يصف البشير يوحنا زيارة ثلاثة أشخاص لقبر المسيح بعد قيامته. حيث يلقي يوحنا الضوء
على الموقف الإيماني لكلٍّ من هؤلاء الأشخاص الثلاثة، وهم: بطرس، ويوحنا، ومريم المجدلية. نحاول التأمل في درجة إيمانهم وكيفيّة تجاوبهم مع رؤية القبر الفارغ، وأدلّة القيامة.
1- مريم المجدليّة
يركّز البشير يوحنا في رواية قصّة القيامة على أن مريم المجدليّة كانت السبّاقة لزيارة قبر المسيح، وبالتالي إحراز لقب أوّل شهود قيامة المسيح. بحسب رواية لوقا، كان المسيح قد شفاها، وأخرج منها سبعة شياطين (لوقا 2:8). يدلّ مجيئها الباكر في أول الأسبوع على تقديرها لفضله، ومحبّتها لشخصه، وشجاعتها. لقد شفاها يسوع وأنقذ حياتها من سكنى الأرواح الشريرة. وبعد رؤيتها الحجر مدحرجًا، ركضت وجاءت إلى سمعان بطرس ويوحنا، وقالت لهما:
"أخذوا السيد من القبر، ولسنا نعلم أين وضعوه!" (يوحنا 2:20). ثم عادت إلى القبر تبكي باحثة عن جسد يسوع، وقد سألها الملاك عن سبب بكائها، وكرّر يسوع نفس السؤال:
"يا امرأة، لماذا تبكين؟ من تطلبين؟ فَظَنَّتْ تِلْكَ أَنَّهُ الْبُسْتَانِيُّ، فَقَالَتْ لَهُ: «يَا سَيِّدُ، إِنْ كُنْتَ أَنْتَ قَدْ حَمَلْتَهُ فَقُلْ لِي أَيْنَ وَضَعْتَهُ، وَأَنَا آخُذُهُ»." (ع 15)
كان جواب مريم غريبًا، فهي تبحث عن جسد يسوع، وجلّ ما تريده هو حمله، وتحنيطه، ثم دفنه بكرامة تليق به. جوابها يدلّ على أنها لم تكن متوازنة في كلامها نظرًا لأن قلبها كان مكسورًا من الحزن، وربما كانت مرهقة، وتحتاج للنوم بعد يومين طويلين من الحزن بعد رؤية سيّدها يموت مصلوبًا. لقد قالت ليسوع إنّها تريد أن تحمل جسده بمفردها، وربّما يبلغ وزنه مع الأكفان والأطياب حوالي 250 باوند. يبدو الأمر غريبًا وغير منطقي أن تقوم امرأة مسكينة، وضعيفة بحمل جسد يسوع ودفنه مرة أخرى. إن سلوكها هذا يدلّ على إيمان عظيم بشخص يسوع، وامتنان كبير لما صنعه في حياتها. فكانت هي أوّل من رأى يسوع المُقام، وقد أكرم يسوع إيمانها العظيم، وتقديرها له، بأن تصبح أوّل شهود القيامة، وأن يكلّفها بأعظم مهمّة، وهي نقل الأخبار السارة لتلاميذه عن حقيقة قيامته.
2- بطرس ويوحنا
انطلق التلميذان بطرس ويوحنا ركضًا باتجاه القبر للتأكّد من حقيقة ما سمعا حال وصول الأنباء عن الحجر المدحرج، واختفاء جسد يسوع. هنا يصف البشير يوحنا طريقة تجاوب كلّ منهما مع حقيقة القبر الفارغ، واختفاء جسد المسيح. يوحنا، يصف موقفه كشاهد عيان، وبنفس الوقت، ناقل للرواية. لقد كان موقف يوحنا فاحصًا، متأمّلًا بعمق وهدوء البراهين الماثلة أمامه ممّا جعله يستخدم عبارة: "ودخل القبر… ورأى فآمن". وإذا دقّقنا في اللغة اليونانيّة لمعرفة معنى كلمة "رأى"، فسوف نكتشف استخدام يوحنا لثلاثة أشكال لفعل "رأى" اليوناني، هي: بليبوا، وثيوريو، وإيدون، لوصف ثلاثة أنواع من اختبار الرؤية لكلٍّ من التلميذين: بطرس، ويوحنا. فقد سبق يوحنا بطرس في وصوله أولًا إلى القبر، "وانحنى فنظر الأكفان موضوعة، ولكنه لم يَدْخُلْ". (يوحنا 5:20)
استخدم يوحنا هنا كلمة "بليبو" المترجمة "نظر" والتي تعني: "لاحظ دون أن يفهم بالضرورة". أما بطرس الذي وصل بعده إلى القبر فقد اندفع بلا تردّد ودخل القبر، ونظر الأكفان موضوعة. إن كلمة نظر التي تصف سلوك بطرس هنا هي الكلمة اليونانية: "ثيوريو"، وتعني "قام بفحص الأدلّة بغرض التحقّق. يتابع يوحنا روايته بقوله: "فحينئذٍ دخل أيضًا التلميذ الآخر الذي جاء أوّلًا إلى القبر، ورأى فآمن". (يوحنا 8:20) يستخدم هنا يوحنا في وصفه كلمة "إيدون"، اليونانية ومعناها "أدرك بفهم وآمن". والملاحظ أن يوحنا لم يذكر أن بطرس قد آمن بعد رؤيته الأدلّة.
وتؤكّد ذلك رواية البشير لوقا 12:24، حيث يقول عن بطرس: "فقام بطرس وركض إلى القبر، فانحنى ونظر الأكفان موضوعة وحدها، فمضى متعجِّبًا في نفسه ممّا كان." بالنتيجة، فقد نظر كلا التلميذَيْن بطرس ويوحنا نفس أدلّة القيامة أمامهما، ولكن موقفهما كانا مختلفين، حيث نجد خطوات إيمان يوحنا تبدأ بأن ينظر إلى القبر ويلاحظ، ولكن دون أن يفهم، ثم يتطوّر موقفه عندما يدخل القبر ويدرك بفهم، ثم يؤمن بقيامة المسيح. أما بطرس ذو الشخصيّة المندفعة فقد تصرّف بسرعة دون تردّد، ودخل القبر فورًا، ولكنّه لم يفهم ما حدث فورًا، بل مضى متعجّبًا في نفسه.
على كلّ حال، فقد كان إيمان التلاميذ عمومًا ضعيفًا وبطيئًا، ورغم كل أدلّة القيامة الواضحة: الحجر المدحرج، والقبر الفارغ، والأكفان الموضوعة، ومنديل الرأس الملفوف وحده، وشهادة النساء، وظهور الملائكة، لم يؤمن التلاميذ بشكل واضح إلّا عندما ظهر يسوع في وسطهم، وقال لهم: "انظروا يديّ ورجليّ: إنّي أنا هو! جُسُّونِي وانظروا، فإنّ الروح ليس له لحمٌ وعظامٌ كما تَرَوْن لي". (لوقا 39:24)
ليس هو ههنا، لكنه قام!