Voice of Preaching the Gospel

vopg

"هل خطاياكَ أنتَ أيضًا علَّقت يسوعَ على الصليب؟"
هذا هو السؤال الذي كان الرسّامُ

الهولندي الشهير الذي قرأت عنه مؤخرًا (ريمبرانت فان ريجن) Rembrandt Van Rijn يسألُه لكلِّ ناظرٍ إلى لوحته، تلك التحفةِ الفنيَّةِ الرائعة بعنوان: عندما رُفِعَ الصليبُ The Raising of the Cross حيث يَظهرُ المسيحُ وسطَ الصورة أثناءَ عمليّة رفْع ِالصليب وتثبيتِه في الأرض.
كما ويظهر أيضًا حولَه أربعةُ رجالٍ وهم يقومونَ بدفع الصليبِ الثقيل في محاولةٍ منهم لِسَنْدِه بأيديهم بكلِّ حِرْصٍ وتُؤدة. إلَّا أنَّ واحدًا من أولئكَ الرجال بدا شكلُه واضحًا من خلالِ النور الذي كانَ يحيطُ بالمسيح. وملابسُه كانتْ مختلفةً لأنَّها من طرازِ أو نمَط ِملابسِ الرَّسام (ريمبرانت) نفسِه وهو يلبس قُبَّعةً أو قُلنسوةً كان غالبًا ما يضعُها هو على رأسه. وبنظرةٍ تمتازُ بالدقَّة تكشِفُ أنَّ الرسام قد ضمَّن نفسَه في الصورة وكأنَّه كان يقول: "خطاياي أنا أيضًا كان لها دورٌ في حُكْم موتِه." وتبيَّن في خلفيَّة الصورة رجلٌ على حصانه وهو يُمعِنُ النظرَ في المشهد. رأى البعضُ بأنَّها صورةٌ أخرى للرسَّام عينِه وهو يمثِّل كلَّ مَنْ كانَ يراقبُ من بعيد هذا المشهدَ بلمحةِ العارف وكأنَّه يتساءل: "ألستَ أنتَ هنا أيضًا؟ فالرسَّام لم يُدخِلْ نفسَه في الصورة تعمُّدًا لإشباعِ غرورِه بنفسه، كلَّا. بل كان يريدُ أن يَلْفِتَ النَّظر بأنَّ كلًّا منّا - وهو مشتمَلٌ معنا - له دورٌ في صلبِ يسوعَ المسيح.
وُلد هذا الرسامُ الشهير في القرن السابع عشر في الوقت الذي كان يُعرَفُ بالعصر الذهبي للفنّ في هولندا. ترك ريمبرانت دراسته الجامعيّة وتفرَّغ للرسم. وسرعانَ ما نجحَ في حقل الفنّ وصارَ واحدًا من كبار الرسّامين فيه. لكنَّ حياتَهُ الشخصيّة لم تكنْ كذلك بل كانت بائسةً حزينةً ومليئةً بالمآسي والفقدان. إذ خسِرَ ثلاثةً من أولادِه الأربعة في عمرٍ صغير، بالإضافةِ إلى زوجته التي قضَتْ هي أيضًا في العام 1642. لكنَّه استطاع بالرغم من الألم والمعاناة الصعبة أن يقومَ برسم المزيدِ من اللوحات المعبّرة بالإضافة إلى هذه اللوحة "عندما رُفِع الصليب"، التي نالتْ كذلك إعجابَ الكثيرين. أما الفكرةُ الهامّة في لوحته الفنية هذه فهي أنَّنا جميعًا لنا دورٌ ما، في تعليق يسوعَ المسيح على الصليب. فما هو الدورُ الذي لعِبْته أنتَ يا ترى؟ هل هو دورُ الاعتراف أم النكران؟
لقد سجَّل لنا لوقا الطبيب في سفر أعمال الرسل، كيف كان الرسل الأوائل يبشِّرون بيسوع المسيح بكلّ جرأةٍ واندفاعٍ ويشفون المرضى ويصنعون المعجزات باسم يسوع. حتى قام عند ذاك رئيسُ الكهنة والصدوقيّون وامتلأوا غيرةً فألقوا أيديَهم على الرسل ووضعوهم في السجن. لكنَّ ملاكَ الرب في الليل فتحَ أبوابَ السجن وأخرجَهم. وقال لهم أن يكلِّموا الشعبَ في الهيكل بجميع كلامِ هذه الحياة. فأطاعوا وشَرعوا يعلِّمون الشعب. عندها أحضروهم لا بعنفٍ خوفًا من الشعب إلى المجمع، وطلبوا منهم ألَّا يتكلَّموا بهذا الاسم. فأجاب بطرس والرسل وقالوا: "ينبغي أن يُطاعَ الله أكثرَ من الناس. إلهُ آبائِنا أقامَ يسوع الذي أنتم قتلتُموه معلّقين إيَّاه على خشبة. هذا رفّعَهُ الله بيمينه رئيسًا ومخلِّصًا، ليُعطيَ إسرائيل التوبةَ وغفرانَ الخطايا. ونحن شهودٌ له..." عندئذٍ حنِقوا عليهم وتشاوروا ليقتلوهم. "فقام في المجمع رجلٌ فريسي اسمُه غمالائيل، معلمٌ للناموس، مكرَّمٌ عند جميع الشعب، وأمرَ أن يُخرَجَ الرسُل قليلًا. ثم قال لهم:
"أيَّها الرجالُ الإسرائيليون احترِزوا لأنفسكم من جهةِ هؤلاء الناس في ما أنتم مزمِعون أن تفعلوا. لأنَّه قبلَ هذه الأيام قام ثوداس قائلًا عن نفسه إنَّه شيء، الذي التصق به عددٌ من الرجال نحو أربعمئة، الذي قُتِلَ، وجميعُ الذين انقادوا إليه تبدَّدوا وصاروا لا شيء. بعد هذا قام يهوذا الجليلي في أيامِ الاكتتاب، وأزاغ وراءَه شعبًا غفيرًا. فذاكَ أيضًا هلَك، وجميعُ الذين انقادوا إليه تشتَّتوا. والآن أقولُ لكم: تنحَّوْا عن هؤلاء الناس واتركوهم! لأنَّه إنْ كانَ هذا الرأيُ أو هذا العملُ من الناس فسوفَ يُنتقَض، وإنْ كانَ من الله فلا تقدِرونَ أن تنقُضوه لئلَّا توجَدوا محارِبين للهِ أيضًا". (17:5-39)
نعم، لم يستطعْ أحدٌ أن ينقُضَ خطةَ الله الأزليَّة لفداء البشرية عن طريق تجسُّد الابنِ الوحيد الذي قدَّم نفسَه طوعًا واختيارًا ورُفع على الصليب لكي يفتدي خطايا البشرِ أجمعين. ومن ثمَّ قام من بين الأموات غالبًا ومنتصرًا على الموت والشيطان. والآن، وبعدَ مضيِّ أكثر من ألفيِّ سنة على هذا العمل لا يزال مشهدُ الصليب والقيامة، يجذُبانِ الكثيرينَ للإيمانِ بالمسيح والاعترافِ به مخلِّصًا لحياتهم بعد أن استمرَّتِ البشارةُ تنيرُ القلوب والعقول وتغيِّر الكثيرين. فهل ترى أنتَ نفسَك في الصورة التي رُفِع فيها المسيحُ على الصليب؟ لقد خافَ غمالائيل من المواجهة لئلَّا يكونَ محارِبًا لله وكانَ فعلًا على حقّ. وكلُّ مَن يرفُض عملَ المسيح هذا يكونُ محاربًا لله نفسِه.
يكتب جيمس بانكس في هذا الشأن ما يلي: "يَعتبرُ بولس نفسَه وكذا نحن، أعداءً مع الله الآب بسبب خطايانا، وبالتالي هي التي سبَّبتْ موتَ المسيح. لكنَّ موتَه البديلي هذا وقيامتَه المجيدة، صالحانا مع الله. لهذا كتبَ بولس: "لكنَّ الله بيَّن محبَّته لنا، لأنَّه ونحنُ بعدُ خطاة ماتَ المسيح لأجلِنا." (رومية 8:5) ونحن أيضًا نقف إلى جانب هذين الاثنين ريمبرانت وبولس، خطاةً أمام الله الآب، وبحاجةٍ إلى الغفران. فالمسيحُ يقدِّم لنا ما لم نستطعْ نحن أن نفعلَه لأنفسنا. وبالتالي يوفِّر لنا ما نحن بأمسِّ الحاجة إليه ألا وهو: بداية جديدة مع الله."
لقد حاولَ الكثيرون إبعادَ الربِّ يسوع عن هذه اللوحة أو المشهدِ المُهيب وأوَّلُهم عدوُّ الخير. أما خطّةُ الله الأزليّة فلم يستطعْ لا الرؤساءُ ولا السلاطين ولا اليهود القضاءَ عليها والتخلُّص منها. وأتمَّ المسيحُ ما أتى من أجلِه. جرَّبوا كثيرًا تكذيبَ الأحداثِ الجسيمة، واختلاقَ القصص عن سَرِقة الجسد من قِبَل تلاميذِه بعدَ القيامة، لكنَّ القبرَ الفارغ أثبتَ ولا يزال يُبرهنُ قيامتَه المنتصرة على الموت بالرَّغم من الحرّاس الذين كانوا يضبطون القبرَ. وقامَ المسيحُ وتراءى لكثيرين من تلاميذه، وأرسلهم في مهمّة ومأمورية عظمى حين قال لهم: "اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلِّها. من آمن واعتمد خلَصَ، ومن لم يؤمن يُدن." (مرقس 15:16-16) وذهب التلاميذُ بقوة الروح القدس ينقلون بشرى الفداء والقيامة إلى كلّ الأنحاء حتى وصلت الآن إلى كلِّ بقاع الأرض.
كتبَ أحدُ الشباب كلماتٍ شعريةً مفعمةً بالمشاعر الوجدانية يصفُ فيها دورَه هو أيضًا في صلب المسيح، تقول كلماتهُا:

1- في حزنٍ شديد، وانسحاقٍ أكيد
رأيتُ الحبيب، فوقَ عودِ الصليب
فسألْتُ في عجَب، لِما كلُّ ذا التعب؟
وتجَّسدَ السبب، إثمي يبدو هائلًا.
يا مَن فوقَ الصليب، أمحُ إثمي يا حبيب.

2- في وقتِ الهُجوع، وانطفاءِ الشموع
رأيتُ يسوع، باكيًا بالدّموع
كلُّ شوكةٍ به، قد غرزْتُها أنا.
فهَرَعْتُ نحوَه، وصرختُ قائلًا:
يا مَن فوقَ الصليب، أمحُ إثمي يا حبيب.

3- يا ربّي الحبيب، إني أعترف
إثمي قد جعَل، جنبَك ينزِفُ.
لكَ عهدي يا يسوع، لن أحزنَكَ أبدًا.
صوتي في كلِّ الربوع، سينادي هاتفًا:
يا مَن فوقَ الصليب، أنتَ لي نِعْمَ النَّصيب.

والسؤال الآن هو: هل خطاياكَ أنتَ أيضًا ساهمتْ بوَضع يسوع على الصليب؟ فإذا اعترفت بدورك في صلبه، فمعناه أنَّكَ علِمتَ السبب. وإذا علمتَ السبب، فما عليكَ إذًا إلَّا أن تشاركَ الآخرين عنه بقولك لهم: يا أُولي الآثامِ أَصغوا، واعرِفوا هذا السبب. (أُولي: يا ذوي)

المجموعة: نيسان (إبريل) 2025

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

315 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
12054145