكًا له.
لقد كانت كل شعاعة من أشعّة النور الخارجة من ذلك النجم تبغي أن تنير الطريق المؤدّي إلى يسوع، وهذا ما نشتاق أن نراه يتحقّق في كلّ مؤمن، فمهما كانت شخصياتنا أو مواهبنا، فلا ينبغي أن نجعل هذه أو تلك تجذب التفات الآخرين إلينا، إنما تقودهم إلى شخص المسيح الذي نحن سفراء له في هذه الحياة.
حين نقرأ تاريخ الكنيسة نجد أن الكثيرين قد لمعت أسماؤهم في سماء المسيحية، ولكن هناك اشتياق أن يكون كلٌّ منّا كذلك النجم الذي لمع نوره دون أن يُعرف اسمه، ويكفينا سرورًا أن يكون كلٌّ منا [نجمه] المعروف منه وحده.
2- قُدْ ليسوع: فالخدمة التي أدّاها ذلك النجم هي قيادة الآخرين إلى يسوع. آه، إنه أمر محزن أن نرى الكثيرين من خدّام الله كالأعمدة التي تحمل اللافتات، تشير إلى الطريق ولكنها لا تسير فيه. لقد كان الكتبة والفريسيون من هذا الطراز إذ أخبروا المجوس عن مكان ميلاد المسيح دون أن يذهبوا هم للتعبّد له.
أيها الأعزاء، إن قدوتنا تجذب النفوس أكثر من عظاتنا. فمن يريد أن يقود الآخرين إلى يسوع عليه أن يتّجه بنظره إلى السيّد ويتقدّم نحوه فتتبعه النفوس كفيلبّس الذي لم يكتفِ بأن يحدّث نثنائيل عن المسيح، إنّما أتى به إليه قائلاً له: [تعال وانظر]. جميل أن نضيء كالنجم لكن أجمل منه أن نقود النفوس إلى يسوع.
دروس من النجم
1- استرشد بالرب: لما وصل المجوس إلى أورشليم تصوّروا أنهم قد وصلوا إلى مدينة الملك وأنهم لا حاجة لهم فيما بعد إلى قيادة النجم، وابتدأوا يسألون البشر عن مكان ميلاد المسيح، وقد تسبّب تصرّفهم الخاطئ هذا في اضطراب هيرودس ثم في قتل جميع الأطفال من ابن سنتين فما دون. لكن لما خرج المجوس من أورشليم في طريقهم إلى بيت لحم ورأوا النجم ثانية، لا نقرأ عنهم بعد هذا أنهم عند وصولهم إلى بيت لحم سألوا عن مكان ميلاد المسيح لأنهم استمرّوا في اتباعهم للنجم إلى أن وقف بهم فوق حيث كان الصبي. آه، حين نسير وفق إرشاد الرب وحده فإننا لن نضلّ قط.
2- لا تفشل، لأنه إذا كفّ البشر عن المناداة بالإنجيل فإن الله سيستخدم حتى الجماد لقيادة النفوس إلى المسيح، فيوم يكفّ البشر عن المناداة بالمسيح، الذي هو الكلمة المتجسّد، فإن الله سيوصّل حقّه إلى النفوس عن طريق الكلمة المكتوبة. ومتى انحرف رؤساء الكهنة والكتبة عن الحقّ، ورفضوا الاعتراف بالمسيح الذي تنبّأت عنه النبوّات فإن الله سيستخدم نجوم السماء لقيادة المجوس البعيدين إلى مدينة بيت لحم.
لقد أتى المجوس عبر الصحاري والقفار حتى وصلوا إلى بيت لحم. وأنت أيها القارئ - الذي لم تختبر بعد خلاص المسيح – إن ما يقودك هو الإيمان، وما ينير لك الطريق هو كلمة الإنجيل الذي يقول فيها الرب يسوع: "تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيليّ الأحمال وأنا أريحكم". ليتك تستجيب النداء لتستريح الآن من حمل خطاياك.