تكلَّمنا مُسبقًا في هذه السلسلة "فلنتقدَّم بثقة إلى عرش النعمة" من كلمة الله في الفصلين الرابع والعاشر من سفر العبرانيين
أولًا: عن الراحة، أي راحة النفس وسلام القلب. وللدّخول إلى هذه الراحة هناك ثلاثُ دعَوات: تعالَوا، وتقدَّموا واذهبوا.
وتحدَّثنا ثانيًا: عمَّا نختبرهُ في قدس الأقداس، وهذه أيضًا تحوي ثلاث اختبارات. وقُلنا: نختبر أوّلًا حبَّه وحنانَه السكيب، وثانيًا حضورَه ومجدَه العجيب، وثالثًا حمايةَ القدير المُهيب.
والآن نأتي إلى القسمين الثالث والرابع في هذه السلسلة وهما على التوالي: كيف ندخلُ الراحةَ والأقداس؟ وكيف يجبُ أن نذهب؟
كيف ندخُل الراحةَ والأقداس؟
أوّلًا: بشفاعةِ ابنِ الإنسان الرب يسوع المسيح نستطيع أن ندخلَ إلى هذه الراحة لأنَّنا جميعًا بحاجةٍ ماسَّة إلى شفاعته. يقول الكاتب في سفر العبرانيين والفصل الرابع: "فإذ لنا رئيسُ كهنةٍ عظيم قد اجتازَ السماوات، يسوعُ ابنُ الله، فلنتمسَّك بالإقرار. لأنْ ليسَ لنا رئيسُ كهنة غيرُ قادرٍ أن يرثيَ لضعفاتِنا، بل مجرّبٌ في كلِّ شيءٍ مثلُنا، بلا خطية. فلنتقدَّم بثقة إلى عرش النعمة لكي ننالَ رحمةً ونجدَ نعمةً عونًا في حينه." (ع 14-16)
والسؤال الآن: لماذا بشفاعةِ الرب يسوع وحدَه؟ تجيبُنا كلمة الله: "وليس بأحدٍ غيرِه الخلاص. لأنْ ليسَ اسمٌ آخَر تحتَ السماء، قد أُعطيَ بين الناس، به ينبغي أن نخلُص." (أعمال 12:4) نعم، لا أحدَ غيرُه، لا يوجدُ اسمٌ آخر يشفعُ بك. ولا اسمٌ آخر تستطيع بواسطته أن تدخلَ إلى محضر الله وتختبرَ سلامَ الله وخلاصَ الرب وشفاعةَ الرب. أولَم يقلْ بولس أيضًا: "لأنَّه يوجدُ إلهٌ واحد ووسيطٌ واحد بينَ الله والناس: الإنسانُ يسوعُ المسيح، الذي بذلَ نفسَه فديةً لأجل الجميع." (1تيموثاوس 5:2-6) نعم، فهو الوسيطُ الوحيد لأنَّه وحدَه مات لأجلك. ولا أحدَ سواه كان من دون خطيّة. ولا أحدَ غيرُه ابن الله وفيه الطبيعة الإلهيّة النقيّة وفيه أيضًا الإنسان يسوع المسيح، هو يسوع ابن الله. وهو أيضًا مجرَّبٌ في كلِّ شيء مثلُنا - أي يستطيع أن يشعرَ معنا. يقول النبي إشعياء: "في كلِّ ضيقهم تضايق، وملاكُ حضرته خلَّصهم." (9:63) وفي المزمور 91 وردت الآية المعزّية: "لأنَّه تعلَّق بي أنجِّيه. أرفِّعُه لأنَّه عرَف اسمي. يدعوني فأستجيبُ له، معه أنا في الضيق." (14-15) نعم، هو يحسُّ بك وبآلامك. لا بل أكثرُ من ذلك هو تألَّمُ عِوضًا عنك على الصليب. قال عنه إشعياء النبي: "لكنَّ أحزانَنا حملَها، وأوجاعَنا تحمَّلها". (4:53) أجل، هذا هو رئيس كهنتنا. هذا هو ملكُ الملوك الذي يشعرُ بك. والآن كيف تقدرُ أن تدخل؟
أ- بدم يسوع: فحين تدخل إلى خلوتِك اليوميّة، قُلْ له أوّلًا طهّرني ونقِّني حتى أعبدَك بالحقّ. امتحنْ نفسك في بداية كلِّ يوم كما نفعل قبلَ أن نتقدَّم إلى المائدة. فالدم يطهّر الخلايا وينقّيها. أهلُ العالم يخافون من الدم. لكن ليس هناك من سائلٍ آخَر يطهِّر خلايا الجسد أكثرَ منه على سطح الأرض. وهنا أتكلّم من الناحية الطبِّيَّة. فالدّم ينقِّي الجسم من ثاني أوكسيد الكربون ومن كل المواد السامَّة الأخرى في الجسم مثل lactic acid وغيره. وحين يتوقَّف الدم عن الوصول إلى منطقةٍ معيَّنة بالجسم يصبح لدى الإنسان Necrosis أي أنسجةٌ ميّتة. لهذا دورةُ الدم مهمّة للغاية. خُذْ مثلًا هذه الحالات: إذا توقَّف الدم عن الرِّجلَيْن يصبح لدى المريض غرغرينا Gangrene. عندها ينبغي بترُ الرِّجل المصابة. أما حين يتوقَّف الدم عن الوصول إلى الدماغ فيُصاب عندها المريض بالفالج. وكذلك حين يُصاب الشخصُ بذبحةٍ أو سكتة قلبيّة معناه أنَّ هناك منطقةً معيّنة في القلب قد انقطع عنها الدم. فالدم ضروريٌّ جدًّا لاستمرارِ الحياة. وتقول كلمة الله: "وبدون سفكِ دمٍ لا تَحصُلُ مَغفرة!" (عبرانيين 22:9) وأيضًا: "لأنَّ نفسَ الجسد هي في الدّم." (لاويين 11:17) أي حياةُ الجسد هي في الدّم. لذا نقرأ: "ودمُ يسوعَ المسيح ابنِه يطهّرُنا من كلّ خطيّة." (1يوحنا 7:1) لهذا وقبلَ أن تدخلَ إلى محضرِ الله في وقت خلوتِك الروحيّة معه، وإذا شعرْتَ أنَّك تصرَّفت بشكلٍ خاطئ خلالَ النهار، قُلْ للربّ نقِّني وغسِّلني بدمك واملأني بروحك القدّوس. وهذا صورة للماء إذ يقول في (عبرانيين 22:10ب) "مغتسلةً أجسادُنا بماءٍ نقيٍّ" وأيضًا روح الله يَستخدم الكلمة حتى ينقّي حياتك. كما يقول في (أفسس 26:5) "بغَسلِ الماء بالكلمة". عندئذٍ تفيضُ من بطنِك أنهار ماء حيّ. ألم يَقُلِ الربُّ يسوع: "من آمن بي، كما قال الكتاب، تجري من بطنه أنهارُ ماءٍ حيٍّ. قال هذا عن الروح القدس الذي كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه." (يوحنا 38:7) لهذا تعال إلى هذا المكان وادخل إلى محضر الله وابقَ هناك. ويمكنك عندئذٍ أن تمارسَ أعمالَك ومهامَك اليوميّة وأنتَ في محضره. هناك حيث تُستجاب الصلوات وحيث حياة السلام (الذي يفوقُ كلّ عقل). هناك أنتَ في محضر القدّوس الذي أحبَّك حتى الموت موت الصليب. محضر المسيح الذي هو عمَّانوئيل الذي تفسيرُه الله معنا.
هل تعلم يا أخي أنَّنا عندما ندخل نحنُ الأطباء غرفةَ العمليّات لإجراء عمليّة، علينا أن نغسلَ أيديَنا ونطهِّرها بالتّمام، ومن ثمّ نقوم بارتداء لباسٍ خاصّ معقَّم. كما وعلينا أن نغطّي أحذيتنَا بغطاءٍ خاص Radiated Cover. هكذا أيضًا نفس العمليّة تنطبقُ علينا حين نودّ أن ندخل إلى محضر الله. فنعترف بأيَّة خطيّة لأنَّه: "إنِ اعترفْنا بخطايانا فهو أمينٌ وعادل، حتى يغفرَ لنا خطايانا ويطهِّرَنا من كلِّ إثم". (1يوحنا 9:1) فابقَ يا أخي في محضر الله في حالة القداسة. لهذا تقول كلمة الله بأنّ نمتنعَ عن كلِّ شبه شر. "وإلهُ السلام نفسُه يقدِّسُكم بالتمام. ولتُحفَظْ روحُكم ونفسُكم وجسدُكم كاملةً بلا لوم عند مجيء ربِّنا يسوع المسيح." (1تسالونيكي 23:5) كما وندخل إلى محضره بزينةٍ مقدّسة. عندها تختبر قوة الحياة المباركة عن طريق الصلاة الدائمة كما قال داود: "أما أنا فصلاة". (مزمور 4:109) فالخطُّ مفتوح بينك وبين الربّ.
كان رئيسُ الكهنة في القديم يدخل إلى قدس الأقداس مرةً واحدة في السنة ويَعتبرُ دخولَه هذا امتيازًا كبيرًا. أما أنت فلكَ حقُّ الدخول إلى محضره متى شئتَ وأردت. فانتبه ألّا تحتقرَ الله، له كلّ المجد، بأن تهملَ خلوتك الروحيّة معه. من خلال خدمة HOME كان لي الشرفُ أن ألتقي مع عدد من الرؤساء في العالم العربي وكذا وزراء ونواب وأمراء. وفي كلِّ مرّة كنّا نذهب إلى الموعد للقاءِ أحد المسؤولين كنّا نعزِمُ على الذَّهاب قبلَ الموعد المعيّن. واعتبرنا انتظارَنا هذا كسفراء عن المسيح امتيازًا هامًّا. فكم بالحريّ وجودُنا في محضر الله؟ والله يدعوك إليه للصلاة وقضاءِ خلوة مقدّسة معه لكي تكون جنديًّا صالحًا للمسيح.
ب- بصليب يسوع المسيح: تستطيع أن تدخل إلى الأقداس بواسطة صليب الرب يسوع المسيح. أيّ أن تتحّد به. كان الحجاب بين القدس وقدس الأقداس يمنع أيَّ أحد من الدخول لكن حين كان المسيح على الصليب انشقَّ الحجاب لكلّ المؤمنين الحقيقيّين. تمامًا كما جاء في الآية: "فإذ لنا ثقة بالدخول إلى الأقداس بدم يسوع، طريقًا كرَّسه لنا حديثًا حيًّا بالحجاب أي جسده." (عبرانيين 19:10-20) وهو صورة لجسد المسيح الذي انشقَّ على الصليب لأجلك ولأجلي. لكن عليكَ أن تتَّحدَ معه بشبهِ موته حتى تصير أيضًا متَّحدًا معه بقيامته. "لأنه إن كنّا قد صرنا متّحدين معه بشبه موته، نصير أيضًا بقيامته." (رومية 5:6) لأنّه حين تتّحد بالمسيح معناه أن تقول له: يا ربّ اصلبْ كلَّ خطية هناك على الصليب كما جاء في (غلاطية 24:5) "ولكنّ الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات." واهتف مع الرسول بولس: "مع المسيح صُلبت، فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيّ". (غلاطية 20:2أ) أي لا إرادتي أنا بل إرادتك. أدعوك أخي إلى هذه الحياة المكرَّسة والمقدّسة التي تقدر بها أن تدخل إلى الأقداس بواسطة عمل نعمة المسيح وصليبه. إنَّ العالم من حولك يتطوَّر إلى النجاسة وليس إلى القداسة كما جاء في (رومية 29:1) "مملوئين من كلِّ إثمٍ وَزِنًا وشرٍّ وطمعٍ وخبثٍ، مشحونين حسدًا وقتلًا وخصامًا ومكرًا وسوءًا." فبالرغم من كلّ تطوُّر وتقدّم الإنسان التكنولوجي إلَّا أنَّه لم يصبح أفضل. لا بل ازدادَ وحشيّةً. تقدَّم بالسلاح وآلاتِ القتل الجماعي وصار يقتل عبرَ الأقمار الاصطناعيّة آلاف الناس. أنا لستُ ضدَّ التكنولوجيا لكنَّ قلب الإنسان الشرير أولًا يستخدمُ هذه الأدوات لقتل الأبرياء. فالإنسان متوحِّش دون المسيح. خذْ مثلًا عند افتتاح الألعاب الأولمبية في السنة الماضية، ماذا قدَّم الممثّلون؟ أليست فقراتٍ لا أخلاقية تعبّر عن نجاسة الإنسان؟ نعم، الخطية محيطة بنا بسهولة. كم نحن بحاجة إلى أناسٍ مؤمنين مقدّسين يقفون للحقّ بحسب كلمة الله، ذوي قلوب لحميّة يشعرون مع معاناة الإنسان من أيَّة خلفيَّة كان. هل تعلم ما هو هدف كنيسة هيوستن العربية؟ هو أن تعلنَ محبّةَ الله لكلّ عربيّ لـ 420 مليون في العالم العربي ولكلِّ إنسانٍ آخر من غير العرب هنا وهناك. ونعلن محبّتنا لكلّ إنسان والخلاص بالربّ يسوع المسيح وحياة القداسة والطهارة. هذه هي رسالتنا وسط هذا العالم وهذا ما نستطيع فعله إن دخلْنا بدم يسوع المسيح وبصليب المسيح.يتبع