Voice of Preaching the Gospel

vopg

من طبيعة الإنسان أنه يحبّ الوجه المشرق في الحياة. يحبّ الصحة ويكره المرض. يحبّ الغنى ويكره الفقر. يحبّ النجاح ويكره الفشل. يحبّ الحياة ويكره الموت. يحبّ الورد ويكره الشوك. لكن الحياة الواقعية هي مزيج من الصحة والمرض، من الغنى والفقر، من النجاح والفشل، من الحياة والموت، من الورد والشوك، وعلينا أن نقبلها إلى أن يُبتلع الزمن في الأبدية.

أمامنا اليوم بولس رسول الجهاد، وقد اختبر آلام الشوك ولكنه مع أشواك الحياة اختبر كفاية نعمة الله فكتب يقول: "وَلِئَلاَّ أَرْتَفِعَ بِفَرْطِ الإِعْلاَنَاتِ، أُعْطِيتُ شَوْكَةً فِي الْجَسَدِ، مَلاَكَ الشَّيْطَانِ لِيَلْطِمَنِي، لِئَلاَّ أَرْتَفِعَ. مِنْ جِهَةِ هذَا تَضَرَّعْتُ إِلَى الرَّبِّ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ أَنْ يُفَارِقَنِي. فَقَالَ لِي: «تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لأَنَّ قُوَّتِي فِي الضَّعْفِ تُكْمَلُ»."

الرجل الذي أُعطى الشوكة

من هذا الرجل الذي أُعطي شوكة في الجسد؟ أهو رجل غطّى ظلمه الأرض وأراد الله أن يعاقبه؟ أهو إنسان مستهتر غارق في الآثام والأوحال؟ أهو مؤمن مرتدّ سار شوطًا بعيدًا في طريق الضلال؟ كلّا! إنه شخص مكرّس بالكلّيّة لخدمة المسيح.

1- إنه إنسان في المسيح: فهو يشهد عن نفسه قائلاً: "أَعْرِفُ إِنْسَانًا فِي الْمَسِيحِ قَبْلَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً." (2كورنثوس 2:12) ويعني هذا أنه خليقة جديدة "إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ: الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا." (2كورنثوس 17:5)  وحين أُعطي الشوكة كان قد قضى في المسيح أربع عشرة سنة مليئة بالخدمة الأمينة لسيّده.
إن التجديد لا يحمينا من أشواك الحياة، وكونك آمنت بالمسيح ربًّا ومخلّصًا لا يعني أنّك في مأمن من الشوك والألم. "لأَنَّهُ قَدْ وُهِبَ لَكُمْ لأَجْلِ الْمَسِيحِ لاَ أَنْ تُؤْمِنُوا بِهِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا أَنْ تَتَأَلَّمُوا لأَجْلِهِ." (فيلبي 29:1)

2- إنه إناء مختار: حين تقابل شاول الطرسوسي الذي صار فيما بعد بولس الرسول مع الرب يسوع المسيح في طريق دمشق، قال له الرب: "قم وادخل المدينة فيُقال لك ماذا ينبغي أن تفعل." وتكلّم الرب في رؤيا إلى تلميذ في دمشق اسمه حنانيا ليقابل شاول، واحتجّ حنانيا قائلاً: "يَا رَبُّ، قَدْ سَمِعْتُ مِنْ كَثِيرِينَ عَنْ هذَا الرَّجُلِ، كَمْ مِنَ الشُّرُورِ فَعَلَ بِقِدِّيسِيكَ فِي أُورُشَلِيمَ. وَههُنَا لَهُ سُلْطَانٌ مِنْ قِبَلِ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ أَنْ يُوثِقَ جَمِيعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ بِاسْمِكَ." فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: "اذْهَبْ! لأَنَّ هذَا لِي إِنَاءٌ مُخْتَارٌ لِيَحْمِلَ اسْمِي أَمَامَ أُمَمٍ وَمُلُوكٍ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ". (أعمال 13:9-15) هذا الإناء المختار للخدمة الأمينة الذي جعل شعاره "وَلكِنَّنِي لَسْتُ أَحْتَسِبُ لِشَيْءٍ، وَلاَ نَفْسِي ثَمِينَةٌ عِنْدِي، حَتَّى أُتَمِّمَ بِفَرَحٍ سَعْيِي وَالْخِدْمَةَ الَّتِي أَخَذْتُهَا مِنَ الرَّبِّ يَسُوعَ، لأَشْهَدَ بِبِشَارَةِ نِعْمَةِ اللهِ". (أعمال 24:20) أُعطي شوكة في الجسد! فالأمانة في الخدمة والحياة المسيحية لا تحمينا من أشواك الحياة.

3- إنه رجل المناظر والإعلانات: اسمعه يقول: "إِنَّهُ لاَ يُوافِقُنِي أَنْ أَفْتَخِرَ. فَإِنِّي آتِي إِلَى مَنَاظِرِ الرَّبِّ وَإِعْلاَنَاتِهِ... أَعْرِفُ إِنْسَانًا فِي الْمَسِيحِ... اخْتُطِفَ هذَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ... اخْتُطِفَ إِلَى الْفِرْدَوْسِ، وَسَمِعَ كَلِمَاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا، وَلاَ يَسُوغُ لإِنْسَانٍ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهَا." ومع عظمة هذه المناظر والإعلانات أُعطي شوكة في الجسد.

أسباب إعطائه هذه الشوكة
يقول بولس الرسول: "أُعْطِيتُ شَوْكَةً فِي الْجَسَدِ" فمن الذي أعطاه هذه الشوكة؟ وما حكمته في هذه العطية المؤلمة؟ إن الذي أعطاه هذه الشوكة هو الرب، وهو يسيّج طريق المرتدين بالشوك "هأَنَذَا أُسَيِّجُ طَرِيقَكِ بِالشَّوْكِ." (هوشع 6:2) وهو كذلك يعطي شوكة للمؤمن المكرّس، وكل أعماله يعملها بحكمة. فما حكمة إعطاء هذه الشوكة لبولس الرسول الأمين؟ لقد أعطاه هذه الشوكة:

1- لحفظه من الارتفاع بسبب مناظر الرب وإعلاناته: "وَلِئَلاَّ أَرْتَفِعَ بِفَرْطِ الإِعْلاَنَاتِ، أُعْطِيتُ شَوْكَةً فِي الْجَسَدِ، مَلاَكَ الشَّيْطَانِ لِيَلْطِمَنِي، لِئَلاَّ أَرْتَفِعَ." هناك نوعان من الطبّ: الطبّ العلاجيّ والطبّ الوقائيّ. الطبّ العلاجيّ لعلاج المريض بعد إصابته بالمرض، أما الطبّ الوقائيّ فهو يستخدم الأمصال لتحصين المريض حتى لا يُصاب بالمرض. وقد استخدم الرب مع بولس الطبّ الوقائيّ لئلا يرتفع بفرط الإعلانات، ولو ارتفع بولس لانكسر، ولو تشامخ بروحه لسقط، "قبل الكسر الكبرياء وقبل السقوط تشامخ الروح." (أمثال 18:16) وقد سيّج الله حديقة حياته المثمرة بالشوك حتى لا يتكبّر أو يرتفع فينكسر ويسقط.

2- لحفظ اتزان حياته: سألني أحدهم مرة "أيّهما أخطر على الإنسان: النجاح أو الفشل؟" أجبته: "النجاح. لأن النجاح يفقد المرء اتزانه إذا لم يحمه الرب بشوكة مؤلمة تحفظ له اتزان حياته." قيل عن عزّيّا الملك "امتدّ اسمه إلى بعيدٍ إذ عَجِبَتْ مساعدته حتى تشدّد. ولما تشدّد ارتفع قلبه إلى الهلاك وخان الرب إلهه." (2أخبار 15:26-16) إن الله يحفظ اتِّزان المؤمن بالأشواك. قد يَسْمَح له بالمرض ليقدّر الصحة، وبالفشل ليدرك قيمة النجاح، وبالدموع ليعرف حلاوة الابتسام، وبالدخول في ظلام الوادي ليعرف عذوبة الجبل، وليدرك أن الحياة ليست إلا مزيجًا من الصحة والمرض، والفشل والنجاح، والدموع والابتسام فيعيش في توازنٍ واتّزان.

3- لتأكيد إنسانيته: لقد اختُطف بولس إلى السماء الثالثة، وسمع أشياء ليس في اللغات البشرية ما يصلح للنطق بها، وبغير شكّ أن هذه المناظر والإعلانات كان من الممكن أن تجعله يظن أنه من طينة أعلى من طينة البشر، وهنا أعطاه الرب شوكة في الجسد لتأكيد إنسانيّته. وفي كل مرة كان يخطر بباله خاطر الارتفاع كان ملاك الشيطان يلطمه، لقد أعطى الله أمرًا لملاك الشيطان ليلطم بولس حتى لا يرتفع، وكانت لطمات الشيطان مؤلمة وقاسية بالتأكيد، ولكنها كانت كفيلة أن تؤكد لبولس إنسانيّته.
يريدنا الله كمؤمنين أن نبكي مع الباكين، ونفرح مع الفرحين، ولا بدّ أن نجتاز وادي الآلام لنتعلّم البكاء، وأن نرتفع على جبال الاختبارات لنفرح مع الفرحين.

4- ليختبر محبة إخوته: وإحساسنا بمحبة الإخوة يملأ قلوبنا عزاء، ودفئًا ويشعرنا بأن الحياة جديرة بأن نحياها. كتب بولس للقديسين في غلاطية: "وَلكِنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي بِضَعْفِ الْجَسَدِ بَشَّرْتُكُمْ فِي الأَوَّلِ. وَتَجْرِبَتِي الَّتِي فِي جَسَدِي لَمْ تَزْدَرُوا بِهَا وَلاَ كَرِهْتُمُوهَا، بَلْ كَمَلاَكٍ مِنَ اللهِ قَبِلْتُمُونِي..." (غلاطية 13:4-15)
فقد جنرال أميركي ابنه الوحيد في حادث طيران، ولكن الرجل اجتاز التجربة القاسية بشجاعة، ولما سُئل: كيف استطعت أن تجتاز مأساتك المحرقة؟ قال: "عبرت عليها على قنطرة من الأيادي البيضاء... واستطرد أن كلمات العزاء التي وصلتني، وغمر عواطف الأحباء الذين أحاطوني كانت القنطرة التي عبَرَتْ عليها مأساتي."
لا يكفي أن تكون الكنيسة المحلّيّة مكانًا للتعليم والعبادة، ينبغي أن تكون مكانًا لشركة المؤمنين، لعصب جراح المتألّمين، وتشديد الحزانى والمتعبين. لقد أعطى الله بولس شوكة في الجسد ليختبر محبة إخوته.

كفاية نعمة الله
كيف استطاع بولس أن يحتمل شوكته بسرور؟ اسمعه وهو يتكلّم: "وَلِئَلاَّ أَرْتَفِعَ بِفَرْطِ الإِعْلاَنَاتِ، أُعْطِيتُ شَوْكَةً فِي الْجَسَدِ، مَلاَكَ الشَّيْطَانِ لِيَلْطِمَنِي، لِئَلاَّ أَرْتَفِعَ. مِنْ جِهَةِ هذَا تَضَرَّعْتُ إِلَى الرَّبِّ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ أَنْ يُفَارِقَنِي. فَقَالَ لِي: «تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لأَنَّ قُوَّتِي فِي الضَّعْفِ تُكْمَلُ». فَبِكُلِّ سُرُورٍ أَفْتَخِرُ بِالْحَرِيِّ فِي ضَعَفَاتِي، لِكَيْ تَحِلَّ عَلَيَّ قُوَّةُ الْمَسِيحِ." (8-9) لقد امتلأ بولس بالسرور رغم وجود شوكة في جسده لأنّ الله أعطاه نعمةً تكفيه.

أ- أعطاه نعمة العزاء: تضرّع بولس للرب ثلاث مرات... وحين نصلّي يستجيب الله صلاتنا بواحدة من هذه الطرق: فهو إما أن يقول لنا كما قال لحزقيا الملك: "قد سمعت صلاتك"، أو يقول لنا "انتظر"، أو يقول لنا كما قال لموسى بعد أن سمع تضرّعه "كفاك. لا تعد تكلّمني أيضًا في هذا الأمر." (تثنية 26:3) أو يستجيب صلاتنا بإعطائنا نعمة خاصة في تجاربنا ومشاكلنا كما قال لبولس: «تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لأَنَّ قُوَّتِي فِي الضَّعْفِ تُكْمَلُ». فما أحسن وأحلى وأعذب تعزيات الله للنفس المحاطة بأشواك الحياة "عند كثرة همومي في داخلي تعزياتك تلذّذ نفسي". (مزمور 19:94) لقد أعطى الرب لبولس نعمة العزاء.

ب- أعطاه نعمة الاكتفاء "تكفيك نعمتي": حين تُضاف نعمة الله إلى ضعف الإنسان تصبح قوة. "تكفيك نعمتي لأن قوّتي في الضعف تُكمل." هذه هي الكيمياء الإلهية: "فتقوَّ أنت يا ابني بالنعمة التي في المسيح يسوع". (2تيموثاوس 1:2) وحين نكتفي بنعمة الله نعيش منتصرين على كل ظروف الحياة. والاكتفاء يحتاج إلى تدريب لنكفّ عن التذمّر، ونتعلّم الشكر، لننسى الجانب المظلم وننظر إلى الجانب المنير.

المجموعة: أيلول/سبتمبر 2024

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

197 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
11436117