الفصل الثالث: الله الحَكَم والقاضي العادل
يهوه كرينوس (يوناني) – يهوه شوفاتس (عبري)
إن الله يحب الإنسان رغم الظروف. ونجد الله القاضي الحَكَم العدل في تكوين 3 الذي عندما سقط الإنسان لم يهلكه إنما أصدر بعض الأحكام.
ففي عدد 14 يقول الوحي: "فَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ لِلْحَيَّةِ: «لأَنَّكِ فَعَلْتِ هذَا، مَلْعُونَةٌ أَنْتِ مِنْ جَمِيعِ الْبَهَائِمِ وَمِنْ جَمِيعِ وُحُوشِ الْبَرِّيَّةِ. عَلَى بَطْنِكِ تَسْعَيْنَ وَتُرَابًا تَأْكُلِينَ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكِ.]"
في هذا الجزء الأخير من اللعنة، هل تلاحظ معنى العبارة "تُرَابًا تَأْكُلِينَ (الإنسان مخلوق من تراب)"؟ وهو أن هناك عداوة بين الإنسان والحية. فقد قال في عدد 15: "وَأَضَعُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ، وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ، وَأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ." هذه هي البشارة الأولى عن عملية الفداء ومجيء يسوع، بأنه دمه هو السبب الوحيد والسبيل في خلاصنا. هذه النقطة حيوية جدًا لفهم الديانة المسيحية. لأنه لم يأتِ هذا الدم من زرع بشري أو من آدم الأول بل من الروح القدس. لذلك عاش يسوع طاهرًا ومات طاهرًا وسفك دمه الكريم لفدائنا.
"افْتُدِيتُمْ لاَ بِأَشْيَاءَ تَفْنَى، بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ... بَلْ بِدَمٍ كَرِيمٍ، كما من حمل بلا عيب ولا دنس، دم المسيح، معروفًا سابقًا قبل تأسيس العالم، ولكن قد أُظهر في الأزمنة الأخيرة من أجلكم." (1بطرس 18:1-20).
لذلك، نرى هنا الله الديان العادل: فمع كونه لعن الحية، لكنه وسط تلك اللعنة ألقى بشعاعٍ من نور عن مخلصٍ سيأتي ليفتدي الإنسان الساقط.
لاحظ، إنه لم يلعن الإنسان الذي باركه بل قال فقط: "ملعونة الأرض بسببك."
الله الديان يكلم قايين
هناك سؤال محيّر: لماذا قبل الرب ذبيحة هابيل ولم يقبل ذبيحة قايين؟
أهم كلمة هنا هي تلك الموجودة في تكوين 4:4
قدّم هابيل من أبكار غنمه.
كانت ذبيحة دموية قادرة على تغطية الخطية لأنها كانت ترمز إلى يسوع المسيح.
نجد أن قايين قدّم من أثمار الأرض (ليست من أبكار الأثمار)، أما هابيل فقدّم من أبكار الغنم ذبيحة دموية لأنها ترمز إلى المسيح في نقطتين: كونه البكر وقد ذُبح من أجلنا.
في تكوين 6:4، قال الرب لقايين: "لِمَاذَا اغْتَظْتَ؟ وَلِمَاذَا سَقَطَ وَجْهُكَ؟ إِنْ أَحْسَنْتَ أَفَلاَ رَفْعٌ؟ وَإِنْ لَمْ تُحْسِنْ فَعِنْدَ الْبَابِ خَطِيَّةٌ رَابِضَةٌ، وَإِلَيْكَ اشْتِيَاقُهَا (هي تشتاق إليك) وَأَنْتَ تَسُودُ عَلَيْهَا."
فمع وجود الخطية رابضة حوله، إلا أن الله أراه الطريق الصواب، وأعطاه سلطانًا على الخطية، ولكن الخطية انتصرت على قايين الذي قتل أخاه. ثم عاد الرب الديان يكلّم قايين: "أين هابيل أخوك؟ فَقَالَ: «لاَ أَعْلَمُ! أَحَارِسٌ أَنَا لأَخِي؟»" قتل ثم كذب، وكان يمكن لله الديان أن يمحوه من على وجه الأرض، لكنه قال بحزن: ماذا فعلت يا قايين؟ ألم أحذّرك؟ إني لا زلت أحبك. "صوت دم أخيك صارخ إليّ من الأرض. فالآن ملعون أنت من الأرض التي فتحت فاها لتقبل دم أخيك من يدك. مَتَى عَمِلْتَ الأَرْضَ لاَ تَعُودُ تُعْطِيكَ قُوَّتَهَا. تَائِهًا وَهَارِبًا تَكُونُ فِي الأَرْضِ." ومع ذلك لم يطلب قايين المغفرة بل طلب طريقة ليعيش بها حياته كما يريد. نجد أن الله الديان جعل لقايين علامة لكي لا يقتله كل من وجده.
ثم كثر شر الإنسان في الأرض كما هو مكتوب في تكوين 6، "فحزن الرب أنه عَمِلَ الإِنْسَانَ فِي الأَرْضِ، وَتَأَسَّفَ فِي قَلْبِهِ. فَقَالَ الرَّبُّ: «أَمْحُو عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ الإِنْسَانَ الَّذِي خَلَقْتُهُ، الإِنْسَانَ مَعَ بَهَائِمَ وَدَبَّابَاتٍ وَطُيُورِ السَّمَاءِ، لأَنِّي حَزِنْتُ أَنِّي عَمِلْتُهُمْ.»" ويقول الكتاب في تكوين 23:7 "فَمَحَا اللهُ كُلَّ قَائِمٍ كَانَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ..." وأنقذ الله ثمانية أشخاص، نوحًا وعائلته وقال لهم في تكوين 9:9 "وَهَا أَنَا مُقِيمٌ مِيثَاقِي مَعَكُمْ وَمَعَ نَسْلِكُمْ مِنْ بَعْدِكُمْ... أُقِيمُ مِيثَاقِي مَعَكُمْ فَلاَ يَنْقَرِضُ كُلُّ ذِي جَسَدٍ أَيْضًا بِمِيَاهِ الطُّوفَانِ... وَلاَ يَكُونُ أَيْضًا طُوفَانٌ لِيُخْرِبَ الأَرْضَ... وَضَعْتُ قَوْسِي فِي السَّحَابِ فَتَكُونُ عَلاَمَةَ مِيثَاق بَيْنِي وَبَيْنَ الأَرْضِ... فَلاَ تَكُونُ أَيْضًا الْمِيَاهُ طُوفَانًا لِتُهْلِكَ كُلَّ ذِي جَسَدٍ."
الديان العادل في غضبه على قورح بن يصهار
في سفر العدد أصحاح 16 ابتدأ بعض الإسرائيليين يقاومون موسى وهرون برئاسة قورح بن يصهار وداثان وأبيرام، وغضب الرب غضبًا شديدًا.
وفي سفر العدد 31:16 انشقت الأرض التي تحتهم وفتحت الأرض فاها وابتلعتهم وبيوتهم، فنزلوا هم وكل ما كان لهم أحياء إلى الهاوية. وانطبقت الأرض فبادوا من بين الجماعة.
هذا هو الله الديان في غضبه، ومع ذلك ففي مزمور 5:30 يقول الكتاب: "لأَنَّ لِلَحْظَةٍ غَضَبَهُ. حَيَاةٌ فِي رِضَاهُ. عِنْدَ الْمَسَاءِ يَبِيتُ الْبُكَاءُ، وَفِي الصَّبَاحِ تَرَنُّمٌ." ألا تريد أن تعيش في رضاه وتتجنّب غضبه ولو للحظة؟ إذا قبلت يسوع مخلّصًا وفاديًا لحياتك، وآمنت أنه جاء إلى العالم ليخلصك، ومات على الصليب وقام في اليوم الثالث، خلصت.
الديان العادل في حكمه على داود بن يسى
في سفر صموئيل الثاني أصحاح 11، نقرأ قصة سقوط الملك داود في الخطية مع بثشبع امرأة أوريا الحثي، ثم قتل زوجها. وفي أصحاح 12، أرسل الرب ناثان النبي إلى الملك داود. وفي عدد 9، قال النبي لداود: "لِمَاذَا احْتَقَرْتَ كَلاَمَ الرَّبِّ لِتَعْمَلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيْهِ؟ قَدْ قَتَلْتَ أُورِيَّا الْحِثِّيَّ بِالسَّيْفِ، وَأَخَذْتَ امْرَأَتَهُ لَكَ امْرَأَةً، وَإِيَّاهُ قَتَلْتَ بِسَيْفِ بَنِي عَمُّونَ."
والآن جاء الحكم: "لاَ يُفَارِقُ السَّيْفُ بَيْتَكَ إِلَى الأَبَدِ." لم تكن هذه لعنة من الله، بل نتيجة طبيعية للخطية.
"هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هأَنَذَا أُقِيمُ عَلَيْكَ الشَّرَّ مِنْ بَيْتِكَ، وَآخُذُ نِسَاءَكَ أَمَامَ عَيْنَيْكَ وَأُعْطِيهِنَّ لِقَرِيبِكَ، فَيَضْطَجعُ مَعَ نِسَائِكَ فِي عَيْنِ هذِهِ الشَّمْسِ." (تحققت هذه النبوة في 2صموئيل 23:16 "فَنَصَبُوا لأَبْشَالُومَ الْخَيْمَةَ عَلَى السَّطْحِ، وَدَخَلَ أَبْشَالُومُ إِلَى سَرَارِيِّ أَبِيهِ أَمَامَ جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ.")
وقام عليه ابنه أبشالوم فأخذ الحكم منه. وفي قصة أخرى قتل أبشالوم أمنون أخيه الأكبر تحقيقًا للنبوءة بأن السيف لن يترك بيت داود. وندم داود وكتب مزمور 51 الذي يقول:
"اِرْحَمْنِي يَا اَللهُ حَسَبَ رَحْمَتِكَ. حَسَبَ كَثْرَةِ رَأْفَتِكَ امْحُ مَعَاصِيَّ. اغْسِلْنِي كَثِيرًا مِنْ إِثْمِي، وَمِنْ خَطِيَّتِي طَهِّرْنِي. لأَنِّي عَارِفٌ بِمَعَاصِيَّ، وَخَطِيَّتِي أَمَامِي دَائِمًا... قَلْبًا نَقِيًّا اخْلُقْ فِيَّ يَا اَللهُ، وَرُوحًا مُسْتَقِيمًا جَدِّدْ فِي دَاخِلِي. لاَ تَطْرَحْنِي مِنْ قُدَّامِ وَجْهِكَ، وَرُوحَكَ الْقُدُّوسَ لاَ تَنْزِعْهُ مِنِّي. رُدَّ لِي بَهْجَةَ خَلاَصِكَ، وَبِرُوحٍ مُنْتَدِبَةٍ اعْضُدْنِي."
وقال الله عن داود في أعمال 22:13 "وَجَدْتُ دَاوُدَ بْنَ يَسَّى رَجُلاً حَسَبَ قَلْبِي، الَّذِي سَيَصْنَعُ كُلَّ مَشِيئَتِي." فمع أنه أخطأ إلا أنه اعترف بخطئه وغفر له الله ذنبه فورًا. هذا هو يهوه شوفاتس!
الله القاضي في محبته
يقول الوحي في رومية 7:5-8 "فَإِنَّهُ بِالْجَهْدِ يَمُوتُ أَحَدٌ لأَجْلِ بَارّ. رُبَّمَا لأَجْلِ الصَّالِحِ يَجْسُرُ أَحَدٌ أَيْضًا أَنْ يَمُوتَ. وَلكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا."
ويقول الله في عبرانيين 1:1-2 "اَللهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيمًا، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُق كَثِيرَةٍ، كَلَّمَنَا فِي هذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ، الَّذِي جَعَلَهُ وَارِثًا لِكُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي بِهِ أَيْضًا عَمِلَ الْعَالَمِينَ."
ويقول الوحي عن يسوع في رسالة فيلبي 6:2-8 "الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً ِللهِ. لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ."
كيف لا يهبنا معه كل شيء نطلبه؟
تقول الرسالة إلى رومية 32:8 "اَلَّذِي لَمْ يُشْفِقْ عَلَى ابْنِهِ، بَلْ بَذَلَهُ لأَجْلِنَا أَجْمَعِينَ، كَيْفَ لاَ يَهَبُنَا أَيْضًا مَعَهُ كُلَّ شَيْءٍ؟"
ما أعظم "يهوه شوفاتس" الإله العادل، وما أعظم حبه ونعمته والحياة معه! يقول الكتاب المقدس: "وَتَلَذَّذْ بِالرَّبِّ فَيُعْطِيَكَ سُؤْلَ قَلْبِكَ." (مزمور 4:37)
انظر وادرس تكوين 21:8 "... لأَنَّ تَصَوُّرَ قَلْبِ الإِنْسَانِ شِرِّيرٌ مُنْذُ حَدَاثَتِهِ. وَلاَ أَعُودُ أَيْضًا أُمِيتُ كُلَّ حَيٍّ كَمَا فَعَلْتُ."
"اَلْقَلْبُ أَخْدَعُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ نَجِيسٌ، مَنْ يَعْرِفُهُ؟" (إرميا 9:17)
قبل الخاتمة، علينا أن نعطي باختصار ما قاله الله لنا في حزقيال 19:18-32
تحت عنوان ارجعوا واحيوا Turn and Live، إننا مسؤولون عن خطايانا.
"هَلْ مَسَرَّةً أُسَرُّ بِمَوْتِ الشِّرِّيرِ؟ يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. أَلاَ بِرُجُوعِهِ عَنْ طُرُقِهِ فَيَحْيَا؟"
(23:18)
المعاصي وطرحها
"لأَنِّي لاَ أُسَرُّ بِمَوْتِ مَنْ يَمُوتُ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، فَارْجِعُوا وَاحْيَوْا." (ع 32)
لأنه هو السيد ومعطي الحياة مجانًا، فلماذا نموت؟
رفض وصايا الله هو تعدٍّ، لأنه تحدٍّ للخالق.
المعصية التي امتدت من آدم إلى كل البشرية هي مسؤولية شخصية علينا أن ندرك خطورتها التي تؤدي إلى الموت. ولماذا نموت ونحن واثقون بأنه توجد طريق نسير فيها لنحيا ونتبرر من الموت الروحي (أي انفصال النفس عن الله)؟
يقول ارجعوا عن كل معاصيكم... عن تمردٍ وتحدٍّ وخيانة. (لوقا 24:15)