لم تخلُ دعوة المسيح للإيمان به، من مبادرات محبته التي لا حدود لها. فلو تُرك الإنسان أن يعيش
على مزاجه وهواه لما خطر على باله أن يسلّم حياته لقيادة المسيح.
والغريب في الأمر، أن كل من اتّبع المسيح، وقَبِل أن يسلّم حياته للقيادة الإلهية، مرّ في مرحلة ما، رفض فيها جميع مبادرات المحبة وقاومها بشتى الوسائل المتاحة لديه. إلا أن هذه المرحلة، تتفاوت في درجاتها بين شخصٍ وآخر. فالمسألة تتعلّق بتسليم الحياة لربوبية المسيح.. بتمليكه ملكًا وسيّدًا عليها.. بالتوبة الحقيقية عن حياة الخطية.. بإخضاع الذات مع أهوائها وشهواتها لإرادة المسيح.. وهذا ليس بالأمر اليسير، لأن تحقيق أمرٍ كهذا لن يمّر بدون معركة حاسمة والمعركة لن تحدث بدون مقاومة وصراع واستخدام شتى وسائل الدفاع والخداع. فالمشكلة هي أن الناس أحبوا "الظلمة أكثر من النور لأن أعمالهم كانت شريرة"، وهم يريدون أن يتجنبوا دعوة المسيح لهم ويتفادوا عنصر التوبة عن الخطية. فكانت لهم الطائفية شعارًا يتخفّون وراءها.. والمسيحية بالوراثة أصبحت عُصابة لعيونهم يحتجبون بها عن أي نور.. وجميع المحاولات ليست إلا وسائل فاشلة لإقناع الذات أن الوضع هو على ما يرام.. والأمر لا يحتاج إلى توبة أو تسليم الحياة لقيادة المسيح.
وتتزيّـا مبادرات محبة الله بشتّى الحلل وبمختلف الألوان والمقاسات كي تلائم حالة كل إنسان وهو في "الكورة البعيدة"، بعيدًا عن بيت الآب. فقد سبق وشبهها الرب يسوع المسيح بمحاولات ذلك الراعي الذي أضاع خروفًا واحدًا فترك التسعة والتسعين وذهب يبحث عن الضال حتى وجده (لوقا 4:15). لا نتحدّث هنا عن نظريات واهية لا أساس لها، بل عن اختبارات حقيقية حدثت لملايين البشر الذين لبّوا دعوة المسيح واتبعوه من كل القلب لكنهم قبل أن يلبّوا هذه الدعوة قاوموا جميع مبادراتها وأخيرًا حُسمت المعركة لصالح المسيح فاستلم مركزه في حياتهم ربًا وسيدًا عليهم.
ولا حدود لمبادرات محبة الله، لكننا نردّد بعضًا منها حسبما تجلّت للذين اختبروها، كالآتي: بواسطة كلمة الله أي الكتاب المقدس.. أو الضمير.. أو الخوف من الدينونة.. أو بواسطة الرؤى، أو الأحلام، أو الظروف، أو سِيَر الأتقياء.
عزيزي القارئ، المهم أن ترهف سمعك لصوت الروح القدس إليك، لبِّ دعوة المسيح ولا تقسِّ قلبك.. لا تقاومه ولا تعانده، فقد تكون هذه هي المرة الأخيرة التي يتحدث فيها إليك، "اليوم إن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم".