لم يختاروا المجيء إلى هذه الدنيا ولا هم اختاروا حتى العائلة التي ينتمون إليها؛ هم أولادنا عطية الله لنا وثمرة زواجنا،
وما كنّا من دونهم إلا تعساء؛ هم مسؤوليتنا ولدينا الكثير من الواجبات تجاههم، لأنه من حقّهم أن يترعرعوا في أجواء صحيّة وسليمة، وأن ينعموا بالسلام والطمأنينة وبالاستقرار النفسي.
يعتمد الكثيرون من الأهل أسلوب إغراق الأولاد بالمال ويجلبون لهم أحدث الألعاب. كما يسافرون معهم سنويًّا ويغمرونهم بالثياب وبالترف. لكن هل هذا هو المطلوب؟
ونحن كأهل نتكلّم دائمًا عمّا نريده من أولادنا، وكيف نريدهم نحن أن يكونوا. لكنّنا نغفل أن لأولادنا حقوقًا أساسيّة. نريدهم مطيعين، أذكياء ومتفوّقين، ونريدهم ناجحين واجتماعيّين، وشاكرين. نريدهم مستقرّين ويعرفون كيفيّة اتّخاذ القرارات السليمة في الحياة. فهل سألنا أنفسنا عمّا يريدونه هم؟
أظهرت الدراسات كلّها أن ما يواجه أولادنا من نتائج مدرسيّة، أو خيارات في الحياة، أو أزمات نفسيّة، هي ذات علاقة مباشرة بالحياة المنزليّة. لذا لا بدّ من أن نعرف الأمور التي يجب أن نقدّمها لأولادنا خلال سنوات نموّهم.
يحتاج أولادنا إلى جوّ محبّة وإلى أن ينعموا براحة البال من دون توتر أو خوف. يريدون أجواء مسالمة غير مشحونة، ومنزلًا مستقرًّا. ومن حقّهم أن يناموا بسلام. وأن يتوفّر أهلهم لهم فيكرّسون لهم الوقت الكافي ويحمّلون قلوبهم أطيب الذكريات للسنوات المقبلة.
حقّهم علينا أن ينموا في أجواء سليمة نفسيًّا ليصبحوا بدورهم أشخاصًا أصحّاء نفسيًّا يتمتّعون بشخصيّات مرتاحة. وهناك - بالطبع - الكثير ممّا قد يحصل في الحياة خارج عن إرادتنا كالوفيات أو الأمراض. ولكنه يوجد في المقابل الكثير الذي نستطيع أن نقدّمه لهم وفق إمكاناتنا وطاقتنا. وهو في متناول أيدينا جميعًا، فقراء وأغنياء، أصحّاء أو مرضى. وهذه أمور مطلوبة منّا مهما كان ولا قدرة لأحد أن ينوب عنّا بها. وهي حقائق يجب أن نرسّخها في أذهان أولادنا:
1- أنّنا نحبّهم
"ولدي، ابنتي، أنا أحبّك". يجب أن يعرف الولد أن أهله يحبّونه بشدّة. يحبّونه كما هو. ليس لعلاماته، أو لإنجازاته، أو لأنّه متفوِّق في مجالات عدّة، أو لجماله. يُخطئ الأهل عندما يميِّزون بين أولادهم فمثلًا يتباهون بابنتهم الجميلة أكثر من الأخرى وبالولد المتفوِّق أكثر من الآخر بما لا يوفّر الراحة النفسيّة للولد. فلنتعلّم من إلهنا الذي أحبّنا: "ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا". هذا هو نوع المحبّة المطلوبة، المحبّة المضحّية غير المشروطة. هذه المعرفة يجب أن يحصّلها الولد من خلال أعمالنا، ولكن أيضًا من خلال كلامنا. قل له: "أنا أحبّك". التعبير هنا مهمّ جدًّا، لا يجوز أن يسمع منك الانتقاد والتوبيخ فقط، لأن التعبير عن المحبة يترك في نفسه الأثر الأبلغ.
2- الله يحبّهم
يجب أن نشدّد عليهم بأن الله يحبّهم. قد تتساءل: لماذا؟ لأن هذه من أهمّ أساسات الاستقرار النفسي للإنسان. نحن اليوم هنا، وربما نرحل في الغد عن هذه الدنيا أو نمرض؛ أما الله فهو "أمسًا واليوم وإلى الأبد" الأساس المتين. إنه "الصخر" الذي نبني عليه حياتنا. ازْرَعْ هذه الفكرة في رأس الولد. أوّلًا لأنها صحيحة مئة بالمئة؛ فالله يحبّ أولادنا أكثر مما نحبّهم نحن. وهو أهمّ صديق يأخذونه لأنفسهم في رحلة حياتهم، وأهم عنصر ثبات واستقرار وسلام.
3- سنقف إلى جانبهم سندًا دائمًا لهم
إنهم أولادنا مهما حدث. ونحن لا ولن نتخلّى عنهم أبدًا. يجب على الأهل أن يُشعِروا أولادهم بأنهم متوافرون دائمًا لهم، من خلال المحادثات والمشاركة والسند في كلِّ ظروف الحياة؛ ولا يجوز أن يكون الأهل آخر من يدري بصعوبات أولادهم وأزماتهم. علينا أن نربح ثقتهم وصداقتهم حتى يأتوا إلينا ويشاركونا بما يمرّون به، كما لا يجوز أن نسخّف أزماتهم وأمورهم مهما كانت بل أن نشاركهم ونشعر معهم، ليتأكّدوا من أنّ أهلهم متفهّمون. يجب أن نمارس ذلك عمليًّا وأن نصارحهم أيضًا بالأمر باستمرار ليسمعوه بآذانهم مرارًا وتكرارًا.
4- أننا فخورون بهم
نوبّخهم وننتقدهم على كلّ تصرّف خاطئ، لأنّه يتوجّب علينا أن نوضّح لهم التصرّف الخطأ من التصرّف الصحيح. لكن ماذا نفعل عندما يتصرّف أولادنا تصرّفًا جيِّدًا، أو يأخذون قرارًا صائبًا. هنا تسنح لنا الفرصة لمدحهم والتعبير لهم عن فخرنا. التعبير ضروريٌّ جدًّا. يكفي فقط أن ترى وجه ولدك في كلّ مرّة تعبّر له فيها عن فخرك به. "بابا، أنا فخور بك". لهذه الجملة الأثر الأكبر في نفسيّة الولد، ومن الضروري جدًّا أن يسمعها منك، أنك سعيد بأنّه ولدك وأنك تشكر الله الذي وهبك إيّاه. كما أنّه من الضروري أن يسمعك تعبّر للناس عن فخرك به أو بها. فهذا يمدّه بالكثير من الثقة بالنفس، ومن الاستقرار، ويمنحه دافعًا جيّدًا وتقديرًا لأهله. فيبادلهم هذا الشعور ويشعر بفخرٍ تجاههم.
5- أن نقرّ بالخطأ عندما نخطئ معهم
لا ضرر إذا قلنا "أنا أخطأت". الكثيرون من الأهل يعتبرون أنه من الضعف الاعتراف لولدهم بخطئهم نحوه. لكنّه يؤثّر إيجابًا عليهم بأكثر ممّا نتوقّع. ومن الأفضل طبعًا أن نحاول قدر الإمكان ألّا نخطئ معهم، لكنّه يجب على ولدنا أن يسمع منّا مثل هذا الاعتراف عندما نخطئ. ولو أنّك، مثلًا، غضبت عليه وأسمعته كلمة نابية، فيجب أن تعتذر منه لاحقًا، لأنّه من الخطأ أن توبّخه على أمر وتفعله أنت نفسك لاحقًا.
6- أن نصارحهم بأخطائهم
من المهمّ في دورنا كأهل أن نعلّم أولادنا الصحّ من الخطأ. لأنّ التمييز والحكم السليم على الأمور من ضرورات النجاح في الحياة. وهو ما يتطلّب منّا أن نبحث الأمور معهم ونناقشها بعمق كما نناقش الدوافع أيضًا. الكثيرون من الأهالي يدافعون عن أولادهم مهما فعلوا، ويحمونهم من دفع ثمن أخطائهم، كما يلقون اللوم في الخطأ على أيّ شخص آخر أو على الظروف. يجدون دومًا التبرير لأولادهم. لكنّ ذلك غير سليم ولا يخدمهم أبدًا على مرّ السنين. لأن مبدأ الحياة والواقع، كما يعلّمنا ذلك الله، هو في أن الإنسان يحصد ما يزرع، فمن زرع فسادًا سيحصد فسادًا أيضًا.
النفسيّة السليمة هي في التربية السليمة، فلنطلب حكمة من الله ولندرّب أنفسنا على التعبير الصادق والصريح. لأولادنا الحق بأن يعرفوا هذه الحقائق في أذهانهم ويسمعونها بآذانهم.